ترامب يفجّر القنابل الموقوتة..

م. محفوظ رشيد
    المسلّم به تاريخياً هو أن  سياسية الدول الاستعمارية القديمة والحديثة تقوم على احتلال المناطق بشكل أو بآخر بذرائع مختلفة (مكافحة الإرهاب، الخطر النووي،..)، وتحت عناوين مختلفة ( الاعمار، التبشير الديني، نشر الديمقراطية، الدفاع عن حقوق الإنسان،..)، للتحكم بمقدراتها وثرواتها، مستخدمة كافة السبل والأساليب العسكرية والاقتصادية والإعلامية المتاحة لديها دون روادع إنسانية أو ضوابط أخلاقية، معتمدةً القاعدة الاستعمارية (فرق تسد) في تقسيم الأوطان والسكان وفق خرائط وبموجب اتفاقات ومعاهدات دولية تتقاسم مناطق النفوذ ضماناً لمصالحها وأمن دولها.
    تشكل في تلك المناطق وضمن حدود مصطنعة كيانات ودول، ضعيفة بالنسبة لها وخاضعة لإرادتها من خلال فرض أنظمة فاسدة ومستبدة تحكمها أحزاب شمولية أوعائلات ملكية، تحمي مصالحها وتنفذ أجنداتها، وذلك بخلق النزاعات العرقية والدينية والطائفية والمناطقية، وإثارة الحروب الداخلية والإقليمية على أساسها ناشرة الخراب ومزهقة الأرواح ومهدرة الموارد والطاقات.
    تأتي بريطانيا وفرنسا في صدارة الدول العظمى التي سيطرت على مناطق الشرق الأوسط، وقطعت أوصالها وجزأت بلدانها، وجعلت منها قنابل موقوتة وبؤراً محتقنة قابلة للانفجار لأبسط الأسباب حتى غدت مشاكل معقدة وشائكة، تصعب معالجتها، لا بل تزداد تفاقماً وتأزماً عند محاولة حلها كالقضية الكوردية والفلسطينية، اللتان اختلقتا بفعل معاهدات استعمارية مثل لوزان وسايكس بيكو، وأصبحتا رهينتين لدى الحاكمين لهما والقائمين على أمورهما في المساومات والصفقات الإقليمية والدولية حفاظاً على عروشها وقروشها وكروشها، ثم جاءت روسيا عبر الاتحاد السوفيتي وحلفه وارسو السابقين والولايات المتحدة الأمريكية على رأس حلف الناتو، لتتزعمان العالم وتقودان أحلافهما ولاتزالان مستمرتين في إدارة النزاعات والأزمات في العالم، تنفيذاً لخطط ومشاريع الدولة العميقة (الرأسمالية المتوحشة)، التي تتحكم بها كبريات مصانع الأسلحة والعتاد، وشركات النفط والغاز والثروات، ومعامل التقنيات الضخمة والحديثة برساميلها  ومنتجاتها واحتكاراتها.
    استمراراً للسياسة الاستعمارية وضماناً لمصالح دولها، تستكمل تلك الدول صاحبة القرار والنفوذ في العالم مشاريع التقسيم والتفتيت جغرافياً وديموغرافياً بأساليب جديدة أكثر قمعاً ووحشية وضرراً توافقاً مع (ل)ظروف العصر وضروراته، فتحت عناوين الفوضى الخلاقة تشجع  التيارات الدينية المتطرفة انطلاقاً من الإسلام السياسي التي أنتجت داعش والقاعدة بين السنة ومثيلاتهما، وكذلك حزب الله والحشد الشعبي وأخواتهما بين الشيعة، لتعلن إمارات ودول، وتعمق بين تلك التيارات الخلافات وتصعد من المواجهات، وتنشر من خلالها الإرهاب والدمار في البلدان والأمصار، ثم تأتي الدول العظمى لمحاربتها عبر تشكيل أحلاف وجبهات لتفرض على الأرض وقائعاً وأوضاعاً وظروفاً محددة تمهيداً لتمرير مشاريعها وضماناً لمصالحها واستمرارها.
    فما الحروب التي عصفت بالمنطقة بما تسمى بثورات الربيع العربي إلا نتاجاً حقيقياً لتلك السياسات التي تهدف إلى تغييرات كبيرة (مفاجئة وأليمة) في الخارطة السياسية، فأحداث سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها مقدمات لإعادة الفك والتركيب في الحكومات والعلاقات والتحالفات، وأولى الدلائل والإشارات هي اعتقال أمراء سعوديين، أحداث كركوك وتبعاتها، واستقالة الحريري، ومقتل عبد الصالح، إعلان ترامب قدس عاصمة لاسرائيل وحتماً ستلحقها إجراءات وقرارات أخرى.
    والملف الكوردي هو من أهم وأعقد وأخطر القضايا التي تعول عليها مراكز القرار الدولية، في خياراتها للإبقاء عليه مفجراً للأوضاع في المنطقة، أو عاملاً لتثبيت الأمن والسلام والاستقرار فيها، لأنه بالفعل بيضة قبان في التوازنات الإقليمية والدولية، فأي تفريط أو استهتار به سيخل بالمشاريع الاستراتيجية التي تصبو إليها، لذلك نجد تنافساً بين الأمريكان والروس للاستحواذ على الورقة الكوردية لتتمكنا من تطبيق خططهما ومشاريعهما، لذا فالمطلوب من القائمين والمسؤولين في الحركة الكوردية ترتيب البيت الكوردي وتقويته بتوحيد صفوفه وخطابه، والنأي عن المحاور المتصارعة وعدم الرهان على المشاريع الإقليمية ولاسيما المقتسمة لكوردستان، لأن التغيرات الجارية ستطال جميعها عاجلاً أم آجلاً، وتوثيق العلاقات مع دول الحلفاء وفق عقود وعهود واضحة وصريحة.  
08/12/2017
                ————  انتهت ————

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…