المحامي عبدالله إمام
يوماً بعد يوم تنكشف لنا وجوه جديدة كانت تخفيها أقنعة من مختلف الألوان والأشكال، وكان آخرها المحامي مهند الحسني المتخفي بقناع المدافع عن حقوق الإنسان ورئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان (سواسية) المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ صيف عام 2011 بعيد خروجه من المعتقل بسوريا.
استغربت عندما زرت مكتبه في عام 1999 في شارع النصر بدمشق ورأيت صورة الدكتاتور صدام حسين معلقة على الجدار، فكيف لرئيس منظمة تدافع عن حقوق الإنسان أن يرفع صورة أكبر منتهك لحقوق الإنسان في المنطقة حينذاك؟ ولكني لم أتردد في الانضمام إلى هيئة المحامين المدافعين عنه طوعاً حين اعتقل في نفس العام وحوكم أمام محكمة الجنايات بدمشق. كان هذا سلوكي مع كل من كان يعتقل بسبب رأيه السياسي أو نشاطه الحقوقي مهما كانت درجة الخلاف بيني وبينه، حتى كدت أحياناً عديدة أقترب من الاعتقال بسبب دفاعي عن معتقلي الرأي والضمير.
بالأمس 31 تموز 2017 قرأت له منشوراً على الفيسبوك بمثابة مقال غير معنون يتناول فيه «الأكراد» كما يسميهم، وذلك في اثني عشر بنداً ذكرتني بالبنود الاثني عشر للضابط الأمني محمد طلب هلال (رئيس الشعبة السياسية في محافظة الحسكة) الذي وضع دراسة خاصة عن الكورد في أوائل ستينيات القرن الماضي بعنوان «دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية» موصياً فيها بإفنائهم من خلال تجريدهم من أراضيهم ومن جنسيتهم السورية وممارسة سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتجهيل بحقهم، وإقامة مستوطنات داخل مناطقهم على شكل الكيبوتزات الإسرائيلية (كما يسميها)..
قبل تناول البنود الاثني عشر للحسني والرد على أضاليله وترهاته أشير إلى أن كلمة «أكراد» التي يستخدمها للإشارة إلى الكورد هي كلمة تدل على جمع قلة أي أنها تصح للإطلاق على عدد من الناس، لذا فهو يتقصد هذه الكلمة للتقليل من شأن الكرد والاستخفاف بهم كأمة عريقة عراقة التاريخ وثابتة الجذور والحضور ثبات الجبال وما تحتها.
– يقول الحسني في البند الأول دون شرح أو تفسير أن «الأكراد شعب من الشعوب الإيرانية ومناطق وجودهم الأصلية في أصفهان وأذربيجان وارمينيا». هكذا يتكرّم علينا بوضعنا في مناطق نستطيع منها السفر إلى كوردستان جنوباً وغرباً حيث هولير (أربيل) والسليمانية وحلبجة وكركوك ودهوك وقامشلو وكوباني وعفرين وآمد وأورفا وديرسم وموش ووان وملاتيه وجزير ونصيبين و… فلو كان اختار لنا مناطق في الهند والصين واليابان أو في القارة الأمريكية لكان صعباً جداً علينا دفن موتانا في ظلال الجودي وزاغروس وآرارات وكردداغ.. وإرواء ماشيتنا ومزروعاتنا من مياه الفرات ودجلة والخابور والزاب..
– في البند الثاني يخوض في التاريخ قائلاً: «يعتقد الأكراد انهم ميديون وانه قامت لهم أمبراطورية قديمة أسمها (ميديا) يريدون إحيائها كانو يعبدون فيها الشيطان حسب تعاليم الديانة الزرادشتية الأيزيدية وكتبهم المقدسة مصحف رش والكتاب الأسود (الجلوة)». نعم الكورد هم أبناء «لولو» و «كوتي» و «كاساي» و «سوبار»، و «خالدي» و «نايري» و «الميتانيين» و «الهوريين» و «الميديين» و «الكاردوخيين»… وهم يعتبرون أنفسهم كذلك، ودليل أصالتهم هو بقاؤهم على أرضهم رغم جميع الغزوات وحملات الإبادة بحقهم، فأين المشكلة؟ وهل لدى الحسني أدلة تثبت أصلاً أخر للكورد (كالجن مثلاً كما يردد مؤرخو البعث)؟
ويتطاول الحسني على المعتقدات الكوردية القديمة وكذلك معتقدات الكورد من ذوي الديانة الإيزدية فيقول بأن الكورد كانوا «يعبدون الشيطان حسب تعاليم الديانة الزردشتية الأيزدية» وأن «تعاليم دينهم تتمثل بالعنصرية والقذارة والحقد والإباحية»، وبهذا هو لا يختلف عن تنظيم داعش الذي غزا مناطق الكورد الإيزديين في شنگال وقتل رجالهم وأطفالهم وسبى نساءهم بحجة أنهم كفار. لكن لا أدري من أين جاء الحسني بمعلومته التي تفيد حسب قوله بأن الملك كسرى قد قام عام عام 553 قبل الميلاد باستعباد الكورد و«استرقو بناتهم حتى جاء الفتح الإسلامي وحررهم عام 644 بعد الميلاد»؟ إلا إذا كانت هذه «المعلومة» هي من بنات خياله المريض الذي يتلذذ بكل ظلم مس الكورد.
