1- قتل المدنيين والعبث بممتلكاتهم، ونشر الإجرام بأقسى أنواعه ضد الشعب الأعزل وتهديد الطوائف الدينية غير المسلمة، لتبييض صفحة سلطة بشار الأسد أمام الجاري، تحت صفة المعارضة.
2- عمليا خلقت الفوضى الروحية والديموغرافية والاقتصادية في سوريا والعراق معا، متجاوزة الحدود وهي تنقل تجربة العراق إلى سوريا وتجربة إجرام الأسد إلى العراق، في الجهتين غيرت مسار المعارضة السلمية إلى الحروب والقتل والمواجهة العنفية المتبادلة، وهذا ما أدت إلى إطالة عمر سلطة بشار الأسد وهي نفسها التي سيتمسك بها المالكي كحجة لإطالة بقائه.
3- خرجت من تحت سيطرة قادة الهلال الشيعي، هكذا يقال، لكن الواقع أنها وجدت ذاتها فجأة ممثلة لعشائر السنة في الأنبار التي دفهم إليها المالكي وقادة الهلال، لجر مواجهتهم السلمية ضد المالكي إلى صراع مسلح. ووجودها دائما في مواجهة السلطتين من إحدى مهماتها الرئيسة. وستعزل متى ما أدت مهمتها وأفرغت من مضمونها الذي صنع من أجله، عمليا إنها منظمة مضرة بالثورة والقوى السنية معها أو ضدها….
4- تمكنت داعش من جر الطوائف الدينية والقومية في الشرق الأوسط إلى صراع واضح بين بعضها فالكل يتهم الكل بالخيانة، وأخرجتهم من تحت عباءة النداءات الوطنية، وتمكنت من تشويه الثورة السورية، وعتمت على مفاهيمها، وأغرقت الصراع السوري في عنصرية طائفية وقومية ومذهبية.
5- أفادت السلطة السورية بأن خففت عنها العبء، وذلك بمحاربتها قوات من الجيش الحر وربيبتها النصرة والتي لا تقل عنها شذوذا، وإلهائهما بمعارك جانبية، إلى جانب مهمات أخرى متعددة كلفت بها، كالفساد الاجتماعي والاقتصادي بين الشعب تحت شريعة الإسلام.
6- إضفاء الصبغة اللا وطنية واللا قومية إلى الطائفة السنية، لمناداتهم بتشكيل الإمارة الإسلامية المتجاوزة الحدود الدولية المعتبرة. وبالمناسبة هناك قوى سياسية سنية لا تمانع من بناء دولة سنية تخترق حدود سايكس بيكو.
إنها منظمة تشكلت من المجموعات التي دربت في المعسكرات السورية أيام تواجد القوات الأمريكية في العراق، لكن مهماتها كانت ضبابية عند الكثيرين، لغرابة الأهداف الملقاة على عاتقها كمنظمة إسلامية سنية تكفيرية السمعة، دربت على الإجرام والشر والعنف نظرياً وفعلاً.
فبعد أن تمكنوا من بلوغ الأهداف التي خططتها لهم قادة الهلال الشيعي، أصبحوا على أعتاب مرحلة جديدة، فكان لا بد من الانتهاء منهم بطريقة تلقي تبعات جرائمهم على الطرف السني، وهذا ما تمكنوا منه، وذلك لجهالة البعض من قادة داعش، ولإخلاص البعض الأخر من أمرائها لبشار وقادة إيران. وعلى الأغلب انتقال المنظمة اليوم إلى جانب القوى السنية مثل عشائر الأنبار، دفعوا إليها لأجندات، سهلت العملية لتلاقي مطالب الطرفين في محور ما كمطالبتهم بدولة سنية بعد أن استقلوا من إملاءات الأخرين، وعشائر الأنبار يريدونها ويتجاوزون في هذا مطلبهم السابق (الفيدرالية) منذ اكثر من سنتين، وهذا ما ستسهل لإيران مهمتها وغايتها من التدخل المباشر في المنطقة بدون تغطية أو تبريرات، فكانت المجازر بحق مجموعات الشيعة، والتي ربما ليست لها من الصحة إلا قليله، ليكتمل الصراع المذهبي، وكان للمالكي الدور الكبير في هذا، بإعطائه أوامر غير مباشرة لقواته لإخلاء موصل، قبل وصول داعش وعشائر الأنبار إليها، ولا يستبعد تحشيدهم ضد الإقليم الكردستاني.
إلى جانب خطته بنقل تجربة سوريا إلى العراق حيث المواجهة المسلحة مع المعارضة السلمية، كانت الرغبة بالحصول على دعم قادة التكيات الشيعية، وفعلا ولأول مرة يفتي السيد سيستاني بفتوى عنفيه جهادية، على بنية الدفاع عن الكيان الشيعي، وبالمقابل يدخل إخوان المسلمين عن طريق مجلسهم الوطني السوري في الخطأ نفسه الذي أدخلهم فيها سلطة بشار الأسد، وهم يعلنون التأييد عن مصالح السنة وثورتهم والتي هي في الواقع سيطرة تحت اسم منظمة إجرامية، كان الأولى أن يقوموا بها بدونها، والخطة سارت عليهم بنقل ثورتهم السلمية إلى صراع مسلح يستفيد منه قادة الهلال الشيعي، وفي الطرف الثالث بدأ الكرد بحشد قواتهم للدفاع عن كيانهم ومناطقهم المعرضة للتهديد من الجهتين.
