المرجعية كمشروع في ضوء واقع الحراك السياسي الكردي في سوريا

  ميداس آزيزي
Email:midaseazizi@yahoo.com

إن السجال الدائر بين أطراف الحركة السياسية الكردية حول إنشاء مرجعية ، يرتكز إليها الحراك السياسي للشعب الكردي ، أصبحت موضع جدل في الشارع الكردي ، لأهمية تشكيل إجماع كردي أمام الاستحقاقات القادمة ، خشية من تشكل أضرار تنتج عن وجود خطأ في مسيرة الحراك ، وما يترتب على الخطأ من العبثية التي أخشى تعيشها الساحة السياسية الكردية .

وخاصة أننا بتنا نسمع بين فينة وأخرى بولادة حزب جديد وانشقاق جديد ، وبظهور مسميات كثيرة  تعلن عن هذه الانشقاقات ، علما أن الكثير منها تفتقد حين تطبق عليها  المعايير والمقاييس للتأهيل لان تسمى بتنظيماً أو حزباً سياسياً ، لكونها لا تملك سوى جريدة تصدر عند اللزوم .
 ومع احترامي الشديد لمبدأ التعددية الحزبية الذي يشكل ضرورة في الحراك السياسي الكردي ،  فان ما نشهده اليوم تخطى كل المسلمات المعهودة في العمل السياسي ، وأصبحت تشكل ظاهرة سلبية توثر في بنيته الاجتماعية ، وتخلق حالةً من الارتباك السياسي بين الجماهير .

وخاصة خلال محاولات بعض الأحزاب الصغيرة الساعية إلى الترويج لنفسها ، عبر رفع سقف الشعارات الديماغوجية ، والعبارات التي تسئ وتوسع من دائرة التشويه للقضية الكردية في سوريا .

  

إن تطور المجتمع لا يمكن أن يقبل بأنماط سياسية موروثة ، كانت هي السائدة في فترة زمنية سابقة ، ولم تعد تتوافق مع روح العصر ، وشكل المقاربة من العملية السياسية برمتها.

فالخلل في الأطر السياسية التي تكونت على مبدأ المحاور ، والتجاذبات السياسية الوهمية ، والارتجالية القائمة على الفعل  وردة الفعل ، هي التي أخرجت من رحم الحركة السياسية الكردية مفرزات نخشى انه  لم يعد من الممكن ضبطها بوصفات ومشاريع تطرح اليوم ، كما تسعى بعض الأطراف الكردية  حين شكلت “المجلس السياسي ” ، والذي جاء كمحصلة لتراكمات ضاغطة في الشارع الكردي على حالة التشرذم والتشتت ، التي تعاني منها الحركة الكردية في سوريا .

لقد اتخذ الحراك السياسي الكردي مساراً تقليديا هي في جوهره ، حين اعتمد على التجارب السابقة في إنشاء الأطر والتحالفات المبنية على اختزال القرار السياسي في هيئات حزبوية عليا ، وعلى قاعدة إضافة إطار ضمن إطار ، مستبعداً مشاركة المستقلين كشريك فعال في الحراك الثقافي والاجتماعي الذي يشكل البنية التحتية للحراك السياسي .

وبذلك علقت تلك العلاقة الشائكة في زاوية استنسخت النمط الكلاسيكي في العلاقة بين الأحزاب والجماهير ، وهذا ما يعيد الذاكرة إلى التجربة السورية في تكوين العلاقة بين المدني والسياسي في مطلع الألفية الثالثة ، بدءا من تشكيل لجان المجتمع المدني ، و وصولا إلى تجربة إعلان دمشق وما رافقها من قصور في فهم كل طرف فيها للآخر .

لذا فإن  إعادة إنتاج اطر جديدة مماثلة شكلا ومضوناً لسابقاتها ، كمثال ” المجلس السياسي ” الذي أعلن مؤخراً تأتي نتيجة للخلل في النشاط السياسي الكردي ، من حيث أنها غير ملائمة  أصلاً لواقع الحال الكردي ، وطبيعة التفاعل بين مكوناته السياسية ، من حيث التمايز والاختلاف الواضح بين المشكلين للمجلس السياسي  .

إن الكثير من القضايا المحورية التي تحتاج إلى حل من الناشطين في الحراك السياسي الكردي ، لا يصح أن تشكل  أرضية مناسبة  لبناء مرجعية لكونها تفتقد لمرتكزات لإطار متجانس ، يستند إلى مجموعة من الرؤى والتصورات ، إلى جانب فهم الآليات العمل ، و العلاقة مع  شركائنا في الوطن .

أن كوننا كردا لا يبرر ولا يشفع لنا في أن نتجاوز الواقع تحت مجمل  يافطات عاطفية .

إن كوننا أكراداً وأخوة هو حق تام لا ينازع فيه ، ولكن لنسم الأشياء بمسمياتها ، لان حقيقة الأمر أن  هنالك الكثير من المسائل العالقة ضمن دائرة ممتلئة بتناقضات وتعقيدات ، وهي تمس قضايا حساسة ودقيقة للغاية ، بحاجة إلى مشروع شامل يظهر مشروعية حراكنا في الواقع من خلال  التأسيس له على مرجعية من أخوتنا الكردية .
عقد المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا اجتماعا بتاريخ 20/11/2009، حضرته الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمهنية والإعلامية، وأعلن فيه المجلس العام للتحالف مشروعه للرأي العام الكردي ، لعقد مؤتمر وطني كوردي ينبثق عنه مرجعية كردية .

إن من الواضح والبين بأن هذا المشروع المطروح من قبل المجلس العام هو نتاج طبيعي للنقاشات والمداولات التي جرت بين أعضاء المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا ، حول كيفية تاطير الحركة الكردية في سوريا بما ينسجم مع حجم مخاطر المؤامرات التي تنسج للقضية الكردية .

و أحداث آذار 2004  رفعت في سلم الأولويات على جدول أعمال المجلس العام ،ضرورة عقد مؤتمر وطني كردي ، واعتباره خيارا  استراتجياً يستوجب العمل من اجله ، وتتبلور الرؤي من خلاله وفق المعطيات على الساحة السياسية الكردية .

 إن هذه الحاجة قد أنتجت أولى خطواتها وهي التوجه نحو الجبهة الديمقراطية الكردية وانجاز مشروع الرؤية المشتركة ، وإقراره من قبل التحالف والجبهة .

وبعدها تم عرض ناتجها على لجنة التنسيق والأحزاب الأخرى ، خارج الأطر الثلاثة للمناقشة .

لقد استغرق التحضير لذلك مدة زمنية طويلة ، لكي يتم الاتفاق بين أحد عشر حزباً حول مسودة مشروع رؤية سياسية مشتركة،على الرغم من تحفظ المستقلين وبعض الأحزاب في التحالف على بعض البنود الواردة في المسودة .

فتم الموافقة خشية أن يقال من أن التحالف يعيق تشكيل المرجعية الكردية .

وكان هذا الذي حصل خطا باعتقادي ارتكبه المجلس العام للتحالف آنذاك .

وبدأت النقاشات تدور حول تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد للمؤتمر ، والبحث في الآليات ، وتحديد نسب التمثيل للأحزاب والمستقلين واستيفاء كامل المسائل الإجرائية .

لقد شكل إصرار بعض الأطراف في إعلان المسودة قبل تشكيل اللجنة التحضيرية  العقبة في السير نحو المؤتمر الوطني الكردي .لأنه من المسلم به أن مجرد إعلان مسودة المشروع ، فهذا يعني تبني المسودة كرؤية مسبقة تفرض على المؤتمر ، وهي بذلك تكون غير قابلة للنقاش أو التعديل ، أو قبول بمشاريع وأراء  أخرى قد تعرض حينها .وبهذا المنطق في التعامل مع مسالة ذات أهمية كبرى .

تتضح الصورة العامة للمشهد السياسي الكردي في عدم وجود إرادة سياسية لدى مختلف الأطرف الكردية في سوريا ، وهذا ما يظهر أن الكرة في مرمى الأحزاب الرئيسة ، لأنها الوحيدة التي تمتلك زمام المبادرة الحقيقة لإنهاء المأزق الذي نعيشه .

وإنني أرى أنها  أمام خيارين : الأول منهما هو المؤتمر الوطني  الذي يرتكز على الأتي :  
1-    ضرورة أن تنبثق المرجعية الكردية عن مؤتمر وطني كردي .
2-    مشاركة الفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمهنية والإعلامية واعتبارها شريكاً في القرار السياسي الكردي .
3-    عدم وضع الفيتو ، أو محاولة إقصاء أي طرف ، طالما يؤمن هذا الطرف  من خلال برامجه برؤية تستند على الأرضية  الوطنية .


4-    قبول جميع المشاريع المقدمة من الأحزاب السياسية أو الشخصيات المستقلة إلى المؤتمر ، على أنها مسودات للمشاريع  قابلة للنقاش والتعديل ، حتى يتم أقرارها في المؤتمر بعد المناقشات .
5-    الأخذ بالحسبان لطبيعة ما يتقدم من الا يتعارض مع ما يطرح في المؤتمر مع الخصوصية الوطنية السورية.
والخيار الثاني هو تأسيس ميثاق شرف كردي  كردي ينبذ المهاترات ، ويحدد سقف العمل النضالي بما ينسجم مع الخط الوطني ،  والسعي الحثيث لتوفير مناخات مناسبة للتفاعل الايجابي بين جميع الأطراف وتنقية الأجواء بينها .

ومع ذلك هذا الخيار لا يشكل بديلا عن الخيار الأول .

وهذان الخياران ليسا متعارضين ، بل إنهما يتكاملان ليصبحا خط منسجم في عمل الأحزاب الرئيسة الفعالة على الساحة ،حتى تكون خدمتها للشعب الكردي مناسبة لما يجري على الساحات الوطنية والإقليمية والدولية .
كاتب كردي سوري 

  26- 1- 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…