حسد الائتلاف السوري من التضامن العالمي مع كردستان

صالح بوزان

المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. تذكرت هذا المثل العربي الذي يتردد على الألسنة الشعبية وأنا أتفرج على مقطع فيديو في لقاء العقيد عكيدي (أعتقد هذه رتبته) الذي غزا تل حاصل منذ سنة، تلك القرية الكردية بجانب بلدة السفيرة، وقتل الناس في الشوارع وشرد النساء والأطفال من قريتهم. كان يتكلم بلغة الأخوة مع دولة العراق والشام. وحين سأله المذيع عن ممارسات داعش، قال أن هناك بعض الأخطاء الفردية، وهذا يحدث عندنا وعندهم وعند غيرنا. يعني الذبح بالسكين والسبي والنهب والتكفير والمجازر، كل تلك أخطاء اعتبرها فردية. بينما داعش نفسه يعلن أن هذه هي أيديولوجيتهم، ويدعمون موقفهم هذه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وفتاوى كبار أئمة الإسلام.
إذن هذا هو أحد أقطاب الجيش الحر الذي انتقل من بين صفوف الجيش العربي السوري العقائدي العلماني، ووقف ليناصر الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد. هذا نموذج من ضباط الجيش الحر الذين أفشلوا الثورة السورية السلمية ودمروها قبل أن يتمكن النظام من قتل خيرة أبناء الوطن، ويدمر البلد ويشرد الملايين من بيوتهم. هذا هو النموذج الذي قام مع أمثاله بالسطو على الثورة وتغيير مسارها. والآن يعتبرون داعش وجبهة النصرة إخوة لهم. والأغرب في الأمر أن الائتلاف السوري المعارض والعكيدي طلبا من أمريكا أن تتعامل مع سوريا والجيش الحر كما تتعامل مع كردستان والبيشمركة.
لكن يبدو أن أمريكا لا تريد أن تعيد تجربة إسقاط صدام حسين، والعقيد الأهوج قذافي. حيث لم تحصد من وراء هاتين التجربتين سوى قبض الريح. في لقاء مع السيدة هيروخان زوجة الرئيس العراقي السابق السيد جلال الطلباني في بيتها بالسليمانية عام 2003، وبعد سقوط نظام صدام حسين سألتها: هل كنتم تتوقعون إزاحة صدام حسين وحزب البعث عن حكم العراق اعتماداً على قوى المعارضة العراقية بقسميها العربي والكردي؟ قالت بصريح العبارة: كان مجرد هذا التصور مستحيلاً.
وبعد أن أزيح صدام حسين، وجاء الحكام الجدد في بغداد بكل نزعاتهم الطائية والمذهبية البغيضة، أداروا ظهرهم لأمريكا والتحالف الغربي، ووضعوا أنفسهم كمستخدمين تحت إمرة ولي الفقيه الإيراني. المضحك في الأمر، أن مالكي اتهم، قبل الثورة السورية بعدة سنوات، النظام السوري علناً وعلى شاشات التلفزيون أنه يصدّر القاعدة إلى العراق، وصرح أن النظام السوري، وراء معظم السيارات المفخخة التي تقتل العراقيين بالمئات يومياً. ومن ثم تحول بين ليلة وضحاها إلى حليف استراتيجي للنظام السوري ضد ثورة الشعب. وجاء هذا التحول بأمر مباشر من ولي الفقيه.
لقد أخذت أمريكا درساً بليغاً من غدر حكام بغداد، وهي لا تريد تكرار التجربة مع المعارضة السورية السياسية والعسكرية، التي تسيل لعابها للجلوس في محل حاكم دمشق، بعد أن نسفوا قيم ثورة الشعب. إنهم يريدون أن يأتوا إلى حكم البلد وهم يحملون في طياتهم جميع نزعاتهم القومجية التي لا تختلف عن قومجية البعث، والطائفية البغيضة التي يقف وراءها الإخوان المسلمون والعراعرة (الشيخ عرعور). وبالتالي ليتقاسموا نفوذ السلطة فيما بينهم على شكل كونتونات سياسية. وعندئذ سيدّعون أنهم حرروا سوريا بقواهم الذاتية. ومن ثم سيعودون إلى ما تربوا عليه من مصطلحات البعث عن الامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية. ويتهموا الكرد، كما فعل البعث، بأنهم انفصاليون، حتى يتهربوا من استحقاقات الثورة.
