على قدم واحدة كاللقلق في الخدمات والاهتمام بلدة معبدة في الجزيرة.. مازالت على الهامش

محمود عبدو عبدو

   تعدُّ الجزيرة السورية سلة الغذاء السوري بامتياز، لما تنتجه من «نفط» ومحاصيل زراعية واقتصادية (قمح، شعير، قطن) ورغم كلِّ ذلك ورغم تكرار مواسم الجفاف، إلا إنها مازالت تعاني نقصاً في الخدمات والبنية التحتية ككل, لنجد بلدة معبدة (تبعد عن الحسكة 150 كم تقريباً) التي تقصينا عن واقعها نتيجة الشكاوى وما تلقيناه من مواطنيها من سوء الخدمات والإهمال القديم, وكونها تحوَّلت إلى إحدى أهم المدن المنسيَّة في الجزيرة السورية.
مدينة على قدم واحدة
معبدة مدينة حديثة العهد تستقطب سنوياً آلاف العائلات التي تستقرُّ فيها، وكانت تحمل سابقاً اسم «تل اللقلق» نظراً إلى وجود طائر اللقلق على أشجارها، ولكن أصبح هذا الطائر من ماضيها أيضاً نتيجة زحف الإسمنت والتغيّرات البيئية الكثيرة..

تبلغ مساحة معبدة 300 هكتار، ويبلغ عدد سكانها 23 ألف نسمة، وتمتاز المدينة بالشارع الرئيس الذي ينصِّفها إلى منطقتين، شمالية وجنوبية، فكما كان الشارع منصِّفاً للمدينة، كذلك كان فاصلا بين منطقة مهملة بالكامل وأخرى نصف مهملة، ويمكن تشبيهها باسمها القديم «مدينة اللقلق» حيث تقف على قدم واحدة (جهة واحدة مخدّمة جزئياً)

ملامح التهميش والنسيان
 بحسب ما بيَّن بعض مدرِّسي وأهالي المدينة لـ «بلدنا»، فإنَّ القسم الجنوبي من البلدة لاتوجد فيه أيُّ مدرسة؛ ما يضطرُّ الأهالي والأولاد إلى قطع الطريق العام الرئيس إلى القسم الشمالي, وأثناء الذهاب والقدوم من المدارس يتعرَّض هؤلاء لمختلف أشكال المخاطر؛ كالتعرُّض للحوادث، كما أنَّ هناك نقصاً في بعض المواد (الفرنسية على وجه التحديد)..

وعلى الرغم من المطالبات بإنشاء مدرسة، إلا أنَّ محاولات الأهالي المقيمين في الجزء الجنوبي باءت بالفشل، ولم يفِدهم تقديم عرائض تحمل بصماتهم لاستعادة المدرسة التي كان من المزمع إقامتها للجهات المعنية.
سكان الحي الجنوبي يشكون أيضاً من عدم وجود اهتمام بمنطقتهم, ويجدون تركُّزاً حتى في الجمعيات السكنية في المناطق الشمالية (جمعية رميلان 70 شقة، وجمعية معبدة 54 شقة، وغيرهما..).

كما تعاني معبدة من وجود أعداد كبيرة من الكلاب, كقوافل ضمن الشوارع الرئيسة والفرعية وفي ساعات الليل الباكرة, حتى إنَّ مناطق كثيرة تتحوَّل إلى مناطق مخيفة ليلا والخروج في الليل يكون خطراً حيث يتمُّ حظر تجول خوفاً من الكلاب الشاردة, وتكرَّرت حالات هجوم وعضّ الكلاب لبعض الأهالي سابقاً، وتكرَّر ما تحدثه هذه الحيوانات من حوادث سير أيضاً.
ولعل ظاهرة التنجيم ليست في قهوة الصباح أيضاً، بل في فواتير المياه في بلدة معبدة؛ إذ يشير الأهالي إلى تقارب الفواتير وتطابقها بين كافة الشهور دون أن تقوم وحدة المياه بتسجيل الصرفيات الفعلية, لذلك فهم يلجؤون إلى التنجيم وعملية التقدير, وهنالك مخاوف لدى البعض من تراكم الأرقام فيما بعد دون أن تكون لهم يد في ذلك..

وأشار آخرون إلى أنَّ الأرقام الموجودة في الفواتير ليست موجودة على الساعة!؟.

حدائق بالاسم فقط!
   تعاني البلدة من عدم وجود أيِّ متنفَّس لأبنائها، لذلك يتَّخذون من الأزقّة والشوارع مرتعاً لصباهم, حيث لا حدائق في القسم الجنوبي، وأما حدائق القسم الشمالي فهي أسوار لأراضٍ جرداء ومقفلة على أوساخها، حتى إنَّ بعضها يُستغلُّ من قبل البعض ليزرعوا بعض الزراعات، وكأنها حديقة منزلية حيث تجد فيها القطط والكلاب وحتى الحمير..

واستكمالاً للنواقص في الجوانب الترفيهية للمدينة، فالبلدة تفتقد ملعباً رياضياً، ولا توجد فيها نوادٍ رياضية, والمعلب الوحيد تمَّ الاستيلاء عليه وزراعته بأشجار الزيتون، من قبل أحد المواطنين..

و رغم وجود مركز صحي في البلدة، إلا أنه لا يفي بالحاجة الطبية والعلاجية للمدينة والضغط السكاني الهائل..

ونظراً إلى كون المركز الصحي بدوام واحد، تصبح الحاجة إلى مستشفى ذات أهمية, كون أقرب مستشفى عام يبعد 25 كم وأكثر..

وتشكِّل بلدة معبدة ملتقى لمناطق وقرى كثيرة ومهمة، كقرى منطقة آليان بالكامل وقرى مناطق الكوجر وكراتشوك والسويديات والسعيدة.

كما يحتاج المركز الحالي إلى توافر جهاز تصوير أشعة وضرورة توفير مصول لدغات العقارب وعضات الكلب في كافة الأوقات والفترات..
 
للبلدية مبرِّراتها ورأيها ومشاريعها
بعد أن استعرضنا مع أبناء البلدة معاناتهم، حملنا ما في جعبتنا من أسئلة ومطالب إلى رئيس مجلس بلدة معبدة الجديد، محمود دياب، الذي بدا أنه أشدُّ حرصاً على تبيان الحقيقة دون مواربة، ووضع النقاط على الحروف،  وأكَّد أنه يحاول مذ باشر إدارته منذ أقل من عام وضع أسس وضوابط لها علاقة باحتياجات البلدة الرئيسة..
حول واقع البلدية وإمكاناتها الحالية، بيّن رئيس المجلس أنَّ لديهم 29 عاملا فقط في البلدية، موزَّعين: 11 عامل نظافة، وسائقان و3 فنيين و4 مهندسين وعمال حدائق بالعقود..

والآليات هي (تركتوران فقط وصهريج «مقطورة» وبيكأب)..

وتابع: «قمنا مؤخَّراً بشراء سيارة ضاغطة، ونحن موعودون بسيارات أخرى, وكانت الميزانية الاستثمارية 30,400 ألف، وبلغ التحصيل الضريبي 160 %، ولدينا عقارات للبيع، وحوالي 50 مليون ل.س موزَّعة على أقساط، وهناك تسوية للعقارات»..

وبيَّن أنَّ ميزانية 2010م الإجمالية هب 32 مليوناً؛ منها 25,400 مليون للمشاريع الاستثمارية، ومنها ما هو مخصَّص لشراء آليتين وبلغنا نسبة إنجاز وتنفيذ في الميزانية 94 % من 2009..


وعن المشاكل بيَّن دياب لـ»بلدنا»: «هناك توزيع غير عادل بالنسبة إلى المدارس، والسبب كان من المالكين، إضافة إلى عدم وجود أراضي أملاك دولة قريبة من التجمعات السكانية في المنطقة الجنوبية، والآن قمنا بإنزال مشروع مدرسة في الحي الجنوبي ضمن الخطة بعد موافقة الملاك وإنزالها في خطة 2010 م.

