بمناسبة زيارة الرئيس بارزاني لواشنطن قراءة في تطورات الموقف الأمريكي من القضية الكردية

صلاح بدرالدين

     يجمع المراقبون على الأهمية البالغة لزيارة رئيس اقليم كردستان العراق الى الولايات المتحدة الأمريكية ليس لأنها تتم بدعوة رسمية من الرئيس أوباما فحسب بل بتوقيتها في ظروف عراقية واقليمية دقيقة وبما يحمله الزائر من ملفات تتناول العديد من القضايا حسب المصادر العليمة في عاصمة الاقليم أربيل وقد نشرت بهذه المناسبة مقالات وأبحاث كما قامت مؤسسة كاوا الثقافية بتنظيم ندوة لبعض السياسيين الكرد للحديث حول هذا الموضوع (نشرت مواد الندوة في الحوار المتمدن) كما رأينا من الفائدة بمكان اجراء جردة سريعة في الموقف الأمريكي التاريخي تجاه الكرد عبر هذه القراءة.
   بداية علينا التذكير بالحقب الثلاث التي مرت بها عملية الاستعمار الغربي للشرق : حقبة الكولونيالية العسكرية في القرن التاسع عشر وعصر الامبريالية السياسية في القرن العشرين وعصر العولمة الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين ومنذ تشكل عصبة الأمم المتحدة ظهر الدور الأمريكي وتنامى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام النظام العالمي الجديد حيث برز كقطب أساسي مقابل القطب الاشتراكي وتحول الى القطب الأعظم بعد توقف الحرب الباردة تتنازعه الآن قوى وأقطاب عالمية بدرجات متفاوتة.

