كشاهد عيان على شهود عيان، ليس في الوسع، ولا في مقدور الوصف، الإحاطة بهول الجرح الروحي الكبير وهاويته الدامية للكردي الإيزيدي منذ مذبحة حلبجه ” وهذه أختها الكبرى الكبرى “، ليس في إمكان أي شنكالي أن يترجم بأمانة ما عاشه من ألم، وما أصابه من مأثور ألم، وما أودِع فيه من ألم جرّاء مشاهداته المرعبة، حيث تنوعت الميتات، ليس لأنها تفتقر إلى الأمانة في الترجمة، بالعكس، لأنها تكون على غاية من النزاهة في المكاشفة والمقاربة، وفي غاية من الدقة في المعاينة، فلا تمتلك من المفردات، والنبرات، والتشكيل، ما يمثّل الحد الأدنى من المصاب الجلل شنكالياً .
أسمّي ذلك بالاسم الجغرافي والصنافي والنوعي، ليس تجاهلاً لجرح أي ضحية داعشي، من أبناء وبنات أمم الأرض الأرض، أو شعوبها في المحيط أو في الجوار، فلكل جرح خانته هنا ! لعل اللغة لا تترجم إلا ما تقدِر عليه ، وما الذي في مقدور الكردية كلغة أن تحيل هذا النهر الهادر والفائض من الأوجاع والآلام والصرخات المكبوتة، ولكل صرخة زمرتها في الإيلام، في الجزء من الثانية، والرؤية، والتوقيت، والتوصيف، والتثبيت…الخ ؟ لا أظن، ولا لجزء يسير من الثانية، أن بركات عيسى، مراسل “روداو” وقد علَق في قلب المأساة الشنكالية، قبل أيام، وهو يأتي على بعض يسير جداً من محنته، محنة الكردي فيه، في العراء الشنكالي، وفي المدى الشنكالي الوعر، وفي التكور الشنكالي الآلم، وفي الشهقات الشنكالية، رغم وفورة ما ” رماه من معاطفه على أهليه الشنكاليين “، وتلك كانت حدود إمكاناته، حيث يتوغل الفجور الداعشي، والسفور الداعشي ، والطغيان الداعشي المتأسلم، لا أظنه قد أخطأ في التسديد، وهو يتقطع بصوته إذ تخنقه عبراته، قهره الوجودي، بقدر ما أنه رأى ما لا يراه غيره في المكشوف، والمرئي بدقة، لا أظنه تعثَّر في نقل بعض بعض من الحدث الملحمي المروع، إنما كان المرئي من المرعب يفوق طاقة كل شنكالي، وللشنكالي خبرة في مذاق المحن وتجرع غصصها، ومهارة بطولية مسجَّلة في الالتفاف عليها، في التاريخ، والحيلولة دون نسيان كل صغيرة وكبيرة من مآسيه، سوى أن ” بدع ” الداعشي المتأسلم ومن يزكّيه، فاقت كل المحن التي أرشفها في تاريخه اللغوي، والحيوي، حتى لو كل أن عصب من جسد الإيزيدي، استحال قرطاساً، لما كفى هذه اللحظة الغاية في الإيلام والـ…إعلام. ولا أظن أن بركات عيسى تالياً” كما في مشهد مكرَّر، كما لو أنه في إعادة الحدث المختلف، عبر شاشة: روادو “من يوم الأحد” اكتمال نصاب الأسبوع العظيم في محنته الكبرى حتى اللحظة، في 10 آب 2014 “، أراد إدخال متابعيه في جلسة تحضير أرواحه المعذبة، أو مدى التمكن من التمثيل، إنما للتعبير عن هول المصاب، وهو يأتي على ذكر بعض بعض من رآهم، وبعض بعض من افتقدهم وهو عاجز عن فعل أي شيء، إذ تأسره قواه الجسمية، وليس طلاقة روحه البليغة حتى اللحظة، وبعض بعض ما كابده وجاهد به، من أهل ومن أهل ومن أهل، فالكل أهل، وشنكال آهل بهم، ولعلها قمة المأساة أن يبكي “رجل” أمام الملأ الملاييني دون دموع مستعارة، إنما يكون خلي روحه المنجرحة من كل جهاتها، أن يبكي تعبيراً عن أن الجريمة لا توصف، وأن رموزها استثنائيون في الطغيان والشراسة والتجرد من كل إنسانية .