إبراهيم اليوسف
تحتل الشخصية مكانة رئيسة في النص الأدبي، كما هي تحتل مكانتها في الحياة، بحيث أنه لايمكننا تصورأي فضاء افتراضي، أو واقعي، من دون أثرها، وهي لما تزل تصر على نحو حثيث في الحفاظ على مكانتها، في كلا العالمين، رغم أن من صفات العصر الرقمي، دفع الآدمي، ليغوص أكثر في الرقمية، إلى درجة التشيؤ. بيد أن كل هذا لم يحل من استمرارية الشخصية في الحياة، والأدب، بل والفن، بأشكال متعددة، حيث تتمحور جميعها، في اتجاهين، أحدهما إيجابي، والثاني سلبي، وإن كنا نجد-هنا- من يصنف الشخصية المهمشة-طوعاً- والشخصية غير الفاعلة، وغير المؤثرة، على أنها محض سلبية.
ولقد عرفت فنون الكتابة- كما الواقع- حضور شخصيات كثيرة، منها ما هو عابر، لا يترك أثره، بيد أن هناك ما يترسخ في الذاكرة، ولعل الشخصيات النموذجية، من أكثر الشخصيات التي تفرض هيمنتها، الشريرة منها، والخيرة، القاتل، والضحية، البطل والمهزوم، كل منها-حسب دورها الذي تؤديه- سواء من قبلها في الواقع، أومن خلال صناعتها في المختبر الإبداعي للمؤلف أو الفنان، وهي مدعاة استحسان، أو نفور، من قبل متابع الخط البياني لها، حياتياً، وفنياً، وما أكثر هذه الشخصيات التي قرأنا عنها، في بعض الأعمال الأدبية الخالدة، فهيمنت سطواتها علينا، كي تعيش معنا، ونقوم أخلاقها، وسلوكياتها، على مقاييس النقد.
ويبدو أن الشخصية المنقادة، التي تتصف-عادة- بسطحيتها، وإمعيتها، ولامبدئيتها، وهي القديمة، التي تم اكتشافها، مع تبلور مرحلة الوعي، لعبت دوراً خطيراً في الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث أنها تتحرك وفق مصالحها، على نحو بيدقي، ولا يمكن التحدث عن أي مجتمع، عبر التاريخ، من دون وجود هؤلاء، حيث أن لهم عالمهم الفريد، والخاص، الذي يمكن تناوله عبر أعمال أدبية، وفنية، بل ودراسات سايكولوجية عميقة، حيث أنها، ورغم تناولها، من قبل كثيرين، بيد أنه ثمة حساسية تقف، في وجه كل من يقاربها، مخبرياً، وهو ما أحال، حتى الآن، دون وجود معجم خاص بها.
ومن يدقق الآن، ونحن نعيش في هذا الفضاء المفتوح، يجد أن هذه الشخصية باتت أكثر بروزاً، وحضوراً، بل يمكن اعتبارها تعيش عصرها الذهبي، لأنها توزعت، على نحو اخطبوطي، سرطاني، في الحياة العامة، حيث أنك تواجهها قبالة باب المنزل، وتحت النافذة، وفي محل السوبرماركت، وفي الشارع، و المقهى، و المطعم، و المدرسة، والمعمل، والمؤسسة، وزد على ذلك أنها في عصر الثورة المعلوماتية، حيث بريق الفضائيات، ووهج شبكات التواصل الاجتماعي، باتت أكثر- انكشافاً- في العراء، لا يسع أي غطاء لستر عريها، وأي أفق لمواراة رائحتها المتنتنة، وأي بلسم أرضي للبرء من سمومها، المنتشرة، وهي تواصل أداء الأدوار الموكلة إليها، تنقل بندقيتها من كتف إلى كتف، تمدح اليوم، من ذمته بالأمس، وتذم اليوم، من كالت له المدائح بالأمس، بل لا ضير لديها أن ترتكب مثل هذا التناقض، في الجلسة الواحدة، والمقال الواحد، والجملة الواحدة.
