رؤية معرفية في واقع لامعرفي (سياسة الطفل)

هيبت بافي حلبجة

بداءة لامناص من المقولات التالية ، الأولى : إن الشعب الذي يمارس ( السياسي ) هو شعب لاسياسي على الإطلاق ، والشعب الذي يمارس ( المعرفي ) هو شعب سياسي بإمتياز ( اليابان ، ألمانيا ) .

الثانية : إن الشعب الذي يقوده ( سياسي ) هو شعب جاهل وأحمق ، والشعب الذي يقود ( السياسي ) على قاعدة التثليث ( العلم ، المعرفة ، القانون ) هو شعب تاريخي ( فرنسا ، الصين ) .

الثالثة : إن الشعب الذي ينتقد الآخرين ( الشعوب الأخرى ) هو شعب غائب ضائع ، والشعب الذي ينتقد ذاته هو شعب حي يقظ  ( اليابان ) .

الرابعة : إن الشعب الذي ينافح عن حقوقه فقط هو شعب مائت ، والشعب الذي لايفرط لا في حقوقه ولافي حقوق غيره هو شعب ذو قضية في التاريخ .

الخامسة : إن الشعب الذي يتعامل مع السلب بنفس مكيال تعامله مع الإيجاب هو شعب ولود حيثي ( الولايات المتحدة الأمريكية ، الهند ) ، والشعب الذي لايعي هذه الرابطة هو شعب خامد هامد .

وإذا ما تم إدراك مصب تلك المقولات ، بانت السياسة كعلم له ركن وشروط ومبادىء وقواعد.

ركن السياسة : هو الحفاظ ، كتنظيم ( تيار ، حزب ، تحالف ، جمعية ) ، على علة وجوده ( الأمة ، الشعب ، البلاد ، الدولة ، مسألة خاصة ) ، لإن علة وجوده ذات أسبقية زمنية وأولوية موضوعية على وجوده نفسه ، لذلك لمفهوم الحفاظ مدلولان ، الأول هو المنافحة والمدافعة عن ذلك الجوهر ، والثاني هو تفعيل أسباب التطور والتقدم له .

أما شروط السياسة ( التي تتباين في حدودها عن تلك التي تعود للتنظيم نفسه ، لإنها تخص السياسة كمفهوم ) فهي ، على الأقل ، الأول : القدرة على ذلك الحفاظ .

الثاني : تحديد مجال المختبر ( الساحة النضالية بالمفهوم المبتذل ) .

الثالث : وعي وتعيين التناقض الأساسي فيه .

الرابع : وعي السمة التاريخية السائدة لكل مرحلة من مراحل النشاط .

الخامس : وحدة أجزاء المختبر ، وعدم الفصل مابينها .

السادس : تطابق المنهجية مع الأستراتيجية ( جوهر المسألة أو القضية ) ، مع طبيعة التنظيم نفسه .

وأما مبادؤها ، فهي ، أولاً :  عدم الإضرار بحقوق الغير .

ثانياً : عدم أستخدام الأسباب المؤقتة والخاصة ، ولا الأسباب الأستفزازية .

ثالثاً : طرح المسألة أو القضية المنافحة عنها ( الأمة ، الشعب ، البلاد ، الدولة ، مسألة خاصة ) بالصورة التاريخية ، المعرفية ، الدقيقة دون ألتباس أو إيهام .

رابعاً : الدفاع عن تلك المسألة أو القضية بكليتها .

خامساً : إيجاد التطابق النسبي ما بين حيثيات ( الواقعي ، الموضوعي ) ، وجوهر تلك المسألة أو القضية ، والإبتعاد عن الصيغ التوافقية ، والمسوغات التبريرية  .

سادساً : المطالبة بكلية المسألة ( كل الحقوق ) .

سابعاً : تحديد ميتودولوجيا دقيقة ، صريحة ، واضحة ، لكيفية تحقيق نيل ( تلك الحقوق ) .

وأما قواعدها ، فهي ، أولاً : لامصلحة للتنظيم خارج حدود معطيات المسألة أو القضية .

ثانياً : ولادفاع عنه خارج الدفاع عنها .

ثالثاً : الإرتقاء بالأساليب ( المعرفية ومراكزها ، الإقتصادية وعواملها وأسبابها ، السياسية المحضة ، العلاقاتية ، الجغرافية ، الديموغرافية النسموية  وتوازنها ، العقارية ومدلولاتها ، الرؤية النظرية ، التخمر السوسيولوجي ، الدراسات المتعددة ، المؤسسات المختلفة ) إلى مستوى مواز لجوهر ومحتوى المسألة أو القضية .

