جنيف2 و المخاض العسير

  محمد خير بنكو

كثرت في الآونة الأخيرة الحديث على جنيف 2 في وسائل الاعلام كمحطة هامة لحل الازمة السورية . و اختلفت الآراء حول اهمية هذا اللقاء بين متفائل و متردد و متشائم , فهل سنصل إلى شاطئ جنيف2 في بحر الآراء السياسية المتلاطمة الامواج؟

ما زالت المعارضة السورية منقسمة على نفسها و هناك مساحة مبهمة بين القوى العسكرية من جهة و الائتلاف كمظلة سياسية لغالبية المعارضة الشرعية من جهة اخرى . و احد اسبابها هو تشتت القوى العسكرية الى كتائب غير منسجمة و افتقارها الى هيكل مؤسساتي تعمل تحت قيادة موحدة للتنسيق و توحيد الصفوف في سبيل الوصول الى الهدف المشترك الا وهو الخلاص من النظام , و السبب الآخر هو مصادر التمويل الغير موحدة و التي تؤثر على آلية اتخاذ القرار لدى بعض الكتائب و تأثير ذلك على الجناح السياسي في الائتلاف الذي وقع بين مطرقة غالبية الدول الضاغطة نحو الذهاب الى جنيف2 و سندان بعض القوى الثورية الرافضة لذلك.
و تأتي تصريحات مسؤولي النظام المريضة كعدم تسليم مفاتيح دمشق و الاسد سيقود المرحلة الانتقالية وما الى ذلك بالإضافة الى تعمده للحرب القذرة و الهمجية و قصف المدن بالبراميل المتفجرة و حصار المدنيين الذين بدأُ يموتون جوعاً و اللامبالاة و الصمت الدوليين اتجاه هذا التصعيد , كل هذا يضع العراقيل و العقبات و يجعل من الصعوبة اتخاذ القرار بالذهاب الى جنيف2 في ظل هكذا ظروف .
هذا رغم ان الائتلاف كان قد رحب في اجتماعه الأخير بالحل السياسي استناداً على جنيف1 المنعقد في 30 حزيران 2012 و قرار مجلس الامن رقم 2118 و قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67262 و البيان الختامي لاجتماع مجموعة لندن 11 في تشرين الاول و التي تؤكد كلها على ان جنيف 2  يبنى على اساس تنفيذ بنود جنيف 1 و التي من اهمها تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بما فيها العسكرية و الامنية و الاستخباراتية  مما يؤدي عملياً الى انهاء مرحلة الأسد و زمرته .
لكن على ما يبدو ان النظام قد توصل الى هذه الحقيقة  لذلك بدء يطلق تصريحات هيستيرية و يحاول جاهداً افشال جنيف .
ان اصدقاء النظام متوحدين حوله و يساعدونه بكل الامكانات دبلوماسياً كروسيا و ايران و عسكرياً كإيران و حزب الله , أما اصدقاء المعارضة او من يعتبرون انفسهم اصدقاء المعارضة فللأسف منقسمين و مترددين  كما يبدو ان البعض منهم يعمل على تصفية حساباته مع الغير على الارض السورية .

امام هذه الحالة المعقدة و المتداخلة اصبح امكانية اتخاذ القرار اكثر صعوبة , لذا اعتقد بان على الائتلاف ان يعيد حساباته و يتخلص من نقاط ضعفه و يكثف الجهود الرامية لتوحيد الجبهة الداخلية الثورية و الخارجية الدبلوماسية و السياسية للوصول الى هيكلية مؤسساتية قادرة على اتخاذ القرار الذي يلتزم به الكل  و ذلك للخلاص من النظام المجرم وانهاء معاناة الشعب السوري الرازح تحت القصف و الحصار و الجوع و للمساهمة في بناء سوريا تعددية اتحادية دولة الحق و القانون .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…