ثمة مهمة فعلية، أمام المشتغلين في مجال العلوم الاجتماعية والنفسية، لتشريح هذه الشخصية المطواعة، الخسيسة، المتهافتة، الرخيصة، وتبيان سبب انتشارها، ودواعي سقوطها، وأدائها الأدوار “تحت الطلب”، حيث لابد من أن تكون هناك ورش، هائلة، لتشتغل، بوتائر عالية، من أجل خلق حياة اجتماعية معافاة من أصحاب مثل هذه العاهات الذين يلوث وجودهم ما حولهم، وهم المعبر حتى للغرباء، ماداموا مفتقدين للأخلاق، والمنطق، والحياء، والحدود الدنيا من المروءة والضمير بل وكل القيم.
elyousef@gmail.com
ويبدو أن الشخصية المنقادة، التي تتصف-عادة- بسطحيتها، وإمعيتها، ولامبدئيتها، وهي القديمة، التي تم اكتشافها، مع تبلور مرحلة الوعي، لعبت دوراً خطيراً في الحياة الاجتماعية والسياسية، حيث أنها تتحرك وفق مصالحها، على نحو بيدقي، ولا يمكن التحدث عن أي مجتمع، عبر التاريخ، من دون وجود هؤلاء، حيث أن لهم عالمهم الفريد، والخاص، الذي يمكن تناوله عبر أعمال أدبية، وفنية، بل ودراسات سايكولوجية عميقة، حيث أنها، ورغم تناولها، من قبل كثيرين، بيد أنه ثمة حساسية تقف، في وجه كل من يقاربها، مخبرياً، وهو ما أحال، حتى الآن، دون وجود معجم خاص بها.
ومن يدقق الآن، ونحن نعيش في هذا الفضاء المفتوح، يجد أن هذه الشخصية باتت أكثر بروزاً، وحضوراً، بل يمكن اعتبارها تعيش عصرها الذهبي، لأنها توزعت، على نحو اخطبوطي، سرطاني، في الحياة العامة، حيث أنك تواجهها قبالة باب المنزل، وتحت النافذة، وفي محل السوبرماركت، وفي الشارع، و المقهى، و المطعم، و المدرسة، والمعمل، والمؤسسة، وزد على ذلك أنها في عصر الثورة المعلوماتية، حيث بريق الفضائيات، ووهج شبكات التواصل الاجتماعي، باتت أكثر- انكشافاً- في العراء، لا يسع أي غطاء لستر عريها، وأي أفق لمواراة رائحتها المتنتنة، وأي بلسم أرضي للبرء من سمومها، المنتشرة، وهي تواصل أداء الأدوار الموكلة إليها، تنقل بندقيتها من كتف إلى كتف، تمدح اليوم، من ذمته بالأمس، وتذم اليوم، من كالت له المدائح بالأمس، بل لا ضير لديها أن ترتكب مثل هذا التناقض، في الجلسة الواحدة، والمقال الواحد، والجملة الواحدة.
ثمة مهمة فعلية، أمام المشتغلين في مجال العلوم الاجتماعية والنفسية، لتشريح هذه الشخصية المطواعة، الخسيسة، المتهافتة، الرخيصة، وتبيان سبب انتشارها، ودواعي سقوطها، وأدائها الأدوار “تحت الطلب”، حيث لابد من أن تكون هناك ورش، هائلة، لتشتغل، بوتائر عالية، من أجل خلق حياة اجتماعية معافاة من أصحاب مثل هذه العاهات الذين يلوث وجودهم ما حولهم، وهم المعبر حتى للغرباء، ماداموا مفتقدين للأخلاق، والمنطق، والحياء، والحدود الدنيا من المروءة والضمير بل وكل القيم.
elyousef@gmail.com