لم أكن في يوم من الأيام من مناصري سياسة أمريكا، ولست كذلك الآن أيضاً. لكنني أعرف حقيقة دامغة أن أي تغيير في بلد من بلدان العالم الثالث، يحمل طابعاً استراتيجياً وله تأثير مباشر أو غير مباشر على المحيط الإقليمي لا يمكن أن يتم بدون موافقة أمريكا. هذه حقيقة ومن يتغاضى عنها إما مكابر أو مغفل سياسياً.
الثورة السورية ثورة عظيمة، وأطلقت شعارات رئيسية هي شعارات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والكرامة، وهي ليست شعارات الساسة الكلاسيكيين في المعارضة السورية. هذه المعارضة المصابة أصلاً بأمراض سياسية وفكرية مستعصية. فهي ركبت قطار الثورة سريعاً لتقودها إلى ما تشاء وليس إلى ما يشاء الشعب السوري. وهي لا تستطيع، كما أثبت الواقع، تغير النظام السوري اعتماداً على قواها الذاتية، ولذلك توسلت ومازالت تتوسل إلى أمريكا لكي تحقق لها ما تريد. لكن المؤمن الأمريكي(المصلحة) لا يريد أن يلدغ من جرح مرتين، كما لُدغ في العراق وليبيا.
إن طلب الائتلاف السوري اليوم بأن تتعامل أمريكا مع سوريا ومع الجيش الحر، كما تتعامل مع كردستان ومع بيشمركة عبارة عن ولدنة سياسية فيها الكثير من الغباء السياسي. فثمة خلل في هذه المقاربة. لقد ظلت كردستان وقيادتها منذ أن أقام الغرب وأمريكا لهم المنطقة الآمنة على شكر الدول الغربية. وشكرت وتشكر حتى الآن أمريكا على قيامها بإزاحة الطاغوت الصدامي. وراعت مصالح أمريكا والغرب كشريك موثوق به. بالرغم من وقوف أمريكا ضد استقلال كردستان حتى الآن. أنا واثق أن قيادة كردستان العراق لن تقدم على خطوة الاستقلال إلا إذا حصلت على موافقة أمريكا والغرب. لأن الكرد يعلمون علم اليقين مدى أهمية العامل الخارجي في أي تطور وتغيير محلي أو إقليمي.
هناك فرق كبير بين قيادة إقليم كردستان وقيادة الائتلاف السوري المعارض. لا أنكر أن المجلس الوطني السوري، والائتلاف أصدرا وثائق بالإمكان الاتفاق عليها في المرحلة الانتقالية. لكن كبار شخصيات هذه المعارضة كشفوا أنهم أحفاد نجباء لحافظ الأسد في اعتبار الوثائق مجرد أوراق لتضليل الناس. لقد أصدر حافظ الأسد دستوراً في السبعينيات كان مقبولاً في حينه إلى حد ما. كما أصدر بشار الأسد دستوره في ظل الثورة أفضل من دستور أبيه. لكن هل التزم حافظ الأسد بدستوره؟ وهل التزم بشار الأسد بدستوره أيضاً؟. والسؤال هنا هل سيلتزم  الائتلاف بالوثائق التي يوقعها. في مقابلات كبار أعضاء  المجلس الوطني السوري والائتلاف بدرت العديد من التصريحات التي تخالف الوثائق التي وقعوها. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، شبه برهان غليون وضع أكراد سوريا بوضع الجاليات الأجنبية في فرنسا. وصدرت من الإخوان مواقف طائفية بحجة أن أكثرية السوريين مسلمين سنة. وتحدثوا أن المجتمع الإسلامي يساوي بين الأديان والمذاهب والقوميات. وكأننا لا نعرف ما قام به المسلمون منذ بداية الإسلام  وحتى الآن. لقد استعمر المسلمون العرب الشعوب الأخرى بوحشية مقيتة. نهبوا بلدانهم، قضوا على ثقافتهم، واعتبروهم موالي وأهل الذمة. وكان دليلهم قرآنهم، وقدوتهم الرسول العربي.
