إبراهيم اليوسف
هكذا، صُنع إعلام المقاومة الكردي
نعيش، في هذه الأيام، الذكرى العاشرة، لانتفاضة الثاني عشر من آذار2004، التي تناولناها، في العشرات من المقالات، وربما آلاف الأخبار، حول تفاصيل يومياتها، في مسارحها المتعددة، في سوريا، مدنياً، وعسكرياً، حيث ثمة تفاصيل في كلتا الحالتين، عن تلك الأيام الرهيبة، وماتلتها، من أيام مشابهة، تصاعد خلالها الخط البياني، لمأساة أبناء شعبنا، كي ترتفع بذلك، مآسي السوريين، برمتهم، لاسيما بعيد انطلاقة الثورة السورية التي تدخل- في هذه الأيام- هي الأخرى، في عامها الرابع. وثمة الكثير من التفاصيل من يوميات هذه الانتفاضة، لما تدون بعد، لأننا-كمدونين لها- وجدنا في رصد الجرائم المفتوحة، على شعبنا، ما هو أهم منها، وإن كانت تتعلق بأدوار كثيرين، أدوا بطولات خارقة، منهم من هو لايزال مجهولاً- لاعتبارات يعرفها كلنا- ومنهم من بات معروفاً ماقام به، وإن ضمن دائرة لا تليق بمستوى ما قام به.
قبل كل شيء، أؤكد، أن كل كردي، في الفضاء الآذاري، كان غير راض عما يقوم به النظام السوري- وهنا أتحدث عن شعب مملين- إلا من هو مباع، وفق عقد علني، أوسري، وكنا نجد بعض هاتيك النماذج التي كانت تنشر- بيننا- أقوال النظام، وينطلق من نهايات الانتفاضة، ومن غضبة شبابنا، عبر عملية “جلد الذات”، رغم انسلاخ مثل هذه الذوات عن محيطها، وقد صادفت -شخصياً- أكثرمن أنموذج مشابه، لكنه، كان من الندرة، بأنه لن يشكل إلا العشرات-ربما- في أبعد تقدير، من الملايين الساخطة، على ماتم، وهو رقم ضئيل، في معيار الصفر المليمتري، ماكنت لأذكره، لولا أني عارف، أن هناك من ضمن، مثل هذا الرقم، من كانوا قد آذوا سواهم، في أمثلة معروفة، ربما تحدثنا عنها، بعد سقوط البعد الزمني، عبر التقادم، لاسيما أن هناك المجال، أمام مثل هذا الصنف، لإصلاح ذاته، وإن كان بعضه، قد تهتك- أكثر- في حرم السنوات العشر، وكان تهتكها، أشدَّ، على امتداد زمن الثورة السورية، وعلى نحو أعم.
الجوانب المضيئة، من بطولات شبابنا، لاسيما تلك التي تمت- ميدانياً- دونها كثيرون، بيد أن هناك آلاف المواقف العظيمة، غير المدونة، سواء تلك التي كانت في فترات الاعتقال- وقد تناولنا شذرات عابرة من بعضها- في ضوء المعلن، بيدأنها، كمن يقوم باقتناص موجة، في بحر، أو قطر في هطل، أو نهر أو نبع. ولعل ما أستطيع التوقف عنده-هنا- هو العمل التوثيقي الذي تم على امتداد سنوات، حيث أعرف أكثرها، ومن بينها بعض المحطات التالية، لمجريات “ملعب قامشلو”، كاستشهاد الشيخ معشوق، وحدث يوم2-11-2007، و20 آذار2008، أنني لم أعلن عنها، على امتداد عشرة أعوام، بل بقيت أسماء أبطالها، طي الكتمان، وسأحاول التركيز عليها.
ثمة مجموعة من شبابنا، و كانت مؤلفة من” منذر أوسكان- سعود محمد- مسعود بريك- فائق يوسف”…، أوصلت إلى بيتنا، شريط “فيديو مصور” تضمن اعتداء بعض جمهور فريق الفتوة على جمهور نادي الجهاد، و لقطة إطلاق النار ضمن الملعب، ورفع صورة” صدام حسين”..وغيرها، من اللقطات التي كانت أكبررد، على أبواق النظام الذين راحوا يتحدثون عن مخطط كردي إسرائيلي، وعلم أمريكي رفعه الكرد، وغير ذلك من التخرصات القذرة، وكان أمامنا تحد كبير، لأننا استطعنا تعيميم بعض الصور على المواقع الكردية التي” كانت موجودة آنذاك وأتحدت منذ الليلة الأولى وكان يعمل فيها كل قادو شيرين وفرهاد أحمي وسيروان حج بركو”، وربما آخرون، لا أتذكر، الآن، فعذراً منهم، وسأثبت أسماءهم، إذا عرفتها، فيما بعد.
منذ الساعات الأولى، كان تواصل فضائية “روج” معنا، من خلال كل من الأخوة: نواف خليل، وأجدر شيخو، وبنياد جزيري، بشكل خاص، وأتذكر أنه بعد تغطية “صوت أمريكا” عن طريق الصديق دخيل شمو، الذي اتصل، ولاتزال وقائع الملعب جارية، وبعد ربع ساعة -ربما- من اشتعالها، ليكون الاتصال الثاني من القسم الكردي، حيث كان الأخ أجدر مذيع البرنامج، فأعطيته، مالدي من أخبار، أولى، وأظل على تواصل معه، وحدد لي موعد النشرة العربية، التي اشترك بها الأخ مسعود عكو-بسبب عدم وجود تغطية للخط التركي الذي كان معي وأنا قرب الملعب- وقد حصلت روج على رقم هاتفه عن طريق الأخ فرهاد أحمي. أتذكر، أنني كنت في سيارة ابن عم لي، وللمصادفة كانت نمرتها ” ديرالزور”، ولولا وجودي داخلها، لتأذت وسائقها، في غمرة الغضب الذي تم، وليتحدث في الليلة نفسها الأستاذ فؤاد عليكو، وأظل على تواصل مع هذه الفضائية، التي كانت الوحيدة التي تابعت يوميات الانتفاضة.
المشكلة التي برزت -فجأة- هي حاجة الأخبار التي نقلناها، إلى الصور التوثيقية –والتصوير كان موجوداً- رغم أنه لم تكن لدينا حتى تلك اللحظة “كاميرا” إلى أن أن حاولت فضائية روج التي استقبلتني ومشعل –بحفاوة- بعد أن أتينا إلى باريس بعيد الانتفاضة، تقديم مبلغ من النقود، وكان مئة دولار، رفضته، بيد أن الأخ نواف خليل سلمه للشاعر مروان علي، الذي اشترى بها كاميرا “دي جيتال” لاتزال عندنا، وقال: إنها هدية لفائق، وموقع ” كسكسور” الإخباري، وكان مروان قد سدد جزءاً من ثمنها من جيبه، كما توقعت.
وقد وصلتنا الصور، في الساعات الأولى من اليوم الأول، الذي تحول البيت- بشكل طبيعي- إلى غرفة عمليات، كما سمي من قبل” مجموع الأحزاب الكردية الذين شكرونا، بعد “حلحلة” الأمور، وإطلاق المعتقلين، بعد حوالي سنة، من اعتقالهم- وهي عشية اختطاف، ومن ثم اغتيال الشيخ معشوق، بعدأن بدأ منذ أشهر، وهو يعمل بوتيرة عالية. المشكلة، كانت في الإنترنت. أسرة فضائية روج، وسيروان، كل من جهة، كانوا يريدون مقاطع الفيديو، ولم نكن نستطيع إرسال المقاطع، بسبب بطء الإنترنت .
بعد مجريات الملعب، مباشرة، أرسل فائق اللقطات الأولى إلى الجهتين: روج، وسيروان، ولكن، إلحاح شباب الخارج، كان، على الشكل التالي: نريد الوثائق، نريد الصور، نريد مقاطع الفيديو، أتذكر، كانت كلمة مرور موقع “عامودا نت” عند فائق، كما أنه كان لروج موقع إلكتروني، وقد أعطت أسرته كلمة مروره لفائق، نشر خلالها بعض الصور، وكان التحميل جد بطيء .الحاجة باتت كبيرة، كلهم يطلب الصور، وكانت مشكلة الإنترنت موجودة، وما قمنا به، هوأن أحد الشباب الذين كانوا يترددون على بيتنا، اسمه “دلكش”-وهو مقيم في ألمانيا الآن- طرح فكرة أن يذهب هو وأولادي، إلى بوابة الحدود السورية-التركية، وأن يعطوا ال”سي دي” لأحد العابرين، وكان عارفاً بعوالم الحدود. وافقت على الفكرة، وخططت لهؤلاء الشباب، وكانوا ثلاثة، ولداي: كرم وفائق، وصديق الأسرة، صاحب الفكرة، أعطيتهما خطاً هاتفياً تركياً، وكانت الخطوط التركية، قد غدت ممنوعة، فجأة، وتم اعتقال بعض من ضبطت معهم. ذهبت وقتها إلى بيت الكاتب محمد سيد حسين، وكان هناك كل من إبراهيم محمود، وحواس محمود، وتم الحوار، حول التغطية الإعلامية التلفزيونية للانتفاضة، وغير ذلك، كنت وكأني على نار، أهتف للشباب، غير أن الخط الهاتفي انقطع، جاء سيامند ميرزو، ليأخذني من هناك إلى بيته، حيث كان والده قد جاء من عامودا، وكنت مدعواً للغذاء، أحاول الاتصال، والهاتف لايرد، أتصل بالبيت، ببيت الشاب، لأعلم أنهم لم يعودوا، كنت خجلاً جداً، ليس بسبب أولادي، بل بسبب الشباب، أخشى عليه، من الاعتقال، بعد قليل، رن هاتف بيت سيامند، كي أعلم، أنهم نجحوا في مهمتهم، ليرووا لي التفاصيل المذهلة.
كيفية نجاحهم في المهمة، أنه في اليوم-الثالث أو الرابع- من الانتفاضة، قامت السلطات بفتح بوابة الحدود، التي أغلقتها، وكان هناك المئات من الناس، على طرفي الحدود، فقد استطاع الشباب من الوصول إلى المدخل الحدودي الرسمي الذي لم يكن يبتعد عن بيتنا غير مئات الأمتار، وكأنهم-سيودعون أقرباء لهم- ووجدوا هناك امرأة عجوزاً، قالوا لها: إليك شريط بافي طيار، سيستلمه منك- في الطرف الآخر أحدهم باسم فلان وكانت تعرف ولديَّ- وفعلاً، فإن هذه العجوز، حملت ذلك ال سي دي المغلف، بيدها، وعليه من طرفيه” صور بافي طيار” الذي كان قداشتهرفي تلك، الأيام، بشكل لافت، ولايزال، وتكللت تلك المغامرة بالنجاح.
