الاثنان لا يخفيان استبدادهما تحت الصبغة الطائفية بباطنه، وبظاهره طموح المد الشيعي، قادة الفكرة والصراع يسيطرون على ديمومة بقاء الدولتين موحدتين في ظل شمولية الطغيان الطائفي، والمغطاة بالغاية الإلهية لنشر إسلامهم، الإسلام الذاتي، والعتم على العقيدة المحمدية القرآنية. على أعتاب جرائم هذين المتناقضين، معارض ووريث لطاغيين، وبشائعهم في ماهية المفاهيم الديمقراطية الحضارية، يظهر ربيبتهم، أبو بكر البغدادي ليعلن أن الإسلام هو إسلامه والقوانين والدساتير الإلهية هي التي تفسر بمنطقه، وهو من فرض على قوانين الله لعباده، طغيانه، بتنصيب ذاته خليفة عن الله، برغبة الله أو دونه، ويؤكدها الشريحة الانتهازية السنية ومجموعات المنافقين والمجرمين الذين أطلقوا من سجون دكتاتور سوريا وأئمة ولاية الفقيه وتحت نظر الأمريكيين؟! متناسياً، تحت نزعة حب الجبروت الدنيوي، وإملاءات قوى إقليمية، والأجندات المفروضة عليه، إن الله أنزل دستورا يحرم الإجرام والقتل بكل أنواعه، والتأويلات الذاتية التي يستندون عليها زبانيته تتضمن كل الفساد الإنساني، والشريحة الفقهية المنافقة والمحاطة به يدعمونها لتشويه الثورات التي ظهرت لإزالة الأنظمة الموبوءة ومن ضمنها تبيان الإسلام الحقيقي، بل وهو بذاته كدكتور في الفقه الشرعي تناسا هذا المنطق حبا بالطغي والخلافة القائمة على دماء الشعوب والطوائف كلها، السنية والشيعية وغيرهما وكذلك الإثنية، وهو أدرك من الكثيرين أن إسلام ما قبل سقيفة بني ساعدة، إسلام محمد، حسب المناهج الواردة في القرآن، يعادي طغيان البشر على البشر، وينفي القتل، قتل أي نفس كانت.
التمعن في حراك هذه الأطراف الثلاثة، ودراسة أفعالهم والقوى الاستراتيجية التي يمثلونها، يظهرون وكأنهم يتبعون ألهه ثلاث، يختلفون في الدساتير وتقييم الإنسان على الأرض والقوانين التي تسيرهم، ثلاث شخصيات بينهم علاقة دنيوية لا دينية مذهبية، ورباط استراتيجي تعدم الإيديولوجية والدين وقوانين القرآن ودساتير إله الكون.
كان في البدء الدعوة لدين منزل من الله لهداية البشر، نقلها المنافقون وأنصاف الآلهة إلى الدعوة لسيادتهم وفرض مفاهيم، والتيارات الظلامية والخلفاء المنبثقون من متاهات الماضي المنحرف، أمثال أبو بكر البغدادي والجولاني رافعي رايات الإسلام المنحرف، والأسد والمالكي حماة ركام الوطن، يجرون البشر إلى تتبعهم وعبادتهم، قبل عبادة الله، ويقسمون ضمن قصورهم، أو في الخطبة الرعناء ضمن المسجد الكبير، على انهم ممثلون عن الله على الأرض، هؤلاء الذين يعبثون بالشرق وشعوبه، خلقوا شرائحاً ذليلة خاوية الفكر والإرادة، ليعبدونهم على الأرض، بوعود التوسط إلى الله لملاقاته في الآخرة.
نسيَ الكثيرون الله، بعد الصراع الذي دار تحت سقيفة بن ساعدة، ونسوه معظم الذين سادوا العالم الإسلامي وجلسوا على كرسي الخلافة، فطغى على الإسلام متاهات الصراعات المذهبية والطائفية، وكل جهة تعلي الاسم ليسندوا أحد متقمصي الله الذي يقود الجموع المغرورة بهم، إما باسم الجهاد والدفاع عن الله، الكلي القدرة والمستغني عن حماية الإنسان الضعيف المعدوم أمام قدرته، أو للتكبير باسم طاغية ليستفيد من خلفه الانتهازيون والمنافقون.
لم يهدي واضعوا المذاهب، بل أنبياؤها، الإنسان إلى الخير والرحمة بقدر ما عمقوا في داخله النفاق المغطى بعباءة الهداية، والأئمة الذين خلفوهم والمشايخ الغارقون في التأويلات الغاياتية ساقوا جموع من المريدين وراء قادة غارقون في خداع الأمة بإسلام ناقص، يسخرون الكل الإلهي لغايات وأطماع ذاتية.