كما كان في البلدة ملعب رياضي تمَّت زراعته من قبل أحد المواطنين بالزيتون في السنوات الأخيرة،  وهي في الأصل أراضي أملاك دولة، ومستملكة للبلدية، ولدينا فكرة أشمل، ألا وهي إحداث نادٍ رياضي، وبموجبه سنهيِّئ له الملاعب الكافية، وكذلك لدينا فكرة إنشاء منتجع واستثماره مع القطاع الخاص..

وحول واقع الحدائق، لدينا سبع حدائق؛ 5 قيد الاستثمار، واثنتان في ميزانية 2010 للحي الجنوبي، وتمَّ رصد موازنة لتحسين هذه الحدائق وتحويلها إلى حدائق فعلية، وليس مجرد أسوار كما هي الآن»..

وأضاف: «بخصوص ترحيل القمامة، لدينا تركتوران على عدة ورديات يرحِّلان القمامة إلى معمل حرق المخلفات التابع لمدينة رميلان، ووجدنا أنَّ وضع أنصاف براميل غير مجدٍ..

ولدينا قرابة 40 حاوية كبيرة قريباً ستوضع مع السيارة الضاغطة في الخدمة..

وستتمُّ إزالة شبكة الكهرباء المعيقة وعواميدها..

كما أنجزنا الرصيف الشمالي بقيمة 4 ملايين، ونعمل على إزالة خطوط نقل النفط التي مازال بعضها موجوداً ضمن البلدة وضمن مخططها التنظيمي، وخطوط الغاز والتوتر العالي الخاص بشبكاتها الكهربائية، كما أنَّ المسلخ أو مكان الذبح الحالي هو خارج المخطط التنظيمي، ومياه الصرف ستُعالج أيضاً»… 
وعن الفتحات المطرية، أوضح أنَّ: «الطبيعة الجغرافية لأراضي معبدة منخفضة، بحيث تجعل الفتحات المطرية غير قادرة على استيعاب الهاطل والمنسوب الزائد الناتج عن ميلان وارتفاع المناطق المحيطة»..

وعن واقع الخبز بيَّن: «الخبز لا يكفي المدينة، ونحن بحاجة إلى فرن آخر، ولدينا فكرة إحداث فرن للبلدية»..

وأشار إلى ما قدَّمته البلدية مؤخراً من عملية تكريم المتفوِّقين والأوائل في البلدة، وهي بادرة مميَّزة وسنعزِّزها بمواضيع ومساهمات أخرى بيئية وثقافية قريباً.
 
 
مدينة دون حاويات
قد تكون ظاهرة وجود مدينة دون حاويات قمامة, أمراً غريباً تُسجَّل له براءة إهمال بامتياز, لذلك تتحوَّل منصفّات الشوارع والحدائق إلى أماكن تجميعية للقمامة, كما تفتقد المدينة مسلخاً نظامياً وصحياً بإشراف الرقابتين البيطرية والصحية, لذلك تتمُّ عمليات الذبح في العراء وفي أطراف البلدة.

وذهب البعض إلى أنَّ «تركتور» البلدية لا يدور في كلِّ الشوارع، والنتيجة حارات تتحوَّل إلى مكبات قمامة كاملة.


 
وبعد كلّ ما قيل: هل ستبقى بلدة معبدة منسيّة أكثر وستبقى بعيدة عن أعين المسؤولين، أم أنَّ الحلول ستجد الطريق لتصل إلى أهالي المنطقة وسيكون هناك تحسُّن قريب ومتابعة لما طرحه الناس وما وعد به رئيس المجلس؟..

هذا ما نتمنَّاه، وفي انتظار ما تحمله الأيام القادمة من اهتمام وخيرات وتحسين للواقع الخدمي العام لأهالي هذه البلدة الوادعة.
 

جريدة بلدنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…