.
أجل، في الطرف الآخر، من الحدود، كان د. محمد محمود- وهومن كان يكتب باسم بافي رامان، وهو في انتظار ال”سي دي” على أحر من جمر، وقد رد علي، هاتفياً، مؤكداً استلامه نسختين من قرص السي دي”، ألححت عليه، أن يرسل نسخة من الفيديو المصور، إلى”روج” والآخر” إلى ك. ت . ف”، وأن يستنسخ لسيروان نسخة خاصة، لأنه هوالآخركان يتابعنا بإلحاح، ومن عداد أسرة المواقع الكردية المؤتلفة، أوالمتحدة، وكانت “ك. ت. ف” قدأجرت أول اتصال هاتفي معي، في الليلة التي سبقتها، عن طريق مذيعها هفال الذي كاتبته، قائلاً: أنتم، نقلتم الخبرعن وكالة الأنباء الفرنسية التي اتصلت بي، عن طريق فتاة كلفها الفنان بشارالعيسى، وبثثتم الخبرأن صحفياً من قامشلي حدثها ببعض التفاصيل، وقلت: ذلك الصحفي، هو أنا، فاتصلت بي مرات عدة، ومن بينها مرتين، في إحداهما، قال لي المذيع: أنتم أحرقتم مؤسسات الدولة، فقلت كلمتي وهي التي رددت كثيراً: لقد تأكد في تربسبي، أن هناك من غير الكرد، أحرقوا المؤسسات، وهكذا في الأعلاف، للتأليب على الكرد، ومع هذا، فإن كل مؤسسات العالم، لا تعادل قطرة دم من شاب كردي.
في الليلة، ذاتها، تم بثُّ المقاطع الملتقطة، وأعتقد أنه كان تم جمعها، من أكثر من مصدر، بعد أن جاءنا نصرالدين أحمي وحسن خانيسوري- و كان نصر ينسق مع كل من سعود ومسعود ومنذر وفائق، كما أكد لي، قبل أيام، وأتذكر أنه نقل ذلك الجزء من الشريط-ربما أتى به من بيت منذر أوسكان أوغيره- وكان الطريق بين الحي الغربي، وقدوربك، يعني: الموت، أو الاعتقال، لذلك فقد كان كل منهما يسير على أحد طرفي الشارع، ومعه نسخة من الشريط، تحسباً، لأي اعتقال، كي تصل نسخة التصوير إلينا.
الكاميرا التي التقطت تلك الصور، كانت ل”سعود” كما أكد لي ذلك، قبل أشهر، حين التقيته في هولير، حيث يعيش هناك، ولم يعرف أحد- حتى الآن- بكل ذلك، وإن كان هناك من يعرف أن الصور والفيديوهات سربت عن طريق بيتنا. وأكد سعود أنه لايزال يحتفظ في هولير، بتلك”الكاميرالتي التقط بها الصور، دون أن يزيلها، وكان بباله أن تقدم ذات يوم إلى المحكمة الدولية، كوثيقة عن انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان، بل ضلوعه في الجريمة المنظمة.
بعد مرورأيام عديدة، من بثّ شريط الفيديو، جاءنا وفد من إعلاميي ب. ي. د الذي كان قد تشكل قبل عام، وطلبوا الاستعانة ب”فائق”، من أجل قضايا إلكترونية، وطلبوا نسخة من شريط الفيديو، أمناه لهم، وكانت وجهتهم إلى إقليم كردستان، كما أن عارف زيرفان، وصل إلى قامشلو، في تلك الأيام، ونزل في بيت حميه الذي بدا مرتعباً، وطلب منا نسخة من الشريط فأعطيناه إياها، وكان خلال هذه الفترة، بعض إعلامييي ب ي د- القادمين من لبنان- ينزلون في بيتنا، عن طريق بعض من رفاقهم الذين أعرفهم “ك- و- ع”، واستمروا هكذا لمدة طويلة، وأتذكر أن الأخ نواف خليل كتب عن دور أسرتنا في تلك الفترة، على بروفايله الشخصي.
فضائية “روج” دأبت على الاتصال بي، طوال فترة الحدث، بل ولمدة سنوات، لاسيما أثناء اختطاف الشيخ الشهيد معشوق، وأتذكر أني أمنت أكثر من لقاء تلفزيوني-وإن بعد أيام لكل من الصديقين الشهيد مشعل وإبراهيم محمود، بعد مرور أيام على الحدث، وكان الشهيد مشعل الذي اتصلت به فضائية العربية، في يوم تشييع شهداء الثاني عشر من آذار، واستشهاد عدد آخر من شبابنا، قد ذكر عبارة” المجرم سليم كبول” أي محافظ الحسكة الذي أمر بإطلاق النار على الشباب الكرد، كما أكد أكثر من شخص من حوله ومنهم الكاتب الآثوري سليمان يوسف.
