جان كورد
الفكر، تحديد المفاهيم الأساسية المستنبطة من الفكر، تثبيت الأهداف وأولويات العمل لتحقيقها، الخطط التي يجب وضعها للخروج من المشروع بنجاح ملموس. وهذا ما نسعى له ونأمل الوصول إليه من خلال ما نطرحه من رؤية متواضعة على كل الناشطين في حراكنا السياسي – الثقافي في غرب كوردستان وفي المهاجر.
إن السياسة الأسدية منذ استلام بشار الأسد الحكم وهو في عز الشباب تلخصت في عدة أهداف، منها:
-الاستمرار في التبعية التامة لعقائد وفكر وسياسات الجمهورية الإسلامية وجعل سوريا جسراً تعبوياً بينها وبين حزب الله اللبناني، وذلك بالبقاء على لبنان كمستعمرة سورية لا تستطيع رفض السيطرة أو مجابهة دمشق في أي مجالٍ كان. وهذا يمنح النظام فرصة الحصول على تمويل مالي منظّم ودائم من إيران، في حال قطع الدول العربية الثرية الأموال عن دمشق.
-الظهور أمام العرب والمسلمين عامة بمظهر الدولة المواجهة لإسرائيل، والحفاظ على صفة النظام كرأس الحربة العربية – الإسلامية في خندق “دول الممانعة”، وهذا أيضاً يعود على النظام بأموالٍ لا تعد ولا تحصى، في حال توقف المال الإيراني عن السيلان صوب دمشق وحزب الله.
-لأن الشريحة العليا من النظام تنحدر من طائفة “العلويين” التي هي أقلية في سوريا، فيجب المحافظة باستمرار على العلاقة الحميمة مع الأقليات الأخرى في البلاد لتسخيرها وتوظيفها ضد الأكثرية السنية، في حال حدوث مواجهات مستقبلية كما تم في عهد الأسد الأب بين 1979-1982، وحدث ما حدث من جريمة كبرى ضد الإنسانية في مدينة حماه التي راح ضحيتها أكثر من 50000 إنسان مدني وتم تعذيب الآلاف حتى الموت في معتقلات النظام.
-الظهور السطحي والشكلي للرئيس الشاب بشار وعقيلته اللذين عادا من بريطانيا إلى سوريا بمظهر المجدد للنظام الدكتاتوري البعثي عالم الحرية والديموقراطية، رغم استمرار النظام في سياسة التنكيل والقمع ضد المعارضة الوطنية والديموقراطية، والعمل من حلال العلاقة مع دول مثل فرنسا لإعطاء صورة مختلفة عما كان لسوريا قبل رحيل حافظ الأسد.
إلا أن اللعب الذي لعبه الأقرباذي لم تنطلي على أحد، لا في سوريا ولا في العالم الخارجي، فالسجون السورية الرهيبة كانت مليئة بمعتقلي الرأي، والاقتصاد استشرى فيه الفساد وأرهق كاهل الطبقات الفقيرة، والتسليح المستمر من المخازن الروسية التي هي بحاجة إلى بيع كل شيء لقاء الحصول على الأموال الضرورية للخروج من الأزمة التي خلفها انهيار النظام الشيوعي قد أقلق الدول المؤيدة لسلامة وأمن إسرائيل، والبقاء السوري في لبنان صار عبئاً ثقيلاً على الشعب اللبناني، إضافةً إلى المواقف المتصلبة لنظام الأسد حيال ما بدأ من تطورٍ جديد في العراق بعد سقوط صدام، كل هذه المسائل قد أرغمت الولايات المتحدة على توجيه إنذارات وتحذيرات متتالية لرأس النظام في دمشق وبخاصة في موضوع امتلاكه وتخزينه السلاح الكيميائي ودعمه للمنظمات الإرهابية في العراق واستمراره في نقل الأسلحة لحزب الله، ومع الأيام تراكمت المشاكل التي لم تجد لها حلاً، وعانى بسببها الشعب السوري بأسره، إلى أن حدثت جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والعديد من مرافقيه وحراسه في عملية خسيسة ودنيئة، فأضطر العالم كله إلى إدانة سلوك النظام الأسدي، وتم إرغامه على سحب قواته من لبنان، وبالتالي بدأ الحديث بصدد إدراج اسم الرئيس السوري ذاته في قائمة المشرفين على تلك العملية الجبانة، ومنذ ذلك الحين يفتك النظام بمن ساهم أو علم بتلك الجريمة من كبار رجال الأمن والسلطة في دمشق، حتى نالت التصفيات الجسدية والسياسية أقرب المقربين للرئيس، للتغطية على جريمته، فانقلب السحر على الساحر، فإذا بالنظام يغوص يوماً بعد يوم في الأوحال التي تسبب في إيجادها، إلى أن اندلعت ثورة الشعب السوري المجيدة في عام 2011، وانطلقت من جنوب البلاد، حيث هو الجزء الأشد تحصيناً وتماسكاً من الناحية العسكرية والأمنية، ومعروف بأن الجنوب كان في ولاءٍ مستمرٍ للعاصمة منذ استقلال سوريا في عام 1946.
