قانون «واجب الدفاع الذاتي» تساؤلات وملاحظات

الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها من الواجبات التي تترتب على المواطن مقابل الحقوق التي يتمتع بها تجاه السلطة٬ التي تستطيع إلزامه بأداء هذا الواجب من خلال قانون التجنيد. وأداء هذا الواجب يمكن أن يكون من خلال الانخراط في صفوف القوات المسلحة أو أداء خدمة مدنية أو اجتماعية لمدة ووفق شروط يحددها القانون.
ومن أجل إلزام المواطن بأداء الخدمة العسكرية لابد من وجود جيش نظامي٬ وهو ما يتطلب وجود دولة ذات سيادة وسلطة شرعية حاكمة تبسط سيطرتها على البلاد.

بتاريخ 14.07.2014 أصدرت الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة المرسوم رقم 14 المتضمنقانون “واجب الدفاع الذاتي”. من خلال قراءة هذا القانون والتمعن فيه٬ فإنه يثير العديد من التساؤلات والملاحظات سواء من حيث الشكل أو المضمون.
من المعروف أن لكل قانون أسبابه الموجبة التي تدعو أو تستوجب إصداره. ومن خلال بحث الأسباب الموجبة يتم دراسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد وانعكاسات وتأثير القانون على تلك النواحي. لذا يتم في الأنظمة الديمقراطية طرح فكرة القانون وبحثها مع الفعاليات الاجتماعية والثقافية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني للاطلاع على رأيها ووجهة نظرها وأخذ مختلف المصالح بعين الاعتبار ومحاولة التوفيق بينها إذا كان يمكن للقانون أن يؤدي إلى تضارب بين مصالح فئات اجتماعية أو سياسية أو غيرها.
وبالعودة إلى قانون “واجب الدفاع الذاتي” أو التجنيد٬ والتساؤل الأول الذي يثيره هو: هل أخذ المشرع أو الإدارة التي أصدرت القانون٬ ما ذكرناه عن الأسباب الموجبة بعين الاعتبار؟ أو على الأقل هل تم التفكير والتوقف عند الانعكاسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للقانون وتم أخذها بعين الاعتبار؟ وقبل ذلك٬ هل بحث إمكانية تطبيقه؟
سنحاول الإجابة على تلك الأسئلة وغيرها٬ من خلال تناول القانون من الناحية القانونية والإدارية والشكلية أي الصياغة.
 
أولا– الناحية القانونية:
1 شؤون الدفاع والجيش من أعمال السيادة التي تنظمها الدول ذات السيادة الكاملة٬ ولا يحق للأقاليم حتى في ظل نظام فيدرالي أن تصدر قوانين خاصة بالدفاع والتجنيد. إذ أن التجنيد الإلزامي من اختصاص المركز أي الحكومة المركزية. وبالتالي فإن الجهة صاحبة الحق في التجنيد وإلزام الأفراد بأداة الخدمة العسكرية هي الحكومة المركزية وحدها. وإلا فإن الفرد سيكون مطلوبا للتجنيد وملزما بأداء الخدمة العسكرية من أكثر من جهة ولأكثر من مرة. وبالنسبة للحالة الراهنة في سوريا٬ يمكن للإدارة الذاتية أن تشكل وحدات شرطة ومقاتلين من المتطوعين٬ لحفظ الأمن في المناطق التابعة لها والدفاع عنها في حال تعرضها لاعتداء من خارج حدودها. لكن لا يحق أن تجند المواطنين وتجبرهم على الانخراط في صفوف قوات الشرطة أو الوحدات العسكرية التابعة لها.
 