ثمة أنباء، كانت تتوارد، أن هناك صورة ملتقطة ل”سليم كبول” وهو يطلق النار، وحدث أنه، عندما كنا نعد الأخبار، في الليلة الأولى، ثمة من جاء أنه رأى بعينيه، ذلك، وأن الصورة عند صديق له، كنت أحاول الكتابة بمهنية، فأنا أعرف أن كبول قد أمر بإطلاق النار، وهو لا يفعل ذلك إل ابقرار من الداخلية، والداخلية لن تقوم بإعطاء هذا القرار إلا من بشار الأسد، وهو ماكنت أشير إليه بالقول: أدين، “كبول وأمره وآمر آمره بإطلاق النار”، وذلك في سياق الإدانة. وعندما طلبت من ذلك الشاب، أن يجلب لنا اللقطات المصورة، تملص، ربما الأن من صورها، لم يعطه إياها، ولكن، هذا الشاب الذي كان أكثر-حماساً- طلبت منه، ذات مرة، أن أستخدم هاتفه، للرد على اتصال هاتفي، من إحدى الفضائيات، بعد انقطاع خطنا الهاتفي، ورحنا إلى بيته، ولكنه، قبل موعد الاتصال بدقائق، اعتذر، فاضطررنا للرد، عبر الهاتف الخليوي، رغم أن الفضائية كانت قد طلبت رقم هاتف ثابت….!
مشعل التمو:
في تلك الأيام، الأكثر خطورة، كنا -بحاجة- إلى تسجيل نسخ سي دي عن الشريط الأصل، وحدث أن الشهيد مشعل قد أتانا، ومعه زوجته، إلى جانبه، كي يبين لمن يعترض طريقه، أنه في زيارة عائلية، وفاجأني بالقول، بعد أن اتصلت به، قائلاً: لا أحد يستنسخ لنا مقاطع الفيديو، فجاء، ومضى، ليعود إلي بعد ساعات، وعلمت في ما بعد أنه استنسخها، في” استيريو” عائد لرجل أعمال كردي”……….” قام بمهمة أخرى، لصالح أسرتنا، عندما اعتقل ابني آراس، وصديقه” “، من قبل الشرطة العسكرية، فقد قام بإطلاق سراحهم. أعطاني عدداً لابأس به من النسخ، كي نوزعها على بعض وجوه المعارضة، ربما في اليوم التالي، عندما جاء وفد من لجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني-عن طريقه وبدعم مالي من الراحل إسماعيل عمر-فأقاموا ندوة جماهيرية في باحة بيتي، بعضهم قاطعها، ودخل غرفة بيتنا، تحسباً للمساءلة ، وكان من بين الوفد: ياسين الحاج صالح، وأتصور أن هيثم المالح لم يكن موجوداً لذهابه إلى الحسكة…..!.
غرفة عمليات:
مكتبتي، وكانت عبارة عن غرفة مقتطعه من أصل غرفتين، فيها آلاف الكتب ، ويتردد عليها أصدقائي، منذ ساعات الصباح إلى وقت متأخر من الليل، وكان أفراد أسرتي، كلهم، يسكنون غرفة واحدة، وأبنائي ممن كانوا طلاب شهادة، في الإعدادية، أو الثانوية، أو المعاهد أو الجامعة، يتابعون دراستهم في غرفة واحدة، مع أمهم، وبقية الصغار، حيث كان فائق طالب شهادة “ثانوية” :ثالث ثانوي، وإن كانوا- لاسيما كرم وفائق- سيضطرون إلى إدارة مابين أيديهم من مواقع إلكترونية، ومن بينها مواقع” فكّ الحجب” التي ما إن كانت تحجب، حتى يقوم فائق بإيجاد موقع آخر، يحضرني-الآن- اسما اثنين منها، وهما خاجيروك-قرطمين…..إلخ.
أتذكر، كان-فائق- يقوم بتنضيد الأخبار، وإعدادها فنياً، وإرسالها للنشر، وكتابه الدراسي على الطاولة، يرميه، بنظرة، بين لحظة وأخرى،، على امتداد ساعات طويلة، إلى أن يهده النوم، كي يستلم الكمبيوتر-الوحيد- كرم، يكتب مايصل من أخبار، يأتي بها المتواصلون معنا، شخصياً، أوعبر الهاتف، أو يكتب بعض المقالات باسماء مستعارة، منها: ريكار قرطميني-رشو يوسف- ويران علي، بينما كان فائق يكتب باسم ” شيار شيخ سعيد”، وكان عدد من الأصدقاء يساعدوننا في تنضيد ما أكتبه، وكان بيت الصديق سيامند ميرزو-بشكل استنثنائي- مفتوحاً لنا، حيث تنضد زوجته، مايفيض من مواد في بيتنا، بل كان هناك بعض المترددين، يومياً، يقوم بمثل هذا التنضيد” لم أذكر أسماء هؤلاء لئلا يساء الفهم، رغم أن من قام بالعمل هنا فقد كان يقوم بما هومشرف”..
في هذه الفترة، كنت أنشر بعض المقالات، بأسماء أخرى، بالإضافة إلى ماكنت أكتبه باسمي، وقد دخل على الخط الصديق الفنان التشكيلي خليل مصطفى الذي كان قد كتب بأسماء، عدة، ومنها اسم: كوني سبي، الذي كتب به عن الانتفاضة، ولم يكن في بيته لاكمبيوتر ولا إنترنت، لذلك، فإن مقالاته في تلك المرحلة، كانت تنضد -في الغالب- في منزلنا، وأتذكر، أنه صار ينضد مقالاته بيده، بعد أن يخلى البيت من الزوار، وإن كان بعض من تردد على بيتنا، وضمن دائرة ضيقة قد عرفوا أنه كوني سبي.