يمكننا اختصار مرحلة الثورة السورية بأنها أدخلت البلاد في نفقٍ مظلم ودموي، لأن النظام استعان بالتنظيمات الإرهابية التي أفرج عن قادتها المعتقلين وأعطاهم السلاح أو استدعى بعضهم للعودة إلى البلاد، وفي مقابلهم وزّع السلاح على تنظيماتٍ كان يعتقل منها بالمئات من قبل، ومنها حزب الاتحاد الديموقراطي الذي كان يتباهى بأن معتقليه في سجون الأسد أكثر من أعضاء كل الأحزاب الوطنية الكوردية، وإذا به فجأة يظهر في شمال البلاد في أزياء ورايات وصورٍ وأسلحة ومواقف لا تختلف في شيء عما لدى حزب الله اللبناني الذي دخل سوريا أيضاً بذريعة الدفاع عن مقدسات الشيعة ومراقد الأولياء، وإذا به شريك رهيب وخطير للنظام في الإرهاب ضد الشعب السوري، إلى أن صارت سوريا ساحةً لتجارب كل الأسلحة الروسية والصواريخ الإيرانية ومرتعاً لحشود طائفية من الباكستان وأفغانستان والعراق، مقابل حشودٍ سنية متطرفة مدعومة مالياً من قبل دولٍ عربية، منها قطر، وعسكرياً من قبل تركيا، فتحولت سوريا إلى مدنٍ مدمرة تم فيها التقتيل والتعذيب والتجويع، وتقسيم سافرٍ طائفي وتهجيرٍ لا سابق له في سوريا، سوى تهجير عرب الغمر لإعطائهم أرض الكورد بذريعة اسكانهم في “مزارع الدولة” أثناء حكم الأسد الأب، وانشق الجيش السوري على نفسه، وأصبح نصف الشعب السوري مهاجراً رغم عن أنفه إلى دول الجوار وإلى أوروبا وإلى أبعد منها.
وبالنسبة للكورد، فقد تحولت حركتها الوطنية إلى “حركة مهاجرة” في معظمها، حيث يتواجد اليوم في المهاجر القريبة والبعيدة أغلب أو كثير من أعضاء الأحزاب وكوادرها المتقدمة، في حين انقلب حزب الاتحاد الديموقراطي إلى ما تعتبره المعارضة السورية الوطنية والديموقراطية “رديفاً” لقوات النظام الذي عانى من طغيانه سابقاً، ولم يعد يخدع شعبنا الكوردي بشعارات براقة عن الحرية والوطن الكوردستاني والاستقلال والكرامة القومية، وإنما يدعوه علانيةً إلى إلغاء وإنهاء طموحاته العادلة، والعمل عوضاً عنها من أجل كونفدراليات وكانتونات وجنونيات هرطقية أممية في عصرٍ تخلت سائر الشعوب عن الشيوعية الفاشلة، وكل ذلك إرضاءً لأسياد قائده المعتقل السيد عبد الله أوجلان الذي تخلى منذ لحظة اعتقاله قبل 17 عاماً عن الكورد وكوردستان، وصار تابعاً أميناً للجمهورية التركية والفكر الطوراني الأتاتوركي. ومن أجل إنجاز مهامه في سوريا، فقد مارس حزب الاتحاد الديموقراطي سياسة صلبة وشريرة حيال المناضلين الكورد في حين أظهر “رخاوةً وسخاءً” تجاه زعماء العشائر العربية والمكونات الأخرى، فلم يكن عادلاً تجاه شعبنا الذي أعطاه كل ما أراده من دماءٍ وأموال، منذ بداية الثورة وإلى الآن.
