د. محمود عباس
بدون أية مقدمات، زيارتها إلى إسرائيل صائبة وفيها حكمة، ولا تحتاج إلى تبريرات، ولا شهادة حسن سلوك من المجرمين، والمنافقين المتغطيين تحت عباءة الداعمين للقضية الإيزيدية، لها الحق بأن تصرخ في جميع أركان الأرض، وتطرق كل الأبواب في العالم، وتذهب إلى كل هيئة عالمية يؤمل منها خدمة لقضيتها وقضية أخواتها السبايا. وليعلم جميع من يتعامى عن رؤية الحقيقة، ويشوه المقارنات لغايات عنصرية قومية، وأهداف تتعارض ومشيئة وأحكام الله، لأنها نابعة من أحقاد بشرية، أن بين ما فعله داعش والعديد من الفرق الإسلامية المارقة بالإيزيديين وعلى مر التاريخ، وما فعله اليهود بالفلسطينيين، كالفرق بين ما فعله عبدة الأوثان القريشيين بالرسول محمد وأبشع، ومعاملة الخلفاء المسلمين لليهود في الإمبراطورية الإسلامية.
فكل من يقارن بين القضية الإيزيدية والفلسطينية، يكفر بالقيم الإلهية، والقوانين السماوية، والعدالة الإنسانية، وكل من يتهم أو يخون زيارة سفيرة السلام نادية مراد إلى إسرائيل، داعشي بشكل أو آخر، حتى ولو تغطى بعباءة النبوة، لأنهم يتناسون، من أجل مصالحهم القومية وبجناية ولغايات سياسية، عمليات إزالة ديانة ولإبادة شعب بأساليب ممنهجة مبنية على فكر يسندونها على نصوص إلهية وفتاوي مطعونة، ويقارنونها مع صراع سياسي، وحروب لغاية بناء أنظمة، وعمليات تهجير قسري، ومعظم المنتقدين والمهاجمين للزيارة أصحاب نهج عروبي عنصري أو إسلامي تكفيري، يتغطون تحت عباءة التباكي المزيف على الشعب الفلسطيني، للطعن في وقوف الدول والمنظمات الحضارية الديمقراطية إلى جانب القضية الإيزيدية، ومعظم المنتقدين جنود في الفرق الضالة الإسلامية التي نبه إليهم الرسول، ولربما لا يدركونها، أو يتناسونها، كرهاً بالإيزيدية دينا، وبما أن الإيزيديين نواة الأمة الكردية قومية ودينا، فلا بد وأن يكونوا أكثر الشرائح الكردستانية معرضة للتهجم والدعايات المغرضة، وفي الحالتين يغطي المخادعون تهجماتهم تحت حجج ساذجة، غارقة في النفاق، ملوحين بقضية الشعب الفلسطيني، وهم مستعدون أن يبيعوها في أقرب أسواق النخاسة، التي تستخدمها مجرمو البغدادي.
لا نعلم أين كانوا جميع هؤلاء الحريصون على سمعة الإيزيدية والناجية نادية مراد، أيام مجازر كوجو وموت الأطفال جوعا وعطشا في أودية شنكال، أين كانت أصوات هؤلاء المحللين السياسيين والمثقفين الإسلاميين المستميتين على العباءة الوطنية وعلى مصير المجتمع الإيزيدي. لم نسمعهم يوما، لا في البرلمان العراقي ولا في أي محفل عالمي ولا في الإعلام، لا أثناء عمليات السبي أو تجنيد الأطفال الإيزيديين من قبل المسلمين التكفيريين، ولا أثناء عمليات تهجير مجتمع كامل من أرضه التاريخية، ومن مراكزه الدينية المقدسة، فقط خرجوا من جحورهم اليوم بعد الخطوة الدبلوماسية المهمة والحكيمة، واصبحوا يزعقون، ويقدمون المشورة وراء أخرى، محللين أبعاد الزيارة التاريخية، ويبحثون في موازين الحق والعدالة، ويخرجون بأحكام مبنية على خلفيات ثقافة قومية موبوءة، بأنه لا يحق لها كممثلة عن أخواتها السبايا زيارة إسرائيل، وكان عليها أن ترفضها، وهي دعوة مبنية على المقارنة الغارقة في الكفر قبل العدالة، وأحكامهم ومطالبهم تحمل في طياتها كل أنواع الخبث، ومصداقيتها مطعونة فيها ومن عدة نواحي:
أولا، لأن الزيارة تخص قضيتها، قضية الألاف من أخواتها السبايا، وإخوانها الذين يفرض عليهم الإسلام، ويجندون لقتل أهلهم الإيزيديين، القضية التي تندى لها جبين الأمتين العربية والإسلامية قبل العالمية، والذين سيستمعون إليها شخصيات عالمية ولهم ثقل دولي، ولا يهم من أية ديانة أو قوى سياسية كانت، البارحة كانت الأزهر الداعمة لداعش فكريا، وعدوة اليهود، واليوم إسرائيل عدوة العرب.