كنت أضطر، بين فترة وأخرى، أن أنقل –غرفة عملياتنا- إلى بيت أمي، لاسيما عندما وجدنا بعض المراقبة، بأساليب -متعددة- وأتذكر، ذات مرة، عندما شممنا رائحة -كبسة- على البيت، نقلنا الكمبيوتر إلى غرفة والدتي، التي كانت تحرسني، ليس طوال فترة عملي على الكمبيوتر، بل حتى بعدما أنام. كانت لاتفتأ تردد لي بعض القصص التي فيها موقف بطولية لبعض الأجداد، وهي تتباهى باعتباري امتداداً لهم، وكان الكمبيوتر-من النوع الثابت- نفك قطعه، وننقله معنا، حيث لم يكن عندنا أي هاتف محمول. كان هناك ثمة حذر كبير، أثناء إرسال الأخبار، حيث يتم اعتماد تغيير” الآي بي”، ليكون الإرسال، وكأنه من بلد آخر، بل كان يتم حذف أثر زيارة الموقع الكردي، أو المعارض، بل ويتم الحذر التام – وبشكل خاص- مع روابط نشر المواد.
يتبع……………….
الجوانب المضيئة، من بطولات شبابنا، لاسيما تلك التي تمت- ميدانياً- دونها كثيرون، بيد أن هناك آلاف المواقف العظيمة، غير المدونة، سواء تلك التي كانت في فترات الاعتقال- وقد تناولنا شذرات عابرة من بعضها- في ضوء المعلن، بيدأنها، كمن يقوم باقتناص موجة، في بحر، أو قطر في هطل، أو نهر أو نبع. ولعل ما أستطيع التوقف عنده-هنا- هو العمل التوثيقي الذي تم على امتداد سنوات، حيث أعرف أكثرها، ومن بينها بعض المحطات التالية، لمجريات “ملعب قامشلو”، كاستشهاد الشيخ معشوق، وحدث يوم2-11-2007، و20 آذار2008، أنني لم أعلن عنها، على امتداد عشرة أعوام، بل بقيت أسماء أبطالها، طي الكتمان، وسأحاول التركيز عليها.
ثمة مجموعة من شبابنا، و كانت مؤلفة من” منذر أوسكان- سعود محمد- مسعود بريك- فائق يوسف”…، أوصلت إلى بيتنا، شريط “فيديو مصور” تضمن اعتداء بعض جمهور فريق الفتوة على جمهور نادي الجهاد، و لقطة إطلاق النار ضمن الملعب، ورفع صورة” صدام حسين”..وغيرها، من اللقطات التي كانت أكبررد، على أبواق النظام الذين راحوا يتحدثون عن مخطط كردي إسرائيلي، وعلم أمريكي رفعه الكرد، وغير ذلك من التخرصات القذرة، وكان أمامنا تحد كبير، لأننا استطعنا تعيميم بعض الصور على المواقع الكردية التي” كانت موجودة آنذاك وأتحدت منذ الليلة الأولى وكان يعمل فيها كل قادو شيرين وفرهاد أحمي وسيروان حج بركو”، وربما آخرون، لا أتذكر، الآن، فعذراً منهم، وسأثبت أسماءهم، إذا عرفتها، فيما بعد.
منذ الساعات الأولى، كان تواصل فضائية “روج” معنا، من خلال كل من الأخوة: نواف خليل، وأجدر شيخو، وبنياد جزيري، بشكل خاص، وأتذكر أنه بعد تغطية “صوت أمريكا” عن طريق الصديق دخيل شمو، الذي اتصل، ولاتزال وقائع الملعب جارية، وبعد ربع ساعة -ربما- من اشتعالها، ليكون الاتصال الثاني من القسم الكردي، حيث كان الأخ أجدر مذيع البرنامج، فأعطيته، مالدي من أخبار، أولى، وأظل على تواصل معه، وحدد لي موعد النشرة العربية، التي اشترك بها الأخ مسعود عكو-بسبب عدم وجود تغطية للخط التركي الذي كان معي وأنا قرب الملعب- وقد حصلت روج على رقم هاتفه عن طريق الأخ فرهاد أحمي. أتذكر، أنني كنت في سيارة ابن عم لي، وللمصادفة كانت نمرتها ” ديرالزور”، ولولا وجودي داخلها، لتأذت وسائقها، في غمرة الغضب الذي تم، وليتحدث في الليلة نفسها الأستاذ فؤاد عليكو، وأظل على تواصل مع هذه الفضائية، التي كانت الوحيدة التي تابعت يوميات الانتفاضة.
المشكلة التي برزت -فجأة- هي حاجة الأخبار التي نقلناها، إلى الصور التوثيقية –والتصوير كان موجوداً- رغم أنه لم تكن لدينا حتى تلك اللحظة “كاميرا” إلى أن أن حاولت فضائية روج التي استقبلتني ومشعل –بحفاوة- بعد أن أتينا إلى باريس بعيد الانتفاضة، تقديم مبلغ من النقود، وكان مئة دولار، رفضته، بيد أن الأخ نواف خليل سلمه للشاعر مروان علي، الذي اشترى بها كاميرا “دي جيتال” لاتزال عندنا، وقال: إنها هدية لفائق، وموقع ” كسكسور” الإخباري، وكان مروان قد سدد جزءاً من ثمنها من جيبه، كما توقعت.
