البارزانيزم والبازارنيزم

ابراهيم محمود
ذات يوم قال الفيلسوف الفرنسي سارتر ” لكي تكتب عن آدم يجب أن تكون آدم “، والمعنى الفعلي واضح: أن تكتب عن آدم، عليك أن تعيش ما كان عليه آدم، أن تصارع المكان والزمان لكي يكون لاسمك مسمّاه. سوى أن الذين استسهلوا عملية الكتابة، والذين يستهينون بالكلمة من كردنا، وتحديداً مَن يعتبرون أنفسهم في الواجهة، أو يريدونها خلفية مضيئة لهم، وما أكثرهم راهناً، لا أسرع منهم حركةً وهم يصرّفون البارزانية على هواهم: البارزانيزم، والإجهار بحبّ البارزاني، بمناسبة ودونها.. وكل ذلك ليس لا قيمة  له فحسب، بقدر ما يثير الشبهة في المقصد أيضاً، وقد أحالوها بازارنيزم” سوق رغبات مفتوحة “، ولتكون الكردية التي تمثّلها البارزاني على الضد مما يتفقهون بها، ويفتتحون كما يختتمون بها كلامهم.
أن يؤكد المرء كرديته، إنسانيته، طيب معشره، حصاده اليومي والعمري المثمر، هو أن يدع البارزاني حيث استقر في ضريحه، ومن يعتبَر ممثله أو المقرّب منه، ويتفرغ لما يكون خير الكردية وخير الإنسانية فيه خارجاً.
بهذا الصدد، ما أسهل رؤية/ سماع من يتجنى على الكردية، وعلى نفسها وحقيقتها، حين يجهر بالبارزانية  أمام حشد من ” حزبييه ” ومن يعتبرهم ممثلي البارزاني، وحين يستخدم كلمات تسخيراً لنفسه في خدمة البارزانيزم، كلمات يتفوَّه بها أحياناً تجرّده من الحد الأدنى من الانتقال إلى المستوى الذي يجعله قريباً من البارزاني قولاً وفعلاً.
أن يكون المرء كردياً، لا أظنه بحاجة لأن يعرّف بنفسه، أو يقدّمها لهذا أو ذاك، وفي موقع سلطوي، أو في منبر إعلامي: سمعي وبصري، مشدداً على بارزانيته، بينما الواقع يتطلب منه الإفصاح عن ذلك عملياً، وقد أصبح منتجاً ودونما حاجة إلى التذكير به هكذا، وهو بروح متفانية، أم ترى علينا أن نسمّي بالاسم من يتاجرون بالاسم، ولا يدخرون جهداً في استغلال كل الفرص الممكنة، على حساب أقرب المقربين إليهم، وتحت يافطة شعارات شتى، وبالتنافس مع أي كان بالقرب منهم، ونوْل الغنائم وهم محاطون بصورة البارزاني، والعلم الكردستاني، وكلمات مخططة بارزة في هذا السياق ؟
تُرى لو كان البارزاني، هذا الاسم الكبير، بمفرده، أكنا نشهد هذا التزاحم والتنافس في هذا المضمار؟ أما كان يردد بغضب رداً على هذا الإسفاف: أنا لست بارزانياً؟
لقد قتلتنا الشعارات، واستهلكتنا الهتافات، وحالات الشوبشة على مدار الساعة، وكل ذلك يجعل المسافة بين كل من يزعق ويحرك يديه تعبيراً عن أنه في خانة البارزاني والبارزانية بعيدة، واسعة إلى أبعد الحدود.
تُرى، ما العلاقة بين من ” يتبرزن ” أو ” يبرزن ” نفسه: من البارزانية، ومن يتبزرن أو ” يبزرن  كل ما حوله إجمالاً” من البازار “؟ ألم تكن البارزانية في صراع دائم مع الأعداء، ومع الخونة والذين يمارسون المكر والخداع مع بني جلدتهم وبلا هوادة ؟” يجب ألا ننسى مفردة ” الجاش ” التي أطلقها الراحل الكبير البارزاني، على من كانوا يخونون شعبهم، كرديتهم “. الجاشية لحظة النظر فيها، تشمل كل الذين يمارسون النفاق ولا يشعرون بأوجاع المحيطين بهم من كردهم، والجاشية لا تتوقف عن النمو والتشعب، في ضوء أوجه الفساد المتنامية في هذه الجهة أو تلك وبصور شتى، كلما دققنا في النخر الدائر هنا وهناك. البارزانية لا تحتاج لأن يقسم أحدهم بها، لأن يتهجاها أمام مسئول من آل البارزاني أو أهله أو عشيرته، أو أي سياسي هنا وهناك، ويهتف أو يسترسل في الكلام من باب التأكيد على أنه بارزاني بالفعل. ليكن كما هو باسمه ونسبته، وهو في ساحة العمل، ساحة المجابهة مع الجاشيين والمتجاشين والمتجيشنين الحداثيين حتى خارج حدود كردستان، ممن يبطرون ويزدادون ثراء فاحشاً، أم ترى الجاشية مقتصرة على من كانوا عملاء صدام ذات يوم ؟ الجاشية قائمة وسهلة التعرف عليها، في كتابات وسلوكيات من يزاودون على من يجودون بأرواحهم، من يشْقُون ليل نهار ليؤمّنوا لقمة عيش كريمة لأولادهم ولأهلهم دون أن يطأطئوا أعناقهم هنا وهناك، ويلوحون بالبارزانية البعيدة عن اسمها ومسماها.
البارزانية أن يدع الكردي روح البارزاني مستريحة في ضريحها وقد عانت الكثير في حياتها، فهي لم تكن يوماً عبر التشبه به في الزي أو الحركة أو الكلام المنمق…ربما بالعكس من ذلك، لا بد أن البارزانية تقيم بجلاء أكثر مع الكردي الذي يشقى ويعمل بصمت، ويكتب بصمت دفاعاً عن حق الكردية فيه، من يضحي بأغلى ما يملك دون أن يقدّم تقريراً لأي كان من أولي الأمر، ليأخذوا به علماً، تقيم معه في بيته الذي لا يسلم من حر الصيف وبرد الشتاء، تقيم مع الكردي المهجَّر واللاجىء والساعي إلى تمثيلها رغم كل المحن، دون أن يستجدي أحداً بالقول والفعل. البارزانية تكون حيث يمكن التعرف على فصاحتها وروحتها بعيداً عن حضور أي بارزاني أو مسئول بارزاني، أو سياسي كردي يحمل دفتر العلامات في البارزانية في جيبه، كما يعتقد الماضون بمكرهم ونفاقهم في توسيع بازارنيزمهم.
البارزانية هي أن يدرك الكردي أن شرف الكردية لم يكن يوماً بالصوت الزاعق أو الحركة المريبة، وخاصة راهناً.
أن يكون الكردي في مقام البارزاني، هو ألا يعلِم أولي أنه بارزانيزم، إنما ما هو فيه واقعاً، دون ذلك فهو بازارنيزم. ألآ ما أكثر أسواق البازارنيزم وضروبها وهيئاتها وسماسرتها ومرابيها، حيث يعيش الكردي، وحيث يتنفس الكردي، وحيث يريد الكردي أن يكون كردياً بحق !
دهوك، في 4-7-2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…