نعم ، كل هذا ، بل أكثر ، لإن العملية السياسية تتناظر ، على سبيل المثال ، مع الخطوات التمهيدية للإقدام على الزواج ، ثم لعقد الزواج ، فالنكاح ، فاللقاح ( بويضة ، حيوان منوي ) ، فالتكاثر ، فصناعة الجنين وأعضائه وفقاً لمقاسات دقيقة ، صارمة ، إذ لاخلل في القلب أو الكبد أو الغدد أو محتويات الدم ، لاتأخر في الوظائف ، ولاتخلف في نمو أحد الأعضاء لمصلحة عضو آخر ، وإلا لأنكدر المولود ، وأمسى مشوهاً ، وإلا لأنمحقت السياسة ، وتاهت .

نعم ، كان لامندوحة من أبراز هذا التقويم ، على هذا الشكل ،  لإنه ، في رأي ،  يناسب ويوائم أكثر محتوى التطور الحالي للنظام الرأسمالي – الأقتصادي ، وفحوى السمة التاريخية السائدة ، ومدلولاتها الجديدة في الإقتصاد ، الفكر ، السلوك ، العلاقات ، القوة ، بعيداً عن المفهوم الكلاسيكي المبتذل للسياسة ( فن الممكن ، موازين القوى ، التوازن الإسترتيجي ) ، المؤدي إلى المخاتلة ، والمخادعة ، والمنافقة ، والدجل ، والإنتهازية ( قواعد كرة البينغ بونغ في أمثل الأحوال )  .

نعم ، كان لامحيص من بيان كل ذلك ، لنلج إطار الإجابة على الأسئلة الجدية التي تفضل بها السياسي ، والإعلامي ، والصديق حاجي سليمان .

أولاً : ماهوية وطبيعة ومستقبل المجلس السياسي الكوردي في سورية الذي تأسس لاحقاً من تسعة أطراف ( مجموعات )  .

ثانياً : ماهي المنهجية الحزبية المناسبة والمطابقة للمشهد السياسي الكوردي في سوريا .

ثالثاً : ماهو محتوى العلاقة ما بين ( المثقف ، مثلما هو كائن وموجود ) والأحزاب الكردية في سوريا .

طبعاً ، ومن البداهة ، إن هذه الأسئلة تقتضي أجوبة من نوع مختلف ، من نوع لايكترث بمفهوم الفعل ورد الفعل ، ولا الخطاب الفاشل للأطراف التحزبية ، ولا الخطاب الجاهل للمثقفين ، ولا الخطاب العشوائي ( اللامعرفي ) للجماهير ، وبعيداً عن الردود الفرويدية في مضمون الكبت والقمع والأستمنائي ، أو الوقوف عند محتوى المزاجية التبريرية ، وأبداء جسامة المعوقات .

لذا وإعتماداً على ما تقدم ، نقتضب المسألة وفق المنظور الضروري الملحف الأتي ، أولاً : كون المسألة موضوعية في الجذر ، فإن المعادلة لاترضى بالتأويل أو التكهن وهي ( القدرة أو عدم القدرة على أن تكون – فعل الكون ) ، تماماً مثلما لايجوز الزواج مع عدم القدرة على الأنتصاب ( أو الإيلاج لمرة واحدة على الأقل حسب جمهور الفقه الإسلامي ) ، فوجود القضيب لايعلل الزواج .

ثانياً : نحن نعي ، تمامه وفصوله وأوصاله ، أيما علم ، إن اطراف المجلس السياسي الكوردي قد أنشقت ( تجزأت ) بعضها عن البعض ، والكيفية التي أستحكمت ساعتئذ ،  وهذا طعن في التاريخ ، وله تفسيران ، لاثالث لهما ، إما إن تاريخ وأسباب ومقومات تلك الإنشقاقات كانت ملفقة ومزورة ، فيما إذا إنشاء المجلس السياسي هو الآن صائب ، أو أن إنشاءه ملفقاً ودجلآً ، إذا كانت علل تلك الإنشقاقات صائبة ، والأمر والأدهى أن تكون أسباب الإنشقاقات ، ومقومات إنشاء المجلس ، كلاهما معاً ،  إحتيال إجتماعي ونصب فكري .

ثالثاً : إذا ما أؤتلف مجلس سياسي من تسعة أطراف ، فلابد من الضرورة التاريخية ، وبيان المسوغ القاهر ، وإلا غدت القضية تفسير لإرادة معطوبة ، أو لوقائعية شخصانية لاموضوعية ، لاتمت للتحليل البنيوي بأي صلة ، فالأسباب التحزبية أو ضعف العلاقة مع الجماهير والمثقفين ، أو ، أو ، لاتبرر ، ويخالجها الإرتياب ، ويعتورها السقم ، ويفضحها العقم .

ولاسيما ، ونحن ندرك إن النظام السوري يمارس منذ عام 1970 نفس العقلية الإقصائية والمشاريع الإجتثاثية ، وتلك الخطط الوحشية ، القتل والغدر .

رابعاً : لنفرض ، جدلاً ، إن الضرورة التاريخية كامنة في مطرح ما ( لماذا لم تكن سبباً لعدم حدوث الإنشقاقات ) ، وإن هذه الأطراف لم تنشق أصلاً عن بعضها البعض ، أليس من المعقول والمنطقي أن تكون للمجلس السياسي منهجية ، فلسفة ، فكر ، رؤية خاصة به ، لإنه من حيث المحتوى والتاريخ أرقى من كل طرف على حدة .

خامساً : ثم لنفرض إن كل ذلك كامن في بوتقة ما ، فأين الخطاب المستجد الموازي ، وأين النهج النضالي لمقارعة هكذا نظام ، وهنا أقول بكل وضوح ، وشفافية مطلقة ، إن مايسمى ( بالأعتصامات ، والتظاهرات ، والبيانات الحزبية التنديدية  ) تحتل المرتبة الثانية في العمل السياسي ، بعد امتلاء المجتمع ( العلم ، المعرفة ، الأقتصاد القوي ، الحفاظ على الديموغرافيا والعقارات ، مكافحة الأمراض ، الدفاع عن البيئة والزراعة ، مراكز الأبحاث والدراسات ، الجمعيات المدنية والخيرية ، مراكز الإحصاء ، المؤسسات الرياضية ..ألخ.) .

سادساً : ثم إذا كانت هذه الأطراف صادقة تاريخياً في إقامة هكذا مجلس ، أليس من منطق البداهة ، أن يرتقي هذا التآلف بمستوى آداء كل طرف على حدة ، بنيوياً ، داخلياً ، تنظيمياً .

 سابعاً : أما ما يخص المثقف الكوردي ( في سوريا) فإنه جزء بنيوي من هذا الترهل ، الإنحطاط ، الإندحار ، إذ قصوره هو جزء شرائحي من قصور المثقف في المشرق عامة ، ولايرتقي بفكره ، سلوكه ، دوره إلى مستوى فحوى المثقف الوظائفي لدى غرامشي ، وبالتالي هو عاجز عن أنتاج المعرفة ، وحتى عن تمثيل المعرفة ، وإعادة إنتاجها ، وفي الفعل ، هو الجاني الآثم الرئيس في هذه الأزمة ، لإشكاليتين أثنيتين في ذهنيته ، الإشكالية الأولى : هو يبحث عن وظيفة ، عن دور لدى السياسي ، وكأنه تابع حسابي له ، في حين كان من المفروض أن يبحث السياسي عن معنى ( لإرادته ، لسلوكه ، لدوره ) لدى المثقف ، لإن ( السياسي تابع رياضي للمثقف ) ، فالأول يلعب دور الأحداث ، في حين إن الثاني يلعب دور التاريخ .

الإشكالية الثانية : المثقف يبرر عجزه المستديم الخاص ، زاعماً إن السياسي يلجم دوره ولا يربت على كتفه ليتفضل بالعمل السياسي ، لذا هو يستنكف عنه ( وإلا لهدم أركان المعمورة ) ، هذا التبرير أخرق ، أحمق ، والمعادلة معكوسة مثل الحال الأولى ، فالسياسي يباغض المثقف في التاريخ ، ويمنع عنه دوره بحكم طبيعة تباين الوظيفتين ، وهو في الحقيقة يخشاه ، في حين إن المثقف التاريخي هو من ينتزع دوره أنتزاعاً ، ولايطلب الأذن من أحد ، لإنه إن طلب ألتغت وظيفته .

وأخيرأ ، وبمثابة الخاتمة ، نحن نعتقد إن للمشكلة السياسية ( وغيرها من المعضلات ) في المشرق أربعة أسباب بنيوية ، الأول : عدم ولوج المجتمعات الشرق أوسطية في خضم مخاض الرأسمالية حيثياً ، إنما حاكت أصولها عن تباعد ، لذا فإن ذهنيتنا هي مزيج عن جميع أدوار التشكيلات التاريخية ( الرعوية ، البطريركية ، الكهنوتية ….).

الثاني : عدم وجود مدارس فكرية أجتماعية فلسفية قادرة على خوض غمار تجربتها الذاتية ، المستقلة ،البنيوية ، في الواقع والفعل ( على غرار ، مثلاً ، البراجماتية في الولايات المتحدة الأمريكية – ديوي ، بيرس ، وليم جيمس ) ، والأستغراق التام المنغلق في التراث .

الثالث : الرأسمال المالي البنكي الربوي يفرض علينا الآن وظيفة متناقضة ، وظيفة مشوهة ، وظيفة جافة ،  أو كما قال مهدي عامل ، علينا أن نحلل بشكل متناقض ، لإن واقعنا متناقض في تناقضاته ، وهذا ما يجعلنا أطراف غير قادرين على فك الإرتباط ( عكس ما يعتقد سمير أمين ) ، لإننا لم نلج ( التاريخي ) بعد .

الرابع : في المشرق توجد  إشكالية في الوعي ، قاعدتها عملقة الأنا ، وخصامها المطلق والتام والتاريخي للآخروي ، بل أوشك أن أعتقد إن التناقض في المشرق هو مابين الأنا والأنت ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…