ماجد ع محمد
منذ يومين ومصادفة وقع بين يدي ديواناً شعرياً للراحل كاميران بدرخان والذي حسب متابعي سيرته كان متسلحاً آنذاك بالثقافة الغربية، ويتقن عدة لغات أجنبية إلى جانب اللغة الكردية، ومع ذلك ورغم انفتاحه المبكر على الثقافات الأخرى، ففي ديوانه الذي تم نشر قصائده في أعداد مجلة هاوار تتجلى الأنا القومية العالية، وثمة تحريض واضح على أن يتفاخر الكردي بانتمائه القومي، وألا يقبل بنفسه إلاّ كونه كردياً وذلك في قصيدة منشورة عام 1941، وفي مقارنةٍ بين ما كان عليه وما امتلكه كاميران بدرخان من الثقافة والفكر، والزمن الذي جاء فيه الراحل مقابل بعض المتفهمنين في العصر الراهن،
فالمقارنة تكاد تكون جالبة لِلَّطم مع الكثير من مشاعر الصدمة المعرفية، وذلك عما كان عليه ويدعو إليه بدرخان في حينه، رغم أن كل الظروف المحلية والدولية كانت تناهض ما يقوله ويدعو إليه أنذاك، وبين بعض الإيكولوجيين من الكرد الحاليين الذين بودهم ربما جعل الكردي في مصاف الكائنات الحية الأخرى غير الأوادم، طالما أنهم لا يسعون أو يطالبون له بما سيجعله بموازاة الأوادم من باقي الأمم من جهة الحقوق المنصوص عليها في ميثاق الأمم وما ورد في شرعة حقوق الإنسان.
أما بخصوص كلمة المسخ فلغوياً هي تعني: مسُخَ يَمسُخ، مَسَاخةً، فهو ماسخ ومسيخ دَعَا لَهُ بِالْمَسْخِ: أَنْ تَتَحَوَّلَ نَفْسُهُ إِلَى بَدَنِ حَيَوَانٍ يُنَاسِبُهُ فِي الأَوْصَافِ، جمع مُسوخ مسَخَ يَمسَخ مَسْخًا، مسَخَه اللهُ: حوَّل صورتَه إلى أخرى أقبح منها؛ شوّه صورتَه، أفقده طبيعتَه الخاصّة، طُمِسَت معالمُ وجهه خِلقةً، مسَخه اللهُ قردًا وفي وفي سورة يس آية 67 {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا}.
ويبقى التساؤل الذي لا أجوبة مقنعة له من قبل عشاق الإيكولوجيات واخوة الشعوب، فيا ترى لماذا يريد هذا الفصيل السياسي أن يجعل من الكردي كائناً مشوهاً ممسوخاً إلى الدرجة التي يحتقر فيها نفسه من خلال تلك الصورة التي تم رسمها له من قبل الآخر بمكيدة مدروسة وحقدٍ راسخٍ معتق، وذلك علّه يعرف ذاته من خلال تلك الصورة المستحقرة؟ وحتى يحاول مع الزمن ومن تلقاء نفسه الانتحار الذاتي بعد أن يصل الحال به مع مشاعر الانحطاط إلى أردأ مراحل احتقار الذات.
إذ أن هذا الأسلوب في المسخ الذاتي يذكرنا بالحالة المزرية التي توصل إليها يوماً الكاتب فرانس كافكا، الذي انعكست حياته على منتجاته الكتابية وخاصة روايته المسخ، والذي افتتح روايته بذلك التحول الغريب في شكله وهيئته، إذ استيقظ غريغور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، فوجد نفسه قد تحول في فراشه إلى حشرة غير محددة النوع، حشرة تحمل صفات الصرصار والخنفساء، وحسب النقاد أن غربة كافكا داخل عائلته، ثم تقززهم منه ورغبتهم في الخلاص منه وكيف أن الهيئة المقززة له دفعه لأن يغدو هو نفسه البطل الممسوخ في روايته، فتحول (كافكا) نفسه من خلال شخصية (غريغور) إلى حشره قميئة منبوذة، إذ في عام ١٩١٧ وحيث أصيب فرانز كافكا بالسل وأصبح مريضاً منبوذا يشهد كل يوم ملافظ العنف وابتعاد والده عنه والتعامل اللامبالي معه من قبل والدته، ما جعله يسافر مبتعداً ليعيش مع شقيقته التي كانت تهتم به، وحيث مات بطل كافكا أي غريغور سامسا نتيجه إصابته بجرح عميق إثر تفاحة رماها والده عليه محاولاً قتله، وقد تعفن جرحه فيما بعد لكن السبب الأول كان موته جوعاً وعدم قدرته على اﻷكل بسبب اﻷلم، علماً أن الجوع حسب نقاد سيرة كافكا كان السبب في وفاته، حيث أن المرض أدى لتعفن رئتيه وأصاب حنجرته مما جعل الأكل مؤلماً جداً وكأن كافكا كان يقدم خاتمته الذاتية من خلال تلك الرواية.
وهذا الهاجس الذي تم الإنشغال عليه من قبل جماعة الإيكولوجيا سعياً منها لتمسيخ صورة الكردي ودفعه تدريجياً إلى احتقار الذات، ومن ثم التذويب الطوعي في أتون مَن يعزز فيه مشاعر الدونية والانحطاط القيمي، ومن ثم النكران لهويته القومية بعد أن يتم تقزيمها وتشوييها، فكل ذلك يقودنا إلى مراجعة ما قاله الدكتور يالجين كوجوك رجل الدولة العميقة والشخصية السياسية البارزة في تركيا، إذ ووفق الترجمة التركية لـ: سربست فرحان سندي يقول كوجك في المحكمة: كان علينا أن نُبعد كورد تركيا عن البارزانية وإغراءاتها لهم، وإلا فإنهم كانوا سيطالبون بالأرض، ويتابع كوجك: قريباً جداً سيتصارعون أي كرد تركيا، ويقتلون أنفسهم لأجل تركيا ديمقراطية، هذا ليس خيالاً يقول كوجك، بل ويضيف كوجك صحيحٌ أن كنيتي صغير (كوجوك) لكني أنجزت أعمالاً كبيرة للدولة التركية يا سيادة القاضي !؟
وبناءً على ما قاله يالجين كوجوك المعروف في تركيا بأنه معلم أوجلان بسبب علاقاته القديمة معه، فيبدو بأن الرجل كان صادقاً فيما قاله، فها هم الكرد يقتلون أنفسهم ويدمرون مدنهم لأجل تركيا ديمقراطية لا وجود لكردستان فيها!؟ لذا فإن من يُمعن في كلام كوجك ومن ثم يقارن تصرفات الأمة الديمقراطية ويقرأ التخبط الشعاراتي الذي يشبه تخطيط قلب الإنسان في صعوده وهبوطه لدى فروع وروافد حزب العمال الكردستاني، سيعلم بأن فلسفة الأمة الإيكولوجية، وقصة الأمة الديمقراطية، وبدعة الإدارات الذاتية، ورفض فكرة الدولة القومية، كلها أتت من لدن منظري الدول التركية العميقة من أمثال ذلك الكوجك، وحيث لا تزال تسير على هدي مخططه ومشروعه كل منظومة العمال الكردستاني بمختلف جذوعها، بل وكأن أينما وجد المؤمنون بتلك العقيدة في الأجزاء الأربعة من كردستان وخارجها غرفوا أو يغرفون من منهل كوجك وأمثاله.