في ظل المجلس الوطني السوري والائتلاف تكونت القاعدة والكتائب الإسلامية المختلفة، وفيما بعد داعش. تتذكرون أن العلماني برهان غليون والمسيحي الشيوعي جورج صبرا دافعا عن جبهة النصرة التي تنتمي إلى ابن لادن والظواهري. وعندما طلبت أمريكا أن يحارب الجيش الحر هذه الجبهة تهافت أعضاء المجلس الوطني للدفاع عنها على أنها فصيل من فصائل الجيش الحر. بل انتقدوا أمريكا عندما وضعت جبهة النصرة في خانة المنظمات الإرهابية.
عندما اجتاح داعش الموصل لم تحرك أمريكا ولا الدول الغربية ساكناً. لأنها كانت تعلم أن حكام بغداد وعلى رأسهم مالكي ليسوا شركاء حقيقيين في أي مسألة. لقد سلم الجيش العراقي كل السلاح الأمريكي الحديث مع كامل الذخيرة لداعش بدون قتال، وتركوا أموال البنوك في الموصل لهم. أما كان بإمكان الجيش العراقي أن ويهرب معداته في انسحابه، ويفجر مستودعاته التي لا يستطيع نقلها كما تفعل كل جيوش العالم عند الانسحاب؟ أعلن السيد مسعود البرزاني علناً أنه نبه مالكي لتحرك داعش نحو الموصل قبل فترة زمنية. فلماذا لم يحرك ساكناً؟ إن من يدير سياسة على قاعدة الغدر وخيانة مصالح شعبه ووطنه لن يثق به أحد في العالم.
والآن، كل كتائب الجيش الحر لها طابع إسلامي. عندما تقرأ لافتات هذه الكتائب تشعر وكأنك في فلم عن غزوة أحد أو بدر.
كنا نتعاطف مع الجيش الحر على أنه يدافع عن أهلنا، عن الثورة ضد وحشية النظام. أما الآن ألم ينخرط الجيش الحر في النزعة المذهبية والطائفية؟ هل نريد لهذا الجيش أن يكون جيشنا في سوريا المستقبل؟ وهل نريد أن يصبح العجوز هيثم المالح أم برهان غليون رئيسنا القادم. لقد خان المجلس الوطني السوري والائتلاف الثورة السورية، وكذلك خانت غالبية كتائب الجيش الحر هذه الثورة. ولم يبقى في الميدان سوى نظام غارق في الجرائم ، وكتائب مسلحة تتقاسم النفوذ والغنائم باسم الإسلام والطوائف.
فعلى من ستعتمد أمريكا في تغيير النظام السوري؟ أعلى هؤلاء؟
أكرر أن كل ما قلته لا يبرئ أمريكا من جرائم النظام السوري ضد الشعب، وهي مسؤولة بدرجة ما، لأنها كانت قادرة على إجبار الرئيس السوري على التنازل، وفرض حل سلمي توافقي على جميع الأطراف السورية وتحت حماية الأمم المتحدة. لكنها لم تفعل.
أن التفسخ البنيوي الفكري والسياسي لدى المعارضة السورية، وولاءهم لأطراف خارجية أكثر من ولائهم للشعب والوطن، والاستقتال فيما بينهم على تقاسم النفوذ في سوريا المستقبل قبل الوصول إلى هذا المستقبل له الدور الأساسي في مأساة الشعب السوري اليوم.
لكي تتعامل أمريكا والغرب مع الائتلاف السوري ومع الجيش الحر كما تتعامل الآن مع إقليم كردستان والبيشمركة، يجب أن يكون الائتلاف مثل قيادة كردستان العراق، والجيش السوري الحر مثل البشمركة.

الصداقة والتحالف بين الدول لا تقوم على إفرازات الكلمات العاطفية، ولا على قاعدة قيم أخلاقية. بل على أساس الشراكة في المصالح. شراكة مضمونة للطرفين. هذه الشراكة حققتها قيادة إقليم كردستان العراق ولم يحققها المجلس الوطني السوري ولا الائتلاف بعده.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…