الثلاثية الطاغية اسمهم في المنطقة، تسند إليهم التوازن الاستراتيجي لقادة الهلال الشيعي في المنطقة، والتي تحصد نتائج مشاريعها التوسعية الطائفية، المدعومة بالتساهل الأمريكي والدعم الروسي، فتكاثر كتاب البلاط حولهم، مثلهم استراتيجي قوى الطائفة السنية الذين يشاركون أعدائهم المذهبيين في عدمية وجود الشعوب وخداعهم لتبشيع وجه الإسلام كدين صوفي روحاني، وتبديله بدينهم الغارق في الإجرام والشرور، ويتشابهون في تفضيل المصلحة الذاتية على مصالح الأمة والعدالة الإلهية.
أطراف ثلاثة يرفعون رايات أصبحت رموز عن الشر والفساد والإجرام، طرف يرفع أسم الله ورسوله عند نحر مؤمن من طائفة ما، وآخرون يطرحون شعارات وتصريحات تعبر عن الوطن خارج ملكية الله. الأسد والمالكي وأئمة ولاية الفقيه خلقوا بيئة ملائمة لشرائح منافقة للتباكي على وطن كانوا من أوائل الذين طالبوا بتمزيقه وأفسدوا فيه، يساندونهم نسخ من الأقلام التي شوهت الإسلام منذ بداياتها، هؤلاء يمثلون قادة العالم الإسلامي من السنة والشيعة، الذين ملأوا الشرق بالإجرام والآثام هم أحفاد من نقحوا آلاف الرسائل لحسين يطلبون قيادته، أو الذين حرضوه على السفر والترحال، وسكتوا يوم حضوره، أجدادهم حرفوا التاريخ، كل حسب طريقته ولغايات استبداه، وكانوا وراء الفتنة الأولى، والتحريض بين القدرية والجبرية، وتصعيد الصراع بين المعتزلة والأشاعرة على مدى قرون وإلى يومنا هذا، ولا فرق هنا بين الذين قادوا المذهب السني أو الشيعي، والذين قادوا الصراعات والحروب بين الشعوب تحت شعارات هم الأولى والأقرب إلى الإسلام المحمدي، قادة كلا الطرفين مثلوا بآل البيت، ولا يزالوا لا يستطيعون التكفير عن ذنوبهم، قادة التيار الشيعي بالبكاء الأبدي والحزن والتنكيل بالذات، تأنيبا لضمير تجرفهم إلى الآفات، وعدم الوقوف على مبدئ أو مع صديق، وقادة المذهب السني بالإجرام وانتهاز الفرص للاستبداد والطغيان وبدون التأني في استخدام كل أنواع الإجرام والتنكيل بالأخرين، الخيانة والإجرام والقتل والتشنيع بالأموات والجثث وسبي نساء الأخرين توارثوها، وما يظهر اليوم في الشرق خلافة بالفكر وورثة لإجرام سابق، وهم من أشر الأعداء للإسلام ولشعوب المنطقة، متناسين الماضي المقيت بخبث ومكر، وادعاءاتهم بأنهم يقفون إلى جانب وحدة الشعب السوري والعراقي وتماسك الوطن لا يغطي على الرغبة المحاطة بحب الاستبداد والطغي على كلية الشعب والوطن، واليوم يخططون ليجعلوا من كل بقعة من الوطن مليئة بالصراعات والإجرام وعدم الأمان والفاقة الدائمة والمعاناة الأبدية، ليكون مرتعا للفساد والشرور، وبها تسهل لهم السيادة المطلقة. وما يحصل في الموصل من قتل وتهجير للطائفة المسيحية والإيزيديين والشبك والشيعة وغيرهم، ونحر الأطفال والنساء بأبشع الطرق، وسلب أموال الذين لا يخدمونهم، والتهديد الدائم لكردستان والشعب الكردي في العراق وسوريا، والوابل المتواصل لبراميل الموت على مدن حلب وحمص وحماه وريف دمشق، ومثلها على المدن العراقية، وتحويلهما الثورات السلمية إلى حروب أهلية، تؤكد أن الاستراتيجية موحدة والغايات تلتقي، ومشتركة بين هذه الأطراف، حتى ولو أختلف التكتيك، فقتل السني أو الشيعي أو الكردي أو المسيحي أو الإيزيدي أو الشبك كلها تخدم الأطراف المتصارعة والمستبدين على شعوب المنطقة، وغايتهم تدمير الشرق بفكره ومفاهيمه وتبديل الثقافة العنصرية المشوهة بثقافة لا تقل عنها شروراً، حيث الرعب وتشويه سمعة الشعوب وثوراتهم الجارية في العالم الخارجي، وفي النهاية مطلبهم الحصول على قبول عالمي بالاستمرار في بقائهم طغاة ومستبدين على شعوبهم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية