مصطفى أوسو
مع اقتراب موعد الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، المقرر في 25 سبتمبر / أيلول 2017 تتصاعد حدة موقف الحكومة المركزية العراقية ومواقف الدول الإقليمية الرافضة له، فالعراق لا تقبل بالاستفتاء، وتصفه بـ «الغير دستوري» أما تركيا وإيران، فأنهما تكثفان تحركاتهما وتنسقان جهودهما، من أجل نسفه ومواجهة تداعياته المحتملة. والحجة التي تبني عليها هذه الدول موقفها، هي: «الدفاع عن وحدة العراق وعدم القبول بتقسيمها» وفي أعقاب زيارة قام بها رئيس الأركان العامة للجيش الإيراني، اللواء محمد باقري، إلى أنقرة، واجتماعه بالمسؤولين الأتراك، أواخر شهر أغسطس / أب الماضي، أكد: «أن الاستفتاء لو جرى سيشكل أساساً لبدء سلسلة من التوترات والمواجهات داخل العراق وستطول تداعياته دول الجوار» مشدداً على: «أن هذا الأمر غير ممكن ولا ينبغي أن يحدث»
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة / بريطانيا، ومعظم دول الاتحاد الأوربي، عبرت عن بشكل رسمي عن موقفها غير المؤيد إجراء الاستفتاء في الوقت الحاضر، وطالبت بتأجيله إلى وقت لاحق غير محدد. المواقف المذكورة، يقابلها إصرار القيادة الكردية، على لسان السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، والمسؤولين الآخرين من القوى السياسية التي تدعم الاستفتاء، على الاستمرار فيه وعدم التراجع عنه، بوصفه يجسد الحلم الكردي في الحرية، والذي قدم في سبيله الآلاف من الضحايا والقرابين خلال مسيرته التاريخية الممتدة لقرون.
وإذا كانت المواقف المعلنة من قبل الحكومة المركزية العراقية وبعض دول الجوار الكردستاني ( تركيا، إيران )، ناجمة بالأساس عن عدم إيمانها بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه، وإنكاره عليه وعدم الاعتراف به، وتهدف إلى إجهاض المشروع القومي الكردي، ومنع قيام دولة كردية متاخمة لحدودها، والتي هي مناطق تاريخية كردية ويسكنها الكرد، لأنها ستؤدي إلى تشجيعهم للمطالبة بكيان قومي مماثل لهم في هذه الدول، فأن دول العالم الأخرى، ( الولايات المتحدة، المملكة المتحدة (بريطانيا) ودول الاتحاد الأوربي) ترى بأن الظروف والتطورات الحالية التي تمر بها المنطقة عموماً والعراق بشكل خاص، غير ملائمة ولامناسبة، لأن الحرب على الإرهاب في المنطقة، تتطلب توحيد الجهود الدولية لمواجهته وهزيمته والقضاء عليه، وهي أولوية لدى حكومات هذه الدول في المرحلة الراهنة، وهناك هواجس ومخاوف حقيقية لديها من تأثير الاستفتاء على تطورات هذا الحرب سلباً، وهذه الدول مؤمنة بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره، الذي تضمنه القوانين والمواثيق الدولية، وبشكل خاص ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص في بنوده صراحة على هذا الحق لكل شعوب العالم.
ورغم كل المواقف المذكورة من هذا الاستفتاء، التصعيدية منها والتهديدية، وتلك التي تطالب بتأجيلها لظروف «أنسب وأفضل» من الظرف الحالي، الذي يمر به العراق والمنطقة بشكل عام، فأن هناك إصرار وتصميم من جانب القيادة الكردية على عدم تأجيله وإجرائه في موعده المحدد، وهو شيء منطقي وطبيعي بالنظر للعديد من التطورات والوقائع، ومنها: أن الشراكة مع الحكومة المركزية العراقية، بعد تجربة ليست قصيرة – أكثر من أربعة عشر عاماً – وصلت لطريق مسدود، رافقها المزيد من التهميش والإقصاء عن المشاركة في الحكم والقرار السياسي، كما وأن التعايش المشترك بين المكونات العراقية المختلفة ضمن عراق موحد أصبح هو الأخر صعب المنال، بعد كل ما أفرزه الإرهاب من تداعيات وآثار سلبية على النسيج المجتمعي العراقي وتخريبه، حيث أضحى الحديث مع كل ذلك عن وحدة العراق وعدم تقسيمه غير ممكن عملياً، بل أنه بات مستحيلاً، يضاف إليها، وجود قوى دولية جديدة، باتت تسيطر على المنطقة وتخضعها لنفوذها – الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية – وحلفائهما هنا وهناك، وهي تسعى للتنسيق والتفاهم على إعادة ترتيب المنطقة من جديد وفقاً لمصالحها، لأن الواقع الحالي للمنطقة الذي رسمه، التفاهم البريطاني – الفرنسي، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لم يعد يلبي مصالح هذه الدول وينسجم مع التطورات المستجدة والمتسارعة.
ومن هنا، نعتقد أن تأجيل عملية الاستفتاء تحت أي ظرف، سواء بسبب تهديدات الدول المعادية للشعب الكردي وحقوقه القومية، أو الخوف من عدم الاعتراف الدولي بنتائجه وما يمكن أن يترتب عليه من استحقاقات، سيؤدي إلى خلق حالة من الإحباط واليأس الجماهيري، ووقوع كارثة حقيقية على الكرد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان، وهو سيؤدي إلى ضياع فرصة تاريخية كانت في متناوله، وقد لا تتكرر مثلها إلا مرة في القرن.
أن مواجهة التحديات التي تواجه عملية الاستفتاء، تتطلب بذل المزيد من العمل والجهد، لتقوية العامل الداخلي الكردستاني، من جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدءاً بدعم المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وترسيخ سيادة القانون، وتصحيح العلاقات غير السليمة بين الأطراف الكردستانية، وتفعيل مسودة الدستور وإقراره،، وتعزيز الحريات الديمقراطية، والقضاء على مظاهر الفساد والمحسوبية وهدر المال العام، وإطلاق خطط للتنمية، تؤدي إلى تحقيق العدالة والمساواة والرفاه لجميع المواطنين.
وأخيراً، لا بد من العمل على ضرورة إشراك المؤسسات الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوربي، البعثات الدبلوماسية والقنصلية)، في عملية الاستفتاء، لخلق مصداقية دولية وإقليمية، بنتائجها وتقبلها وما يمكن أن يبنى ويترتب عليها.