ابراهيم محمود
كعادتي أخرج في الصباح الباكر لغاية صحية، حيث أسلك الطريق الطويل والمتعرج من ” أسواق الربيع ” صوب ” حي مالطا ” الدهوكي! لكن عادتي الصباحية هذه عدَتني بما يؤخّر في المتبقي من صحتي، وأعادتي إلى عهد سابق جفلتُ من أمر ما أنا فيه، وأغرقتني تكبيرة العيد في عبارة ” الله أكبر ” وقد تلجلجت عبرها خطاي، وتراءت أمام ناظري مشاهد عن الذين يطربون لـ” أضاحي العيد ” ويستهجنون من يتخلف عن المشاركة التعبدية فيها. سأوجز لائحة الأضاحي التي عشتها للتو، وأنا على إيقاع ” الله أكبر ” لم أعش شيئاً إلا حمّى قطع الرؤوس على أيدي من يسبّحون باسم الخالق الأوحد ويسبَحون في دمائهم، وفي إثر قطع كل رأس، وهم بشعورهم المنقطة بدماء ” أضاحيهم ” البشرية، ثمة” الله أكبر “، خذوا أضاحي إذاً بمناحيها:
أضاحيَّ التي تقدَّم منذ ست سنوات وقد شتتت شملنا: أهلاً وأسَراً وخلاناً ومعارف .
أضاحي التي أقدّمها يومياً، كغيري، وما أكثر هذا ” الغير “، حيث خفقان القلب يزداد، لأعيش تسرعه، وخوف التالي وألم الوحدة، وأنا المضحَّى بي كغيري وما أكثر ما أكثر هذا ” الغير ” في التشتيت والتفتيت والتبكيت، والمناحات في جل الأمكنة.
أضاحي التي تهدد في كل آن وحين، المتبقيَ من سواد الشعر ببياض يزيد في عتمة الليل الطويل الذي نعيشه دونما تباشير ضحىً.
أضاحي التي تثقل على العمر، في انجراحات تتتالى، وتراكمات أوجاع وإحباطات، حيث الشوارع تتراءى أمامي أوردة مفتوحة تنز بدماء لا قِبَل لنا بها.
أضاحي التي أخشى أن أسميها تالياً بـ” الأضحى المبارك “، وثمة ” مباركة ” من ذوي اللحى الشعثاء والوجوه المعفرة في التراب وهمجية المسلك، في الرؤوس التي تقطع بالصوت والصورة في ” عيدهم ” المديد والدامي والجاني .
أضاحي التي أضحت بلا نهاية لصراخات ضحاياها البشرية، وأنا أتذكر المهدّدين بالموت، وصدى عبارة ” هل من مزيد ” من جهة جل القيمين على عيد كهذا ونظيره وشعائره و” كبائره ” جهة التمثيل بالجثث ” المسلمة ” قبل غيرها وسواها.
أضاحي التي دفّعتني كما الحال مع غيري، وما أكثر هذا ” الغير ” ثمناً ما كنت أتصوره في وقاحته وسفوره وفجوره، وأنا نهْب صور من يضحَّى بهم قياماً وقعوداً وعلى أيدي من يعتبرون الإسلام إسلامهم، وإمام الإسلام إمامهم، ومقام الإسلام مقامهم، على تخومات المدن، البلدات، القرى، في غزوات همجية، ليلاً نهاراً، ودونما حساب، كما لو أن هؤلاء المقذوف بهم من حضيض غرائزهم بألوفهم المؤلفة صحبة أئمتهم وسحرتهم من المتفقهين ومتعهديهم وسماسرتهم وتكبيراتهم التي تهدد الحيوان نفسه في ” عقر جحره “، والجنين في الرحم المضطرب للأم، كما لو أنهم عاقدو العزم على أن يجعلوا مما يقترفونه من جرائم أمام الملأ وفي الملأ عيد أضحى مباركاً باسمهم وعلى أيديهم وفي من ينذرونهم دونما حساب لميتات مبارَكة على أيديهم على وقع ” الله أكبر “، فهل من رعب يبز هذا الرعب ومناحي أضاحيَ من هذا النوع ؟
أضاحي التي تبقيني على مدار الساعة مسكوناً بصور هؤلاء التي أحالوا بشرية جمعاء إلى قرابين لهم على مذبح شهواتهم التي تستبد بكل شيء، فعن أي أضحية يكون الحديث؟ عن أي تكبيرة عيد، وعبارة ” الله أكبر ” ذات الصلة بهؤلاء الذين يشهرون حرابهم المثلومة، وسكاكينهم المثلومة وألسنتهم المثلومة، وضمائرهم المثلومة، وديانتهم ” المثلومة في وجوه متابعيهم، أو عبر وسائط تنشَر هنا وهناك؟ كيف يحتفى بأضحية والمضحّي منذور للتضحية به؟ عن أي عيد إذاً، يكون الحديث ” المحلَّى ” عن أضاحيه ومناحيه، وفيه ما فيه، قد أحالنا شتاتاً في شتات في كل شيء؟ ألا يكفي كل ذلك لأن أعلن الحد على هذا الحد؟ وأكف عن التفكير في عبارة هي العيد والمضاف المخيف: الأضحى وصفته: المبارك، في ضوء ما ذكرت، عفواً في عتمة ما ذكرتُ وخبرْت وسطَّرت ؟!
دهوك، الصباح المؤلم ليوم 1-9/2017
ملاحظة: للأسف، لم أستطع إرسال هذه المقالة إلى موقع النشر، لتوقُّف شبكة الانترنت في دهوك لبضع ساعات، فاقتضى التنويه .