أحمــــــد قاســـــــم
مع المتغيرات الجذرية على الساحتين الداخلية السورية وعلى المستوى الإقليمي العام على خلفية الحركات الثورية للشارع في عدد من الدول العربية ما سميت بـ ( ثورات الربيع العربي ) وما أفرزت من عوامل ثورية في بنية المجتمع العربي وتحريضه على نظام الحكم المستبد أحدثت إهتزازات في ركيزة المنظومة الدولية التي تدار وفق قوانينها الحركة السياسية والإقتصادية والثقافية بما تتوافق مع مصالح الدول الصناعية الكبرى, وكذلك منظومة الرأسمالية العالمية والشركات العابرة للقارات, وفي مقدمة تلك الشركات هي التي تهتم بالطاقة وفي مجالاتها المتعددة.. مما أدت إلى تحرك دولي فاعل والتمسك بزمام المبادرة لتحريك الحالة الثورية بما تتوافق مع مصالحها في كل من تونس وليبيا واليمن وسوريا, إضافة إلى إلحاق منظومات الحكم في المنطقة بركب سياساتها…
وهذا ما حصل في سوريا بشكلها الفج والمخيف على خلفية توسيع دائرة العنف مع دخول الإرهاب بكافة أشكاله إلى الساحة السورية, على ما يبدو لتلك الدول أن سوريا بحكم طبيعتها الجغرافية والجيوسياسية المختلفة تشكل المنعطف الذي يبدأ منه عملية التغيير في المراحل التاريخية من التطورات السياسية التي قد تكون بوابة إلى الشرق الأوسط بشكل آخر. وبما أن الكرد في سوريا جزء مهم من مكونات الشعب السوري, والذي يشكل القومية الثانية من حيث عدد السكان والجغرافية التي يسكنها تشكل الجزء الأهم من الجغرافيا السورية, حيث تشكل 70% من طول الحدود مع تركيا وجزءً مهماً مع الحدود العراقية, إضافة إلى ذلك, فهو يمتلك حركة سياسية عريقة عمرها بعمر تأسيس الدولة السورية, وبالتالي, لايمكن القفز عليها في أية عملية سياسية تعني سوريا ومستقبلها. لذلك, ومع بداية الثورة السورية كانت الحركة الكردية حاضرة بمواقفها السياسية تجاه المستجدات من الأحداث وهي بدأت بقراءة المرحلة على خلفية ( الربيع العربي ) وتأثيرها على الشارع من خلال منتوجه العام في تلك البلدان السالفة الذكر, مع أخذ الإعتبار بخصوصية الوضع السوري الذي يختلف عن مجمل أوضاع تلك الدول الأخرى لكثير من الأسباب.
فكان لابد من أن تعود الحركة السياسية الكردية لمراجعة جماهيرها وإشراكها في حوارات مثمرة من أجل إتخاذ موقف لايندم عليه في المستقبل. فكانت نتيجة تلك الحوارات واللقاءات المستمرة طوال ستة أشهر إنعقاد مؤتمر وطني كردي من الأحزاب وإشراك العديد من الرموز الإجتماعية والثقافية في 26102011 في مدينة قامشلو لينبثق عنه المجلس الوطني الكردي في سوريا كإطار جامع بغياب حزب الإتحاد الديمقراطي الجناح السياسي في سوريا لحزب العمال الكردستاني الذي شكل لنفسه جناحاً عسكرياً مسلحاً وبالتفاهم مع النظام تم السيطرة على كامل المناطق الكردية ( عفرين, كوباني, والجزيرة مع بقاء مفارز حكومية في الحسكة والقامشلي ), وبالتالي, وخارج عن إرادة الشعب الكردي ـ مثله مثل بقية مكونات الشعب السوري ـ إنقسمت الحركة السياسية الكردية بين معارض للنظام المتمثل بالمجلس الوطني الكردي والمؤيد للنظام والذي يمثله حزب الإتحاد الديمقراطي والمسيطر عسكرياً على المناطق الكردية, وفيما بعد تم الإعلان عن إدارة ذاتية وكانتونات له ضمن ثلاثة إطارات وفق التوزع الجغرافي للمناطق الكردية..
حقيقة, كما لعبت الأجندات الخارجية دوراً مشبوهاً داخل الحراك الثوري للجماهير السورية من خلال التسليح وضخ المال السياسي الفاسد للسيطرة على الثورة وخطف إرادة الجماهير, لم تنفذ الحركة السياسية الكردية من تأثيراتها ( الغير مباشرة ) كونها وحسب طبيعة ولاءاتها هي منقسمة بين إتجاهين متناقضين ” إتجاه يتبع إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني, والذي يمثله أكثرية أحزاب المجلس الوطني الكردي, وإتجاه آخر يتبع إلى حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي التركية منذ عام 1999″ وحيث أن, وبحكم علاقات الإتجاهين المتناقضين إنضم المجلس الوطني الكردي إلى إطار الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بإيحاء من السيد مسعود البرزاني الذيم يقيم مع الحكومة التركية علاقات إستراتيجية, وحزب الإتحاد الديمقراطي الذي نسق مع النظام مجمل سياساته بإيحاء من الحزب العمال الكردستاني الذي بدوره عقد إتفاقاً أمنياً مع النظام في طهران الذي ساند النظام بكل قواته وفي كافة المراحل من عمر سلطة آل الأسد على سوريا, وكأنه إستمرار لعلاقة حزب العمال الكردستاني في عهد أوجلان مع النظام السوري منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي إلى نهاية التسعينيات من القرن حيث كان يقيم في دمشق قبل إعتقاله.