وقد وصلتنا الصور، في الساعات الأولى من اليوم الأول، الذي تحول البيت- بشكل طبيعي- إلى غرفة عمليات، كما سمي من قبل” مجموع الأحزاب الكردية الذين شكرونا، بعد “حلحلة” الأمور، وإطلاق المعتقلين، بعد حوالي سنة، من اعتقالهم- وهي عشية اختطاف، ومن ثم اغتيال الشيخ معشوق، بعدأن بدأ منذ أشهر، وهو يعمل بوتيرة عالية. المشكلة، كانت في الإنترنت. أسرة فضائية روج، وسيروان، كل من جهة، كانوا يريدون مقاطع الفيديو، ولم نكن نستطيع إرسال المقاطع، بسبب بطء الإنترنت .
بعد مجريات الملعب، مباشرة، أرسل فائق اللقطات الأولى إلى الجهتين: روج، وسيروان، ولكن، إلحاح شباب الخارج، كان، على الشكل التالي: نريد الوثائق، نريد الصور، نريد مقاطع الفيديو، أتذكر، كانت كلمة مرور موقع “عامودا نت” عند فائق، كما أنه كان لروج موقع إلكتروني، وقد أعطت أسرته كلمة مروره لفائق، نشر خلالها بعض الصور، وكان التحميل جد بطيء .الحاجة باتت كبيرة، كلهم يطلب الصور، وكانت مشكلة الإنترنت موجودة، وما قمنا به، هوأن أحد الشباب الذين كانوا يترددون على بيتنا، اسمه “دلكش”-وهو مقيم في ألمانيا الآن- طرح فكرة أن يذهب هو وأولادي، إلى بوابة الحدود السورية-التركية، وأن يعطوا ال”سي دي” لأحد العابرين، وكان عارفاً بعوالم الحدود. وافقت على الفكرة، وخططت لهؤلاء الشباب، وكانوا ثلاثة، ولداي: كرم وفائق، وصديق الأسرة، صاحب الفكرة، أعطيتهما خطاً هاتفياً تركياً، وكانت الخطوط التركية، قد غدت ممنوعة، فجأة، وتم اعتقال بعض من ضبطت معهم. ذهبت وقتها إلى بيت الكاتب محمد سيد حسين، وكان هناك كل من إبراهيم محمود، وحواس محمود، وتم الحوار، حول التغطية الإعلامية التلفزيونية للانتفاضة، وغير ذلك، كنت وكأني على نار، أهتف للشباب، غير أن الخط الهاتفي انقطع، جاء سيامند ميرزو، ليأخذني من هناك إلى بيته، حيث كان والده قد جاء من عامودا، وكنت مدعواً للغذاء، أحاول الاتصال، والهاتف لايرد، أتصل بالبيت، ببيت الشاب، لأعلم أنهم لم يعودوا، كنت خجلاً جداً، ليس بسبب أولادي، بل بسبب الشباب، أخشى عليه، من الاعتقال، بعد قليل، رن هاتف بيت سيامند، كي أعلم، أنهم نجحوا في مهمتهم، ليرووا لي التفاصيل المذهلة.
كيفية نجاحهم في المهمة، أنه في اليوم-الثالث أو الرابع- من الانتفاضة، قامت السلطات بفتح بوابة الحدود، التي أغلقتها، وكان هناك المئات من الناس، على طرفي الحدود، فقد استطاع الشباب من الوصول إلى المدخل الحدودي الرسمي الذي لم يكن يبتعد عن بيتنا غير مئات الأمتار، وكأنهم-سيودعون أقرباء لهم- ووجدوا هناك امرأة عجوزاً، قالوا لها: إليك شريط بافي طيار، سيستلمه منك- في الطرف الآخر أحدهم باسم فلان وكانت تعرف ولديَّ- وفعلاً، فإن هذه العجوز، حملت ذلك ال سي دي المغلف، بيدها، وعليه من طرفيه” صور بافي طيار” الذي كان قداشتهرفي تلك، الأيام، بشكل لافت، ولايزال، وتكللت تلك المغامرة بالنجاح.
.
أجل، في الطرف الآخر، من الحدود، كان د. محمد محمود- وهومن كان يكتب باسم بافي رامان، وهو في انتظار ال”سي دي” على أحر من جمر، وقد رد علي، هاتفياً، مؤكداً استلامه نسختين من قرص السي دي”، ألححت عليه، أن يرسل نسخة من الفيديو المصور، إلى”روج” والآخر” إلى ك. ت . ف”، وأن يستنسخ لسيروان نسخة خاصة، لأنه هوالآخركان يتابعنا بإلحاح، ومن عداد أسرة المواقع الكردية المؤتلفة، أوالمتحدة، وكانت “ك. ت. ف” قدأجرت أول اتصال هاتفي معي، في الليلة التي سبقتها، عن طريق مذيعها هفال الذي كاتبته، قائلاً: أنتم، نقلتم الخبرعن وكالة الأنباء الفرنسية التي اتصلت بي، عن طريق فتاة كلفها الفنان بشارالعيسى، وبثثتم الخبرأن صحفياً من قامشلي حدثها ببعض التفاصيل، وقلت: ذلك الصحفي، هو أنا، فاتصلت بي مرات عدة، ومن بينها مرتين، في إحداهما، قال لي المذيع: أنتم أحرقتم مؤسسات الدولة، فقلت كلمتي وهي التي رددت كثيراً: لقد تأكد في تربسبي، أن هناك من غير الكرد، أحرقوا المؤسسات، وهكذا في الأعلاف، للتأليب على الكرد، ومع هذا، فإن كل مؤسسات العالم، لا تعادل قطرة دم من شاب كردي.
في الليلة، ذاتها، تم بثُّ المقاطع الملتقطة، وأعتقد أنه كان تم جمعها، من أكثر من مصدر، بعد أن جاءنا نصرالدين أحمي وحسن خانيسوري- و كان نصر ينسق مع كل من سعود ومسعود ومنذر وفائق، كما أكد لي، قبل أيام، وأتذكر أنه نقل ذلك الجزء من الشريط-ربما أتى به من بيت منذر أوسكان أوغيره- وكان الطريق بين الحي الغربي، وقدوربك، يعني: الموت، أو الاعتقال، لذلك فقد كان كل منهما يسير على أحد طرفي الشارع، ومعه نسخة من الشريط، تحسباً، لأي اعتقال، كي تصل نسخة التصوير إلينا.
الكاميرا التي التقطت تلك الصور، كانت ل”سعود” كما أكد لي ذلك، قبل أشهر، حين التقيته في هولير، حيث يعيش هناك، ولم يعرف أحد- حتى الآن- بكل ذلك، وإن كان هناك من يعرف أن الصور والفيديوهات سربت عن طريق بيتنا. وأكد سعود أنه لايزال يحتفظ في هولير، بتلك”الكاميرالتي التقط بها الصور، دون أن يزيلها، وكان بباله أن تقدم ذات يوم إلى المحكمة الدولية، كوثيقة عن انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان، بل ضلوعه في الجريمة المنظمة.
بعد مرورأيام عديدة، من بثّ شريط الفيديو، جاءنا وفد من إعلاميي ب. ي. د الذي كان قد تشكل قبل عام، وطلبوا الاستعانة ب”فائق”، من أجل قضايا إلكترونية، وطلبوا نسخة من شريط الفيديو، أمناه لهم، وكانت وجهتهم إلى إقليم كردستان، كما أن عارف زيرفان، وصل إلى قامشلو، في تلك الأيام، ونزل في بيت حميه الذي بدا مرتعباً، وطلب منا نسخة من الشريط فأعطيناه إياها، وكان خلال هذه الفترة، بعض إعلامييي ب ي د- القادمين من لبنان- ينزلون في بيتنا، عن طريق بعض من رفاقهم الذين أعرفهم “ك- و- ع”، واستمروا هكذا لمدة طويلة، وأتذكر أن الأخ نواف خليل كتب عن دور أسرتنا في تلك الفترة، على بروفايله الشخصي.
فضائية “روج” دأبت على الاتصال بي، طوال فترة الحدث، بل ولمدة سنوات، لاسيما أثناء اختطاف الشيخ الشهيد معشوق، وأتذكر أني أمنت أكثر من لقاء تلفزيوني-وإن بعد أيام لكل من الصديقين الشهيد مشعل وإبراهيم محمود، بعد مرور أيام على الحدث، وكان الشهيد مشعل الذي اتصلت به فضائية العربية، في يوم تشييع شهداء الثاني عشر من آذار، واستشهاد عدد آخر من شبابنا، قد ذكر عبارة” المجرم سليم كبول” أي محافظ الحسكة الذي أمر بإطلاق النار على الشباب الكرد، كما أكد أكثر من شخص من حوله ومنهم الكاتب الآثوري سليمان يوسف.
ثمة أنباء، كانت تتوارد، أن هناك صورة ملتقطة ل”سليم كبول” وهو يطلق النار، وحدث أنه، عندما كنا نعد الأخبار، في الليلة الأولى، ثمة من جاء أنه رأى بعينيه، ذلك، وأن الصورة عند صديق له، كنت أحاول الكتابة بمهنية، فأنا أعرف أن كبول قد أمر بإطلاق النار، وهو لا يفعل ذلك إل ابقرار من الداخلية، والداخلية لن تقوم بإعطاء هذا القرار إلا من بشار الأسد، وهو ماكنت أشير إليه بالقول: أدين، “كبول وأمره وآمر آمره بإطلاق النار”، وذلك في سياق الإدانة. وعندما طلبت من ذلك الشاب، أن يجلب لنا اللقطات المصورة، تملص، ربما الأن من صورها، لم يعطه إياها، ولكن، هذا الشاب الذي كان أكثر-حماساً- طلبت منه، ذات مرة، أن أستخدم هاتفه، للرد على اتصال هاتفي، من إحدى الفضائيات، بعد انقطاع خطنا الهاتفي، ورحنا إلى بيته، ولكنه، قبل موعد الاتصال بدقائق، اعتذر، فاضطررنا للرد، عبر الهاتف الخليوي، رغم أن الفضائية كانت قد طلبت رقم هاتف ثابت….!