2– من حيث التطبيق الشخصي٬ في الحالة الراهنة وكمثال لدى تطبيق قانون الإدارة الذاتية للتجنيد٬ فإن الفرد المقيم في حلب وقيوده المدنية في منطقة عفرين٬ سيكون مطلوبا من قبل أجهزة النظام وسلطاته المختصة واسمه سيكون معمما على كافة الدوائر الرسمية لأن التجنيد والسوق للخدمة العسكرية الالزامية يكون من قبل شعبة التجنيد التي يتبعها مكان قيده المدني. وفي حال  سفره إلى عفرين سيكون اسمه في لائحة المطلوبين هناك لدى الإدارة الذاتية٬ لأنه وبحسب المادة الثانية من قانون التجنيد يتم السوق حسب مكان الإقامة. وإذا التزم بأحد القانونين سيكون متخلفا عن أداء الخدمة العسكرية وفارا بالنسبة للقانون الآخر وبالتالي سيقدم للعدالة ويحاكم بالجرم المنصوص عليه في قانون العقوبات المعمول به.
وماذا بالنسبة لمن أدى الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش النظام السوري؟ هل يلزم  بأدائها مرة ثانية ضمن صفوف وحدات حماية الشعب؟ وإذا ما قام بأدائها هذه المرة أيضا وتغير نظام الإدارة الذاتية الذي هو مؤقت وتغير الوضع وجاءت سلطة جديدة وقانون جديد هل سيتم سوقه للخدمة العسكرية للمرة الثالثة أيضا.. وهكذا؟
والذي يقوم الآن بخدمة العلم الإلزامية في جيش النظام وبات مطلوبا للإدارة٬ وخلال قدومه بإجازة إلى بيته وأهله حيث يقيم في مناطق الإدارة الذاتية وتم سوقه إلى مقرات الإدارة وإلحاقه بوحدات حماية الشعب بالإكراه٬ ألن يعتبر هذا الشخص فارا من جيش النظام ويصدر في حقه الحكم بالإعدام لأنه هرب في حالة حرب وفق المادة 102 من قانون العقوبات العسكري المعمول به في سوريا؟
هذه بعض الإشكاليات القانونية التي يمكن مواجهتها لدى تطبيق القانون٬ من حيث الأشخاص.
 
3– من حيث التطبيق المكاني٬ حدود الإدارة الذاتية غير مرسومة وغير واضحة المعالم. والنظام لايزال موجودا في العديد من المناطق الكردية مثل القامشلي التي هي أكبر المدن الكردية من حيث المساحة والسكان. وبالتالي كيف سيتم تحديد الصلاحية الإقليمية أو المكانية لتطبيق هذا القانون؟
 
4– من حيث التشريع٬ الهيئة التي أصدرت التشريع هيئة مؤقتة غير منتخبة٬ لا يحق لها إصدار قوانين دائمة. وانتهت صلاحية هذه الهيئة بانقضاء مدة الشهور الأربعة بعد إصدار العقد الاجتماعي بموجب المادة 87 من العقد والتي تنص على إجراء انتخابات تشريعيه يتم من خلالها انتخاب مجلس تشريعي من قبل الشعب٬ إلا إذا تم تمديد هذه الفترة مراعاة للظروف٬ وهو ما لم يحصل وبالتالي بقاء مدة الشهور الأربعة.
 
5– القوانين تصدر عامة وتطبق على الجميع٬ فلا يجوز أن تكون هناك استثناءات وفق الانتماء أو التأييد الحزبي٬ وإنما يمكن أن يكون هناك استثناء أو إعفاء من قانون التجنيد بسبب الوضع الصحي أو العائلي للمكلف. وإن إعفاء من حارب ضمن حركة التحرر الكردستاني (المقصود بذلك حزب العمال الكردستاني طبعا) أمر مناقض لغاية ومبرر إصدار القانون٬ ألا وهو الدفاع عن مناطق الإدارة الذاتية والتصدي للأخطار الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها. فكيف لهذا القانون إعفاء “أسر شهداء حركة التحرر الوطني الكردستاني” وهؤلاء حاربوا واستشهدوا خارج مناطق الإدارة الذاتية٬ بل خارج سوريا كلها!. وكيف يعتبر هؤلاء شهداء ولا يعتبر من قتلوا في انتفاضة 12 آذار 2004 وفي نوروز 2008 وفي سجون النظام تحت التعذيب شهداء أسوة بهؤلاء ولا تعفي عوائلهم من قانون التجنيد أسوة ومساواة بعوائل هؤلاء؟!
 
6– تنص المادة 7 الفقرة 2 على تطبيق “أحكام قانون العقوبات العسكرية بحق المخالفات والجرائم التي تقع أثناء تأدية الخدمة” دون تحديد أي قانون عقوبات هو المقصود في هذه المادة٬ فهل هو قانون العقوبات العسكرية السوري أم غيره؟ والمعروف أن الإدارة ليس لديها هذا القانون٬ وعليه يفهم أن المقصود هو السوري. وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا يطبق قانون خدمة العلم السوري أيضا والذي هو أشمل وأعم وأكثر دقة من قانون التجنيد هذا؟ واعتماد قانون العقوبات العسكرية السوري٬ يتطلب اعتماد قانون التجنيد السوري أيضا ليتم التوافق بين القانونين.
 
7– جاء في المادة 9 وهي الأخيرة في هذا القانون٬ أنه يعتبر نافذا أي بدء تطبيقه والعمل به “اعتبارا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية”. وحسب معلوماتنا لا توجد حتى الآن جريدة رسمية في مقاطعات الإدارة الذاتية المؤقتة الثلاث. ما يعني أنه لن يتم العمل به وسيبقى حبرا على ورق حتى تصبح هناك جريدة رسمية وينشر فيها هذا القانون.
 