وبذلك, نستطيع القول, بأن الحركة السياسية الكردية ما يخص الإطارين, فإنهما لايمثلان تمثيلاً حقيقياً لإرادة الشعب الكردي في سوريا, ومع الأسف فإن الإطارين مثلها مثل أطر المعارضات السورية التي تُؤْتَمَرْ من قبل دول لها مصالح تتعارض مع مصلحة الشعب السوري, وبالتالي, تبقى بقية الأحزاب التي ليست لها إرتباطات دولية وخارجية خارج معادلة تلك الدول الراعية لإدارة الأزمة في سوريا, وكذلك وفي الوقت نفسه تراعي عمليات المفاوضات في آستانة وجنيف… والتي أعتقد أنها لايمكن أن تنتج حلولاً بما يرضي الشعب السوري لأن طرفي الحوار ( طرف المعارضة وطرف النظام ) لايملكان إرادة الحل السياسي تحقيقاً لأهداف الشعب السوري في حريته لتقرير مصيره. ولطالما أن الإطارين المعتبران لجهات دولية لايمثلان الشعب الكردي وإرادته, فإن كل الشعارات التي يطرحونها والتي يزاودون بها أحدهم على الآخر لايتجاوز في حقيقة الأمر عملية يخدعون بها الشارع الكردي.. وأن الفيدراليات التي يطرحونها, وعملية إيصال هولير ببحر الأبيض المتوسط أو ديريك بالبحر لاتعدو حدود الشعارات وتعبئة الجماهير الكردية حولها ودغدغة مشاعره تجاه قضاياه القومية التي في جوهرها قضية ديمقراطية مشروعة لا يمكن تجاوزها وإهمالها في أية عملية ديمقراطية سورية. لكن المزعج في الأمر, أن هناك كتلة ضاغطة من العروبيون الشوفينيون يرون في شعارات هذين الإطارين ضالتهم ليسطادوا في الماء العكر وضرب سيفهم على الباقي من الرابط الوطني بين المكونين العربي والكردي, والذي لم يستطع النظام الدكتاتوري قطع ذلك الرابط, أعتقد أن هؤلاء الإخوة من خلال إعلاء أصواتهم ضد حقوق الكرد وإتهامهم بالإنفصاليين يخدمون في حقيقة الأمر مآرب النظام كما يخدم الإطارين الكرديين بقصد أو من دون قصد أهداف النظام من أجل توسيع الهوة بين مكونات الشعب السوري بسياسة فرق تسد.
نحن نحتاج إلى عقل حكيم يجمعنا لطالما أن مصيرنا واحد في دولة لايمكن تقسيمها إلى دويلات. ولكن يمكن أن نؤسس ركائز بناء دولة متينة من خلال توافقات بين المكونات من دون إهمال أي طرف وتغييبه أو تهميشه.. نؤسس لبناء دولة خالية من الألغام المؤقتة الخاضعة للإنفجار عند الطلب, نبني بلداً وفق عقد إجتماعي جديد ترى فيها كل المكونات على أنها بلدها وهي ملزمة في عملية بنائها وتطويرها لطالما أنها ترى فيها حريتها مصانة وحقوقها محفوظة. وهذا لايمكن تحقيقه إلا بتوحيد الإرادات لتلك المكونات العرقية والمذهبية.. فلا العربي يستطيع أن يصبغ سوريا بصبغة عربية, ولا الكردي يستطيع فصل الشمال عن سوريا ويعلو عليه رايته الكردية بشكل مستقل, من دون أن أصادر الحلم الكردي في إقامة دولته المستقلة على أرضه التاريخية فهو جزء من حقه في تقرير مصيره مثله مثل أية قومية أخرى لها دولة.. ولا المكونات الأخرى تستطيع تقسيم سوريا تحقيقاً لمزاجها الطائفي والعنصري..
المسؤلية هذه, ومن أجل تصويب العمل السياسي من أجل بناء سوريا على أسس ديمقراطية تعددية إتحادية يجب على القوى الديمقراطية التي تنبذ العنصرية والمذهبية وترى في سوريا دولة ووطناً لكل السوريين أن تتحد وتفتح حوارات جدية ومسؤولة بعيدة عن كل أجندات عدا عن أجندة الوطن السوري والمواطن السوري من أجل الوصول إلى ما يريح السوريين ويطمئنهم على حياتهم ومستقبلهم.
27/6/2017