ثانيا: لا وجه مقارنة بين الإبادات التي تعرضت لها الإيزيديون، وعلى مر تاريخ الهيمنة الإسلامية، العربية أو غيرهم، وآخرها التي تمت بيد داعش وبمخططات العديد من المنظمات التكفيرية الإسلامية، وبين ما حصل للشعب الفلسطيني، حاضرا أو منذ عهد صراع النبي داود اليهودي مع جالوت الفلسطيني. وبالمناسبة حينها لم يكن هناك ذكر للعرب والفلسطينيون كانوا شعب قائم بذاته.
والثالثة، لأنها سفيرة هيئة الأمم، وتمثل السلام ولا علاقة لها بالسياسة، ومثلها كأي ممثل أو ممثلة عن الهيئة العالمية يحق لها زيارة جميع بقاع العالم لعرض قضيتها. لذلك فلا علاقة لها بالنفاق التاريخي الدائر بين اليهود والمسلمين، أو بين إسرائيل والعرب ومنذ قرون، والمغطى اليوم تحت عباءة الصراعات السياسية والدينية، ولأن مهمتها الأولى قضيتها الإنسانية، فلا يحق لأي كان الحد من نشاطاتها على خلفية الصراعات المثارة فجأة من قبل المتربصين بها، لبلوغ مآربهم.
فحتى وإن كانت زيارتها ستندرج ضمن هذا الصراع الموبوء، فليعلم المغرضون، أو حتى الصادقون المنخدعون بدعايات الفكر العروبي أو الإسلام التكفيري، أن إسرائيل أقرب إلى الإيزيديين من المنافقون الذي يجرمون بحقهم جهارا، ويتبرؤون من بشائعهم بعد التنفيذ. ويجب ألا تغيب عن ذاكرتهم أن إسرائيل عضوة في هيئة الأمم، وتقدمت بطلب رسمي، لذلك فإن انتقاداتهم وتهجماتهم المتعالية والمزركشة لا تستند على المنطقين الإلهي والإنساني، والحجج الواهية حول جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، لا تقنعنا والعالم الحر والإيزيديين وخوشكا نادية مراد بأن التحدث أمام الكنيست ستؤثر سلبا على القضية الإيزيدية، بل وبالعكس ستؤدي إلى تحريك القضيتين معا، الإيزيدية والفلسطينية، خارج جغرافية ونفاق المزايدين على القضيتين.
وبشكل فاضح وواضح، تتبين أن دعوات وتأويلات أغلب هؤلاء الحريصون على القضيتين، نابعة من الحقد والكراهية تجاه الأخر الإيزيدي الكردي والإسرائيلي اليهودي، ومطلبهم تتعارض والدساتير الدولية والقوانين الإنسانية، ومنطقهم نابع من الخلفيات العنصرية الغارقة في كراهية الأخر، ومعظمهم خريجي المدارس العروبية العنصرية والراديكالية الإسلامية، لهذا فالعلاقات الإنسانية وحسب مفاهيمهم يجب أن تمر من أقنيتهم السياسية فقط، فدونها خيانة أو على أقله خطأ لا يغتفر، فعلى هذا المبدأ الساذج يحكمون على زيارة نادية مراد.
وهنا ننوه بأن كل كردي إيزيدي أو مسلم يسايرهم في هذا المطلب أو يعرض احتجاجا، ويقول بأن الزيارة كان خطأ، يجرف بشكل أو آخر القضية الإيزيدية إلى أحضان هؤلاء المنافقين التكفيريين الإسلاميين، لذلك نأمل ألا يؤثر هذه التهجم السافر الموبوء على مساندتهم لخدمات سفيرتهم نحو العالم، ولا بد من دعمها. فلا يهمنا إن كانت إسرائيل ستستفيد من هذه الزيارة أم لا؟ بل من الأهمية هو أن نعرف أنها ستعكس سلبا على الإسلاميين الإرهابيين والتكفيريين، وستخطو بالقضية الإيزيدية خطوة إيجابية أخرى نحو المحافل الدولية، ولتخرس الأبواق التي تطالبها بالاعتذار.
وبالمناسبة فالاعتذار مِن مَن ؟! من الإسلاميين التكفيريين أم من الإرهابيين أم من الأقلام الانتهازية المنافقة؟!
والأغرب بل والأبشع، أن العديد من السياسيين والمثقفين العراقيين، ظهروا فجأة على الساحة، وحملوا راية الافتخار بنادية مراد وبشجاعتها وحكمتها. والبعض يمجدها كمواطنة عراقية، وأنها مثلت ليس فقط الإيزيديين في مجلس الأمن…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
29/7/2017l