وهنا يتساءل المرء عن سمة هذه المرحلة وعن المهام الضرورية التي تقع على عاتق حركتنا الوطنية الكوردية فيها، فنقول حسب قناعتنا لنختتم به هذه السلسلة من المقالات العشر المتواضعة بأن سمة المرحلة في غرب كوردستان هي تقسيم سوريا حسب أمزجة ومصالح وتوافقات القوى الدولية والإقليمية، مثلما تم اتفاق سايكس – بيكو أثناء مرحلة الاستعمار الكلاسيكي، إذ في سوريا اليوم قوات ومواقع عسكرية روسية تقابلها قوات ومواقع أمريكية، كما أن هناك قوات ومواقع إيرانية تقابلها قوات ومواقع تركية، وقد تتدخل في سوريا أيضاً قوات عربية وأوروبية. والتقسيم لن ينال من سوريا وحدها، وإنما من المنطقة الكوردية التي نسميها ب (غرب كوردستان) أيضاً، فإن وجود القوات التركية في شمال حلب وغربها ليس إلاّ لتقسيم هذه المنطقة والأخطار القريبة المحدقة بمنطقة (جبل الأكراد) التي مركزها مدينة (عفرين) لا تقل عن الأخطار التي لحقت بمنطقة كوباني الكوردية من قبل.
فما هي مهام المرحلة اليوم:
– سورياً:
يجب العمل وبتشارك مفروض على الجميع، بحكم توالي الأحداث بسرعة، للإبقاء على الخط الساخن مع مختلف القوى والتنظيمات السورية المؤمنة بضرورة إخراج سوريا من هذه الحفرة الدامية ووضعها على السكة الصحيحة، صوب الدولة ذات السيادة والاستقلال، التي ترفرف عليها رايات التضامن والتقارب والتعاون بين سائر المكونات القومية والدينية دون استثناء، لبناء مجتمعٍ سوري قائم على العدل والانصاف والمساواة والاتحاد الاختياري، تتحقق فيه طموحات الجميع، ومنها طموحات شعبنا الكوردي في نيل حقه في تقرير مصيره بحرية تامة.
– كوردستانياً:
التعاون التام مع سائر القوى الوطنية الكوردستانية، من أجل أن تنال الأمة الكوردية حقها الكامل في تقرير مصيرها بنفسها والحياة على أرضها في سلام وأمن واستقرار، ودعم طموحات حكومة ورئاسة إقليم جنوب كوردستان الحالية في اجراء استفتاء شعبي ديموقراطي حر من أجل الاستقلال أو لرفضه، وفي سبيل هذا يجب على حركتنا الكوردية السورية دعم كل الجهود المخلصة على هذا الطريق والمساهمة في الدفاع عن الإقليم ولإنجاح مشروع السيد الرئيس مسعود بارزاني في هذا المجال وسائر المجالات الأخرى.
– دولياً وعالمياً:
الوقوف مع سائر منظمات وجمعيات وإعلاميات وشخصيات وحركات أمتنا الكوردية أمام العالم السياسي والدبلوماسي كجزءٍ منها أو كشريكٍ لها، في سائر النشاطات والاحتفالات والندوات والمناسبات، والتأكيد على الوقوف التام مع قوى ومنظمات الدول والشعوب التي تؤازر حرية أمتنا وتقف مع استفتاء شعبنا في جنوب كوردستان والظهور معها في كل المناسبات كحليفٍ مخلصٍ ووفي لها، ومن خلال ذلك يمكن التمييز بوضوحٍ تام بين (الأعداء والأصدقاء)، وليكن مثبتاً لدينا بأن مستقبل أمتنا مع قوى الحرية والسلام ضد الإرهاب والتطرّف والفتن، ومع النضال السلمي ضد العنف، ومع التعاون والتضامن ضد التنافر والحرب.
– في غرب كوردستان:
قد نجد صعوبةً في هذا الحقل من نضالات شعبنا، بسبب السياسات العقيمة لبعض الكتل والهيئات والأحزاب والمليشيات المسلحة، لما صارت عليه سوريا من دمارٍ وتشتت بسبب الحرب وتشابك المصالح هنا وتنافرها هناك، ولكن لا بديل عن السعي من أجل إعادة المياه لمجاريها كما تقول العرب، وذلك بالعمل الدؤوب في سبيل إقناع الجاهلين والمتكبرين بأن مصير شعبنا يرتبط بوحدة قواه الوطنية وليس بسيطرة هذا على هذه المساحة أو تلك، وإن الإقصاء لا يدوم طويلاً، والذين كان ديدنهم إرغام الآخرين على الطاعة هم الخاسرون والبائدون، مثل ستالين وهتلر وبينوشيت وبول بوت وصدام حسين، أما الشعوب فإنها باقية ومستمرة في نموها وتحركها صوب القمم، ولا بد من تذكير الذين أصابهم الخور والملل والإرهاق والضعف بقول الشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
28 حزيران، 2017
((تم بحمده تعالى))
kurdaxi@live.com
facebook: Cankurd1