افتتاحية الوحـدة *
لا شكّ أنّ الصراعَ الجاري على الأرض السورية في جوهره صراع مصالح إقليمية – دولية متشابكة لا مكان فيها للأخلاق والقيم الإنسانية، ولا نعتقدُ بوجود حلٍّ وشيكٍ لهذه المحرقة التي وقودُها الشعب السوري واقتصادُه في المدى المنظور ، نتيجة تشابك هذه المصالح وتعقيداتها ، ريثما تحينُ وتنضجُ الظروف المناسبة لتفاهماتها التي قد تمتدُّ زمناً طويلاً. ستبقى أطرافُ الصراع الرئيسية تغذّي هذه الحربَ المستعرةَ وتمدّها بمختلف أسبابِ استمرارها للحفاظ على موازين القوى العسكرية في الميدان للحؤول دون رجحان كفة طرف على آخر يؤدي إلى إنهائه، غيرَ مباليةٍ بمشاهد الرعبِ والدمار التي تهزُّ الضميرَ الإنسانيَّ التي نراها كلَّ يوم، وغير مهتمةٍ بوصول سوريا إلى مرحلة الدولة الفاشلة وما سيشكلهُ ذلك من مخاطرَ حقيقيةٍ على الأمن والسلم في المنطقة والعالم.
على الرغم من تسليم النظام السوري نسبة 92% من مخزون السلاح الكيميائي وفقاً لبيانات منظمة حظر السلاح الكيميائي الدولية المشرفة على نقله وتفكيكه، وإدعائه بوضع كامل ترسانته الكيمائية تحت تصرف المجتمع الدولي، أقدمَ بتاريخ 21/04/2014 على قصف بلدة تلمنس في ريف إدلب بغاز الكلور السام حسب مصادر المعارضة وغيرها ، مما يوحي بأن النظام لم يكنْ قد كشف عن كامل مخزونه من هذا السلاح للجنة المكلفة بذلك، وسترسلُ الأمم المتحدة لجنة تقصِّ حقائق جديدة لسوريا في الأيام القليلة القادمة للبحث في مصداقية هذه التقارير بعد حصولها على موافقة النظام، وربما تساهم ثبوت هذه الواقعة بالتعجيل في التفاهمات التي ذكرناها آنفاً وإعادة البحث عن سبل إيجاد حل سياسي عبر التوجه إلى جنيف3 ، وتفكيك هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد أمن المنطقة عبر إلزام النظام بالمبادئ التي اتُفِقَ عليها في جنيف1 والبدء بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية من كافة الأطراف تقودُ البلاد حتى مرحلة إجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة منتخبة تمثل إرادة كل الأطياف والقوميات التي يشكلها الشعب السوري ، والانتقال بالبلاد من حالة صناعة الموت والفوضى والفساد والإرهاب إلى حالة جديدة، يتمُّ فيها بناء سوريا ديمقراطية برلمانية تعددية لامركزية خالية من الظلم والقهر والتمييز، يتمتع فيها شعبنا الكردي بحقوقه القومية وفق نصوص مواثيق الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان. حيث من الضرورة بمكان أن تعيد كافة الأطراف السياسية الوطنية حساباتِها وتراجعَ مواقفَها وبرامجَها بنظرةٍ نقدية، وأن تقتنع بعقم العمل المسلح والرهان على تدخل عسكري خارجي، والعملَ الدؤوب على تآلف وتوحيد صفوفها دون إقصاءٍ أو تهميشٍ .
من جانبٍ آخر، لا تزال العلاقة بين المجلس الوطني الكردي ومجلس شعب غرب كردستان يلفُّها الخمول، وإنَّ الأجواء السلبية التي استجدَّتْ مؤخراً على العلاقة بين الأخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني- العراق وحزب العمال الكردستاني – تركيا جراء حفر الخندق الأمني بين إقليم كردستان العراق وسوريا وما رافقه من تجييش إعلاميٍّ تركت آثاراً وتداعياتٍ سلبية على الساحة الكردية السورية .
وانطلاقاً من موقف حزبنا الثابت والقاضي باستقلالية قراره السياسي وعدم التخندق والاصطفاف إلى جانب هذا الطرف الكردستاني ضد ذاك ، مع ضرورة الحفاظ على التعامل الإيجابي ونقاء العلاقات الأخوية مع الأحزاب الشقيقة وتطويرها على أساسٍ من الاحترام المتبادل، ومن قناعتنا وتاريخنا المعروف بأننا لم نكن يوماً طرفاً في صراع كردي – كردي ، ولمْ نصبِّ الزيت على نار الخلافات الكردية يوماً ولن نفعلَ، بل كنا على الدوام دعاة التلاقي والمصالحة وموقف بناء ، فإننا ندعو اليوم مجدداً إلى الاحتكام إلى لغة العقل والمنطق، والبدء بحوارٍ أخوي دون تردد ، بعيداً عن الأحكام المسبقة ، وذلك خدمةً للعمل المشترك .
* جريدة الوحـدة – العدد / 249 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) .