الانتقال من هذه الشمولية إلى الجزء المجزئ في الحاضر الموجود بيننا نحن الكرد، وبشكل خاص في غرب كردستان، يدفعنا على عرض جملة من القضايا المصيرية لمجتمعنا الغارق في صراع مرعب، لنبين الأخطاء كل من وجهة نظره في البعدين السوري والكردستاني دون التحزب والتكتل الانتمائي، ننقد أعمالنا ونعرضها ونشرحها، ونقارن بينها، ضمن ندوة عامة وليس مؤتمراً أو كونفراساً يفرضان على الأطراف قضايا ومواد لا يكون لطرف ما القدرة دون الآخر الالتزام بها، فالكل يدرك أن الظروف وأسباب عدم الالتزام متنوعة وكثيرا ما تكون خارج الرغبة، لذلك علينا أن نجتمع تحت سقف ندوة فكرية ثقافية سياسية كردية – كردية تلتقي فيها كل الأطراف السياسية والثقافية والمستقلة للتشاور على بعض القضايا، الحاضرة والمستقبلية، ومن جملتها على سبيل المثال لا الحصر:
1- وجود السلطة التي نسميها بالمخفية أو عدمه في منطقة غرب كردستان، وما يحيط بهذا الوجود أو غيابه من قضايا.
2- النظام الفيدرالي للمنطقة واللامركزية لسوريا أو النظام المطروح على الساحة كالإدارة الذاتية الديمقراطية.
3- جغرافية المنطقة الكردية وعملية تجزئتها وتقزيمها والاسم المطروح على منطقة غرب كردستان.
4- المقارنة بين ديمغرافية المنطقة وجغرافيتها والبناء الفيدرالي على الأسس التي تلائم المجالين.
5- مستقبل سوريا في حال ظهور السلطة البديلة ونوعية النظام القادم.
6- العلاقات الإقليمية والانتماءات الكردية، والدبلوماسية الحاضرة للقوى الكردية والكردستانية.
7- بالإمكان التعرض لقضايا الخلافات بين الأحزاب دون التعرض لمحاولة عرض عملية التوحيد أو خلق البديل، المصارحة رغم ثقلها لكنها تسهل المسيرة إلى خلق نوع من التقارب.
8- إحدى القضايا المؤلمة الواجب مواجهتها، وأصبحت من المسلمات، والتي خلقت من ورائها الأحقاد، وتراكمت يوما بعد يوم نار سعيرها، ولم تخمد لحظة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي البحث في خفايا أسباب غياب السلطة المفاجئ وظهورها عند الضرورة ضمن جغرافيتنا الكردية، وتأثيرها على البعدين الفكري والسياسي، والسجال السفسطائي حولها (توجد السلطة، ولا توجد-المنطقة محررة، وغير محررة) والكل يدرك أن وجودها في هذا البعد لا تحتاج إلى قوة عسكرية ضخمة، يكفيها إدارة واحدة لتصدر الأوامر, وستنفذ أجنداتها بالأدوات المدارة في فلكها، فالتابعين لهم في المنطقة لهم حضور ومن كل القوميات، لذا بقاء الآمر من قبل السلطة الشمولية مخفيا لغاية وهدف، فأوامرها وتكتيكها تنفذ بكليته، يمكن البحث في هذه الإشكالية من هذا الجانب والآخر المناقض له بالنسبة لواقع المنطقة الكلي.
لا شك كثر الجدال حول غاية هذا النوع من التخفي، ومدى قدراتها وهي بهذه السوية، وكثر اللغط حول الزوايا التي من خلالها تجد الأحزاب الكردية وغيرها المتنوعة في المنطقة لذاتها كيان ما، وتكالب كل الأطراف على فتح مكاتب والظهور على السطح كالفطر من حيث سرعة الظهور والاختفاء، وما أسهل إزالتها، فالحرائق المتعمدة واحدة من تلك الطرق، ولا نستبعد صدور قرار من جهات ضمن المنطقة بإغلاقها مستقبلاً، وتسليم المكاتب إلى المؤسسات الحكومية.
إذا كانت السلطة موجودة والمنطقة لم تكن محررة فالأحزاب التي فتحت مكاتبها كانت تخادع ذاتها وتنافق على الأخرين، من خلال التناقض بين التصريحات والفعل، تؤكد على وجود السلطة من جهة وتناضل كجهة معارضة وتطالب بإسقاط السلطة وتغيير النظام وتفتح مكاتبها من جهة أخرى، وبمسافات لا تزداد عن مدى طلقة مسدس، كما وتتهم أل ب ي د بانها تتعامل معها، ولا تبحث عن صيغة تبريرية لأسباب وجود مكاتبها بجانب مراكز السلطة المخفية التي تناهضها، ومن منطلق هذا الادعاء فإن المشاكل الموجودة تتحملها السلطة الموجودة، ولا يحق لها إتهام أل ب ي د وقواتها العسكرية، والأعمال الجارية مثل فض المظاهرات والتعرض للمكاتب والاختطافات والمشاكل المعيشية تتحمل مسؤوليتها القوة المسيطرة، أي عمليا أحزاب المجلس الوطني الكردي تتاجر بالقضية.
أما إذا كانت السلطة غير موجودة كما تؤكد عليها أل ب ي د، فسلطة أل ي ب ك على المنطقة واقع يجب تقبله والتعامل معه من خلال أفعالها، ونقدها من منطق التعامل مع السلطة المخفية ملغي، وعدم مساندتها في الدفاع عن المنطقة بكل الأشكال، ضد اجتياحات التكفيريين والجهاديين العنصريين خيانة بحق الشعب المتواجد في المنطقة، وربما انتقاص من قيمة الشهداء. وبالمقابل المشاكل الموجودة تتحمل مسؤوليتها القوة الكردية المسيطرة، وهنا فتعامل القوة السياسية والثقافية مع السيطرة الكردية يجب أن يكون من منطق السلطة والمعارضة، وعليه تتحمل أل ب ي د والأسايش معظم تبعات الأخطاء، وتقبل النقد المتكالب من كل الأبعاد، وعليهم دراستها جميعاً، كما أن التفرد بالسلطة منطق ملغي وقبول الأخر حسب منطقه فقط شمولية مرفوضة. لا شك أن سلطة الأسد الشمولية وراء كل هذا الصراع ولن تتوانى من أجل الحفاظ على وجودها وهيمنتها التضحية بالكل الكردي.
هذه القضايا وغيرها جرفت بالحراكين السياسي والثقافي ومعهم العامة من الناس إلى سجالات عقيمة، من الأبعاد دون المواجهة، فأظهرت العديد من العداوات بين الحراكين وبين الشعب ذاته، وانتهت إلى نوع من الصراع على كمال أحد الطرفين وغياب الأخطاء فيه، وكلية نقاء الفكرة عند جهة دون الآخرى ونجاح التكتيك والنضال وصوابه عند الأنا الكلية، وكان هذا بحثنا في المقدمة، عدمية هذا المفهوم والتي هي من الأسباب الملغية تقريبا لخلق التقارب والنقاش المنطقي بين الأطراف، وازدادت على أثرها الهوة بيننا والتهبت سعير الجدالات والتهجمات، مع نسيان أو تناسي معظم الأطراف الغاية الرئيسة وتعتيمهم في كثيره على القضية الأساسية، فسيطرت ما كانت تريده السلطة من المفاهيم والصراعات على المنطقة الكردية، وفي مقدمتها إلهائها بذاتها إلى أن تحين الفرصة لإعادة السيطرة العلنية على المنطقة.
بودنا أن نبحث في هذه السجالات وغيرها حتى ولو كانت بعضها عقيمة، والتي لا تؤدي إلى نتيجة مرجوة لواقع غربي كردستان الحاضر ولا إلى مستقبله، لكن علينا الخوض فيه لمعالجة عقمه، بدونها ستنعدم الامل، لهذا سنبقي الأبواب مفتوحة لكل الأفكار والانتقادات والمواجهات، ليدلي كل من جهته في هذا المشروع، وما يمكن أن يضاف إليه من اقتراحات.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com