ثانيا- الناحية الإدارية وإشكالية التطبيق
1– لوائح المطلوبين للخدمة الإلزامية تصدر بناء على القيود المدنية للأفراد وتتضمن العمر والجنس والوضع العائلي كمتزوج أو أعزب أو وحيد لوالديه…. والخ.  وتبعا لذلك لا يمكن أن تعلم الإدارة من هم المطلوبون  للخدمة وفق هذا القانون إلا إذا كانت القيود لديها. وهنا تظهر إشكالية المقيمين في نطاق الإدارة وقيودهم خارجها٬ مثل المغمورين الذين قيود معظمهم المدنية في محافظة الرقة٬ وبالتالي لا يمكن سوقهم للخدمة العسكرية رغم أنهم من مواطني مقاطعة الجزيرة.
أما بالنسبة للمقيمين خارج نطاق الإدارة الذاتية وقيودهم ضمنها٬ فسيكونون مطلوبين لأكثر من جهه (النظام والإدارة الذاتية) بموجب قيودهم المدنية.
 
2 بالنسبة لطلاب المعاهد والجامعات٬ لن يستطيعوا ضمن الظروف الراهنة إحضار بيانات من جامعاتهم ومعاهدهم التي تبعد مئات الكيلومترات عن مكان إقامتهم ضمن مناطق الإدارة الذاتية. ناهيك عن أن الجامعات قد تمتنع عن منحهم تلك البيانات٬ فكيف ستتم معالجه هذا الأمر ومعاملة هؤلاء الطلاب؟ وإذا كان الفرد مؤجلا من قبل النظام فما هو الحل الإداري لهذا الفرد؟ هل سيتم الاعتراف بتأجيل النظام أم لا٬ وبالتالي سيساق للخدمة ضمن “وحدات حماية الشعب تحت اسم واجب الدفاع الذاتي”؟
 
3– هناك ريف كردي ضخم وقرى كثيرة لا تتبع مناطق الإدارة الذاتية٬ مثلما هو الحال في ريف مدينة الحسكة والقرى التابعة لمدينة أعزاز في محافظة حلب. وهؤلاء لا يمكن إلزامهم بهذا القانون لوجودهم خارج الإدارة ولكن أملاكهم داخل نطاق الإدارة الذاتية!.
 
4 من الناحية العملية٬ ولأن القانون صادر عن جهة سياسية واحدة فلن يلق قبولا لدى الشارع الكردي مما سيتسبب:
– إما بهروب من تبقى من الشباب الكردي وتفريغ المدن والقرى الكردية وتغيير ديمغرافيتها٬ وهو ما يصب في مصلحة النظام وما كان يطمح إليه ويسعى لتحقيقه على مدى خمسة عقود من نظام البعث
– أو اصطدامات بين الأسايش وذوي المطلوبين
– أو بداية مظاهرات واحتجاجات مناهضة للإدارة الذاتية المؤقتة تؤدي إلى نتائج مثلما حصل في عامودا
–  أو حتى يمكن أن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير٬ ألا وهو اقتتال كردي – كردي٬ ما يعني الانتحار بالنسبة للشعب الكردي في سوريا.
 
 ناهيك عن ذلك فإن نصوص مواد القانون قد كتبت بلغة وصيغة قانونية ضعيفة٬ فأتت ركيكة في معظمها من ناحية الصياغة٬ بالإضافة إلى الأخطاء اللغوية والمطبعية. ما يثير التساؤل حول الإمكانية اللغوية والكفاءة القانونية لمن صاغ القانون وكتب مواده٬ وفيما إذا كانت هناك فعلا لجنة قانونية قامت بصياغته؟!
 
هذه هي بعض الملاحظات والتساؤلات التي أثارها قانون “واجب الدفاع الذاتي” لدى اللجنة القانونية في المركز الكردي للدراسات والاستشارات القانونية- ياسا. والتي نود من خلالها لفت النظر إلى الإشكاليات والمخاطر التي يمكن أن تترتب على إصدار وتطبيق مثل هذا القانون. وإننا من خلال هذه القراءة نريد أن ندق ناقوس الخطر ونلفت نظر القائمين على الإدارة الذاتية والجهات التي تقف وراء هذا القانون٬ إلى المخاطر والأضرار التي يمكن أن يلحقها بالمجتمع الكردي ومستقبله ومصلحته العليا.
 
 
المركز الكردي للدراسات والاستشارات القانونية- ياسا
 

بون– 28.07.2014

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…