عمليا، الصراع يدور وبهذا العنف، لتداخل الهدف من جهة، وعدم الجرأة على التصريح العلني عن الغاية بين بعضهم، فأطراف من القوى المتضاربة تنادي بالوطنية على بنية الدول السايكس بيكوية، وغايتها في الحقيقة الحفاظ على سلطتها، إلى جانب الغاية الأنانية بالدكتاتورية على الكل، وتكون بالحفاظ على الجغرافية المفروضة، تحت شعار وحدة الوطن، وهي التقسيمات المفروضة من القرن الماضي والتي ينتقدونها في كل مراجعهم حتى في أبسطها وهي الكتب المدرسية، وهي في كليتها، حتى بالنسبة للأنظمة المعرضة للزوال، لا تخفي الرغبة الداخلية على تغيير خارطة المنطقة التي بنيت على مصالح الدول الكبرى حينذاك، والتي لم تؤخذ اعتباراً لكيانات الطوائف الدينية أو القومية، والتي همش فيها الكل ضمن رسم حدود دول عشوائية، وما يتاجر به البعض تحت شعار الوطن اللاقومي واللاطائفي، والذي أصبح واقع مفروض ومعاش مع الزمن وعلى مضض، منطق مرفوض، والمطالبة بتغيير هذه الخريطة العشوائية ثورة في ذاتها ضد الإرغام والطغيان، والثورة رد فعل لجميع القوميات والطوائف الدينية التي تريد الحرية وبناء كيانها المستقل، إن كانوا الشيعة أو السنة أو الكرد، وفي الطرف المقابل تتحرك أطراف من أجل نفس الغاية وتصرح بها بشكل علني، رغم أن الثقافة المسيطرة على مدة عقود ترضخهم لسلطة مفاهيم الوطن والابتعاد عن اتهامات الخيانة لهم، لكن مع مرور الزمن وتفاقم الصراع، بدأت تبرز الغايات وتطفوا على الإعلام بدون مواربة، والقضية أصبحت تخرج من منطق التصريح به إلى واقع تحديد الجغرافيات القادمة المتداخلة ببعضها ديموغرافيا على مر الزمن، فرغبة القوى السنية المتعددة على بناء كيان سني عربي مستقل، قد تكون متداخل بين سوريا والعراق، يعتبر مطلب منطقي حتى وإن داعش يفسده بوجودها وحضورها وإجرامها وعمالتها لقوى دولية متعددة، وفي ثقافتها الإسلامية الراديكالية العنفية التي ترفض الأوطان خاصة القومية منها. فبناء الوطن الحقيقي يستند إلى مبادئ نقية يتبناها الشعب ويدافع عنها. فالوطن هو الجغرافية والثقافة التي يرغبهما الإنسان ويريد الانتماء إليها وتشربها، رغبة لا رهبة أو إرضاخاً.
والأغرب في الصراع الجاري، إن الولايات المتحدة الأمريكية والدول المساندة لها، لا تزال في حرب مع القاعدة والمنظمات الإسلامية الراديكالية، وتغتال قادتهم في أعماق الصحراء اليمنية، أو جبال طورا بورا الأفغانية، مستخدمة أحدث الأجهزة العسكرية، وتسكت على جرائم وتحركات أبشع القوى الإسلامية راديكالية وإرهاباً، من القاعدة كالنصرة في سوريا أو داعش التي تجاوزت القاعدة بجرائمها والتي تجتاز حدود سوريا والعراق بكل أريحية وتحت المراقبة الأمريكية المستمرة. وهي قوى إرهابية وشريرة ثقافيا واجتماعيا، ولا حدود لأهدافها، وواضحة عسكريا ومتواجدة على أرض مبسطة تمتد بين جغرافيتين، ولا شك أن قواتهما معروفة لهم بأدق تفاصيلها، ولا يتعرضون لهم كلياً!
ومن المعروف حتى اللحظة أن الاختلاف بين تكتيك المنظمتين اللتين تشكلتا من جسم واحد وينتميان إلى ثقافة العنف نفسه، معروف انهما ينتميان إلى القاعدة، وهي تستهدف مصالح أمريكا وأوروبا أينما وجدت، خارج أو داخل جغرافية العالم الإسلامي، رغم أن داعش حتى الأن تحصر بشائعها وإجرامها في سوريا والعراق ولا تستهدف العالم الخارجي، إلى جانب عمليات إجرامية ميدانية تجاوزت حدود منظمة تطالب ببناء إمارة إسلامية سنية تنتهج الإسلام العنفي، وهذا ما ترفضه القاعدة، لأنها لا تبحث عن جغرافية محددة، لكنهما منظمات خطرة ليست على شعوب الشرق الأوسط فقط بل على العالم بأجمعه والدول الكبرى في مقدمتهم، ولا يمكن الركون إليهما حاضراً ولا يعرف ما سيكونوا عليه في القادم من الزمن. فلا بد وأن أمريكا ومعها روسيا وأوروبا متفقة على بقائهما وجرائمهما وذلك لهدفين:
1. ليكونا بالقدرة التي يتمكنا فيه من القضاء على الدكتاتوريات وإضعاف بعضهم البعض ضمن الجغرافية نفسها، ويبقيان اسمان لمنظمتان جهاديتان مضخمتان لجذب المجموعات الإرهابية من جغرافيتهم، فالكل يجب أن ينتهوا معا وبمواجهات ذاتية ضمن منطقة الشرق الأوسط.
2. لإعادة رسم جغرافية سايكس-بيكو للمنطقة، بطريقة تتلاءم وضرورات المرحلة الاقتصادية والسياسية، وهذه تحتاج إلى فترة تمهيد كالتي تجري في المنطقة من دمار وحروب.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية