الكرد بين الزلزالين: السياسي والطبيعي، أما من درس مشترك ؟

ابراهيم محمود
جبال الكرد لم تعد رواسي لهم، ولا مدنهم مراسي لهم إنما مراث ٍ، وإنما ها هم في حيرة من أمرهم حيرة تاريخ من أمره المختلفين عليه وفيه كما هو عهدهم بأنفسهم التي لا تعرف سوى الانقسام، ليكونوا بين مطرقة الزلزال السياسي وقد زادوا توتراً وتباعداً عن بعضهم بعضاً، لينشغلوا ببعضهم ببعضاً وليصعّد أعداؤهم المختلفون من وحدتهم عليهم متشفيّن بهم، ومطرقة الطبيعة التي زلزلت قرى بالمئات، وسوَّت بيوتاً بالآلاف بالأرض، وسمّت ضحايا بالمئات، وجرحى بألوف مؤلفة، وليس من درس مشترك حتى اللحظة ليعلَموا أين هم، وإلى أين هم، وقد بدت جراحاتهم أكبر من مباضعهم، وأدواؤهم أكبر من أدويتهم.
أي زلزال آخر ينتظرون ليعيشوا ثقْل صدمة تاريخية تخرجهم من حروبهم البينية، ويخفّفوا من عنفهم المتبادل، وهم في معرض مصير يتهددهم دون استثناء؟
إجمالاً، ها هم من يرثون ضحايا جبالهم التي هي ذاتها لم تعد ملاجىء لهم كونهم لم يحسنوا قراءة لغتها، فالإسناد الكلي إلى الجبل يعني استعادة لحظة كاوا الحداد، وبما لا يفيد هذه المرّة، ونسيان لعبة العالم القريب والبعيد بهم، وهم مكشوفون للملأ أجمع، هم من يبكون كرديتهم وهي متقاسَمة بين طعان السياسة الجانبية، وصدمات الطبيعة المزلزلة، وثمة من يتفرج عليهم ويشرب نخب هذا الفعل من الطبيعة، ليقول” العبادي نموذجاً، ومن معه “: ليس العالم وحده معنا، إنما الطبيعة أيضاً، طبيعة الكرد، وحتى جبالهم وقد زلزلت تحتهم ورجَّت مدنهم، قراهم، حقولهم، مزارعهم، بساتينهم، وبلبل لهجاتهم/ ألسنتهم، فهل من بلاغة شماتة أكبر، أفظع، أقسى، أموَت من التعبير المفترض، ليعلم الكرد أي كرد هم؟
هل سيرددون كمفقودي الوعي، أنها لعبة القدر في جولة استئصال أخرى معهم؟ أم قدرهم الذي اختاروه ليس بالقرعة، ولا مصادفة، إنما بوعي قاصر منهم، وعي حددوا مقياسه هم، وعلى قدْر تشظيهم الداخلي تكون مآسيهم: عفواً، تكون عواقب كل من السياسة والطبيعة بالذات، على قدر غفلتهم عما يجري حولهم، وهم في عراء الأمم، تتم غفلة العالمين عنهم جرّاء ما اختاروه لأنفسهم، وهو أن يكون أبطالاً في ملاعب الآخرين، ومهزومين في المحصّلة في ملاعبهم الداخلية؟
متى يدرك الكردي الخادع نفسه أنه منتصر على الكردي المهزوم بدعم منه، أن ليس من منتصر ومهزوم، إنما ثمة هوان يسمّيهم، ينطق بلغتهم، وأن ليس من مخرج إلا بتجاوز الاثنين معاً، إن أريدَ الدخول في التاريخ، إن أريد التعامل مع السياسة كما هي محضّرة على عتبات حدود الآخرين، ومع الطبيعة في وقائعها على أنها في بعض منها، لا تنفصل عن الجرعات القاتلة للسياسة، ودون هذا الدرس المشترك، ليعد الكرد أنفسهم لزوال لا نظير له؟!
دهوك، في14-11/ 2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…