مشعل التمو:
في تلك الأيام، الأكثر خطورة، كنا -بحاجة- إلى تسجيل نسخ سي دي عن الشريط الأصل، وحدث أن الشهيد مشعل قد أتانا، ومعه زوجته، إلى جانبه، كي يبين لمن يعترض طريقه، أنه في زيارة عائلية، وفاجأني بالقول، بعد أن اتصلت به، قائلاً: لا أحد يستنسخ لنا مقاطع الفيديو، فجاء، ومضى، ليعود إلي بعد ساعات، وعلمت في ما بعد أنه استنسخها، في” استيريو” عائد لرجل أعمال كردي”……….” قام بمهمة أخرى، لصالح أسرتنا، عندما اعتقل ابني آراس، وصديقه” “، من قبل الشرطة العسكرية، فقد قام بإطلاق سراحهم. أعطاني عدداً لابأس به من النسخ، كي نوزعها على بعض وجوه المعارضة، ربما في اليوم التالي، عندما جاء وفد من لجان حقوق الإنسان والمجتمع المدني-عن طريقه وبدعم مالي من الراحل إسماعيل عمر-فأقاموا ندوة جماهيرية في باحة بيتي، بعضهم قاطعها، ودخل غرفة بيتنا، تحسباً للمساءلة ، وكان من بين الوفد: ياسين الحاج صالح، وأتصور أن هيثم المالح لم يكن موجوداً لذهابه إلى الحسكة…..!.
غرفة عمليات:
مكتبتي، وكانت عبارة عن غرفة مقتطعه من أصل غرفتين، فيها آلاف الكتب ، ويتردد عليها أصدقائي، منذ ساعات الصباح إلى وقت متأخر من الليل، وكان أفراد أسرتي، كلهم، يسكنون غرفة واحدة، وأبنائي ممن كانوا طلاب شهادة، في الإعدادية، أو الثانوية، أو المعاهد أو الجامعة، يتابعون دراستهم في غرفة واحدة، مع أمهم، وبقية الصغار، حيث كان فائق طالب شهادة “ثانوية” :ثالث ثانوي، وإن كانوا- لاسيما كرم وفائق- سيضطرون إلى إدارة مابين أيديهم من مواقع إلكترونية، ومن بينها مواقع” فكّ الحجب” التي ما إن كانت تحجب، حتى يقوم فائق بإيجاد موقع آخر، يحضرني-الآن- اسما اثنين منها، وهما خاجيروك-قرطمين…..إلخ.
أتذكر، كان-فائق- يقوم بتنضيد الأخبار، وإعدادها فنياً، وإرسالها للنشر، وكتابه الدراسي على الطاولة، يرميه، بنظرة، بين لحظة وأخرى،، على امتداد ساعات طويلة، إلى أن يهده النوم، كي يستلم الكمبيوتر-الوحيد- كرم، يكتب مايصل من أخبار، يأتي بها المتواصلون معنا، شخصياً، أوعبر الهاتف، أو يكتب بعض المقالات باسماء مستعارة، منها: ريكار قرطميني-رشو يوسف- ويران علي، بينما كان فائق يكتب باسم ” شيار شيخ سعيد”، وكان عدد من الأصدقاء يساعدوننا في تنضيد ما أكتبه، وكان بيت الصديق سيامند ميرزو-بشكل استنثنائي- مفتوحاً لنا، حيث تنضد زوجته، مايفيض من مواد في بيتنا، بل كان هناك بعض المترددين، يومياً، يقوم بمثل هذا التنضيد” لم أذكر أسماء هؤلاء لئلا يساء الفهم، رغم أن من قام بالعمل هنا فقد كان يقوم بما هومشرف”..
في هذه الفترة، كنت أنشر بعض المقالات، بأسماء أخرى، بالإضافة إلى ماكنت أكتبه باسمي، وقد دخل على الخط الصديق الفنان التشكيلي خليل مصطفى الذي كان قد كتب بأسماء، عدة، ومنها اسم: كوني سبي، الذي كتب به عن الانتفاضة، ولم يكن في بيته لاكمبيوتر ولا إنترنت، لذلك، فإن مقالاته في تلك المرحلة، كانت تنضد -في الغالب- في منزلنا، وأتذكر، أنه صار ينضد مقالاته بيده، بعد أن يخلى البيت من الزوار، وإن كان بعض من تردد على بيتنا، وضمن دائرة ضيقة قد عرفوا أنه كوني سبي.
كنت أضطر، بين فترة وأخرى، أن أنقل –غرفة عملياتنا- إلى بيت أمي، لاسيما عندما وجدنا بعض المراقبة، بأساليب -متعددة- وأتذكر، ذات مرة، عندما شممنا رائحة -كبسة- على البيت، نقلنا الكمبيوتر إلى غرفة والدتي، التي كانت تحرسني، ليس طوال فترة عملي على الكمبيوتر، بل حتى بعدما أنام. كانت لاتفتأ تردد لي بعض القصص التي فيها موقف بطولية لبعض الأجداد، وهي تتباهى باعتباري امتداداً لهم، وكان الكمبيوتر-من النوع الثابت- نفك قطعه، وننقله معنا، حيث لم يكن عندنا أي هاتف محمول. كان هناك ثمة حذر كبير، أثناء إرسال الأخبار، حيث يتم اعتماد تغيير” الآي بي”، ليكون الإرسال، وكأنه من بلد آخر، بل كان يتم حذف أثر زيارة الموقع الكردي، أو المعارض، بل ويتم الحذر التام – وبشكل خاص- مع روابط نشر المواد.
يتبع……………….