   لم تكن أمريكا مشاركة مع الأوروبيين في تقسيم المنطقة وكردستان من ضمنها ولم توقع على اتفاقية سايكس – بيكو التي جزأت المنطقة وكانت حتى بعد ذلك تظهر كداعم لقضايا الشعوب استنادا الى مبادىء الرئيس – ولسون – المعروفة بخصوص تقرير المصير وبعد الحرب مباشرة تغير الموقف الأمريكي بصورة جذرية نحو مواقع السيطرة وقمع الشعوب ونهب خيراتها ودخلت في مواجهة مباشرة ضد الكرد وحركته التحررية عند التوقيع على اتفاقيات (مالطا وطهران ويالطا) بما في ذلك سحق جمهورية مهاباد – كردستان – الديموقراطية وتفاقمت الشراسة الأمريكية منذ حلولها محل الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط وتحملت مسؤولية ضحايا الحروب الكبيرة والصغيرة وتحويل مضمون الكولونيالية العسكرية الى امبريالية اقتصادية سياسية ثقافية وفي موقفها الكردي أصبحت راعية للأنظمة الشوفينية الحاكمة في الدول المقسمة لكردستان وتحولت الى عداء الحركة الكردية ومحاربتها التي اصطفت بدورها في المعسكر العالمي المناهض للامبريالية والاستعمار والأحلاف وتجلى ذلك الاصطفاف في علاقات البدرخانيين والنهريين والبارزانيين والملك محمود الحفيد مع روسيا والاتحاد السوفييتي وظهر من الجانب الآخر بأشكال مختلفة منها اقتراح منغوليا الشعبية في هيئة الأمم لنصرة كرد العراق وفتح أبواب الجامعات والمعاهد في الدول الاشتراكية لاستقبال آلاف الطلبة وتقوية وتوسيع البرامج الكردية في اذاعة يريفان بأرمينيا السوفيتية السابقة الى جانب ذلك فقدت أمريكا اهتمامها بالكرد منذ حصولها مع الدول الأوروبية الغربية على الامتيازات النفطية في المنطقة وعمدت أمريكا الى الحاق الأذى بالكرد من خلال تحركات – دالاس – واقامة ” الحزام الشمالي ” في الشرق الأوسط وكذلك ” مبدأ آيزنهاور ” عام 1957 وصرف مئات ملايين الدولارات لمهمات محاربة ” الشيوعية ” وحتى منذ بدايات سبعينات القرن الماضي لم تقتنع ادارة الرئيس – نيكسون – بمسعى دعم الكرد واعتبار ان الوقت لم يحن بعد بعيد اجراء بحث موسع في العاصمة الأمريكية واشنطن وعندما ورد الى الادارة طلب كردي – ايراني للدعم وعرضه على اجتماع ” لجنة الأربعين ” (تمثل المخابرات والبيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية ..) تقرر ارسال مساعدة مالية عبر نظام الشاه التي لم تصل واستدعي وفد كردي من قيادة الثورة الكردية الى واشنطن لم يتم استقباله من اية جهة دبلوماسية رسمية وتم تسريب أقوال مفادها أن قضية الكرد داخلية ولن تعمل أمريكا أي شيء.
   بانتهاء حقبة الحرب الباردة تبدأ مرحلة جديدة ويتبدل الموقف الأمريكي حيال الكرد والقضية الكردية ولو بخطوات بطيئة ويسري ذلك التبدل الذي لم يقتصر تجاه الكرد فحسب بل على مسائل وقضايا أخرى في المنطقة الى درجة تغير الاهتمامات والأولويات خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصعود الحركات الارهابية والجماعات الاسلامية المتطرفة وقيام أنظمة دكتاتورية باستحواز أسلحة الدمار الشامل وانتشار تجارة وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة وقد تجلى عنصر التبدل في الاعلان الأمريكي الصادر عام 1991 القاضي بدعم حكم القانون والتحولات الديموقراطية وحماية حقوق الانسان والشعوب والقوميات والأقليات والمرأة واحترام القانون الدولي وخصوصا بنود اعلان – هلسنكي – وميثاق باريس – للسبع الكبار لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي كما طرأ تبدل في الموقف تجاه الحدود الدولية القائمة منذ نتائج الحرب الكونية التي أجيز تعديلها كما تم اعادة النظر في مفهوم سيادة الدول وامكانية التدخل الانساني لنصرة الشعوب والأقوام وكان كل ذلك يصب في مجرى دعم حق الشعوب ومن ضمنها الشعب الكردي في تقرير المصير واعادة النظر في الجغرافيا السياسية القائمة وهنا يمكن ملاحظة أن الاهتمام الأمريكي منصب على الدول الأربع التي تقتسم الكرد تركيا والعراق كحلفاء لها وايران وسوريا كنظامين مارقين لذلك فان الكرد والقضية الكردية في قلب الأحداث وضمن النقطة الاستراتيجية وفي اطار قوس الأزمات وضمن سياق المشاريع الأمريكية للقرن الحادي والعشرين.
  لقد شاءت الظروف أن تترافق الدراما الكردية العراقية والهجرة المليونية مع توقف الحرب الباردة وتقدم أمريكا كقوة عظمى مسؤولة عن الاستقرار وتحمل الالتزامات تجاه الأزمات العالمية وتعامل الأمريكان مع الوضع الكردي بنوع من الايجابية عند الالتزام بمشروع – الملاذ الآمن – والحماية الدولية والاشراف على اتفاقية واشنطن – 1998 – بمصالحة الحزبين الكرديين الرئيسيين والقرار الأممي 688 بشأن كردستان العراق ورغم افتقار الموقف الأمريكي تجاه الكرد الى التزامات سياسية رسمية معلنة فان مسار الأحداث ينبىء بامكانية حصول تطورات نوعية في هذا المجال خاصة بعد التعامل الأمريكي الواسع في العقدين الأخيرين مع ممثلي الحركة الكردية في الأجزاء الأربعة وآخره لقاء الرئيس أوباما بقادة أكراد في تركيا والعراق خلال زيارته للبلدين واستقبال الكثيرين بمافيهم كرد سوريا وايران في البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية ومكتب الأمن القومي وبعد الاحتكاك المباشر مع شعب كردستان العراق منذ سقوط الدكتاتورية وحتى الآن والتحالف الكردي الأمريكي في تحرير العراق والمواجهة المشتركة المتواصلة ضد الارهاب ونجاح التجربة الديموقراطية في الاقليم الفدرالي واستتاب الأمن والاستقرار في ربوع كردستان العراق واشغال القيادة الكردستانية العراقية موقع صمام أمان لوحدة العراق واستمرار العملية السياسية والدور المناط بأطراف الحركة الكردية في مختلف بلدان المنطقة تجاه عملية التغيير الديموقراطي وتطوير المجتمعات وحل المسألة الكردية عبر الحوار السلمي وفي أطر الوحدة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي ومحاربة الارهاب والتطرف مما يؤكد لأمريكا وكل القوى العالمية أن الكرد يقفون في اللحظة الدولية الراهنة الى جانب التقدم والسلام والاستقرار ويشكلون جزء من الاصطفاف العالمي من أجل التقدم وبالتالي تلتقي مصالحهم الآنية مع مصالح القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الباحثة عن التغيير والسلم بحسب خطابها السياسي المعلن ومشاريعها المطروحة .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…