أما بالنسبة لملاحظته «ان امبراطورية ميديا كانت في فارس ولم تصل الى سورية إطلاقا وقد غزت العراق ودمرت نينوى وخرجت منها ولكن لم تصل الى سوريا ابدا»، فأود تذكيره بأن عاصمة الدولة الميدية هي مدينة آميدي التي نقع شمال هولير (أربيل – عاصمة إقليم كوردستان العراق»، كما أن نينوى (الموصل) التي كانت عاصمة الإمبراطورية الآشورية قد سقطت على أيدي الميديين عام 612 قبل الميلاد ولم ينسحب المنتصرون بل قسمت أراضي الامبراطورية الآشورية وآسيا الصغرى بين الميديين والبابليين فوصلت حصة الميديين إلى شمال سوريا ودجلة العليا والفرات وامتدت حدودهم الى البحر الاسود اما البابليون فقد استحوذوا على جنوب سوريا وجنوب بلاد الرافدين (حسب: كنج ام . 192خ. تأريخ بابل . لندن).
كما أذكره بأن الإمبراطورية الميتانية التي كانت عاصمتها واشوكاني بالقرب من مدينة سريكاني (المعربة إلى رأس العين)، قد خاضت عدة معارك مع فراعنة مصر كان آخرها معركة قادش (بالقرب من مدينة حمص السورية) حيث تم على إثرها توقيع معاهدة سلام رسمية في عام 1258 قبل الميلاد، وتم نقش المعاهدة على لوح من الفضة (معروضة في متحف الآثار في إستنبول وهناك نسخة منها معلقة في المقر الدائم للأمم المتحدة كأول معاهدة سلام مكتوبة وموثقة في التاريخ). هل يكفي هذا أم أعرج على الإمبراطورية الأيوبية أيضاً؟
– في البند الثالث يقول: «دخل الأكراد في دين الإسلام وصلح إسلام الكثير منهم إلا ان الديانة الزرادشتية الأيزيدية وعبادة الشيطان لم تمت حتى يومنا هذا». وهو بهذا ينصّب نفسه حكماً يقوم بتقييم إسلام الكرد فيصدر حكماً بصلاح إسلام البعض منهم في حين لم يصلح إسلام البعض الآخر منهم، بالإضافة إلى أن فئة منهم بقيت على دينها القديم (الزردشتية الأيزدية حسب قوله، خالطاً بين هاتين الديانتين دامجاً إياهما في دين واحد)، وهو من كل هذا يريد التوصل إلى كون الكورد (أو غالبيتهم) مشركين وكفار وبالتالي يصلح الحسني لأن يكون مرجعاً دينياً محرضاً لداعش وأشباهها على إبادة الكورد.
– ثم ينتقل إلى البند الرابع فيقول بأن «الأكراد المسلمين فرو بدينهم وأرواحهم إلى تركيا من بطش المغول والصفويين والأرمن وعاشو بكنف السلاجقة». وهنا السؤال على افتراض صحة كلامه: ماذا بالنسبة لغير المسلمين منهم؟ وإذ عرفنا بأن الوجود التركي في المنطقة يعود إلى الهجرة العثمانية إلى آسيا الصغرى (تركيا الحالية) قبل حوالي سبعمئة سنة، وأن غزو المغول للمنطقة سبق الوجود العثماني بحوالي نصف قرن فكيف استطاع الكورد أن يعيشوا في «كنف السلاجقة» الذين اختفى أثرهم بينما بقي الكورد؟ فهل تم ابتلاع السلاجقة من قبل الكورد؟ أم أن المغول انهزموا على أيدي شعوب المنطقة من كورد وعرب وفرس؟
– في البند الخامس يقتحم الحسني التاريخ الحديث بقوله أن الكورد قد فروا من تركيا نتيجة قمع الدولة التركية للثورة الكوردية بقيادة الشهيد سعيد پيران عام 1925 «حيث سكنو على حدود تركيا وقامت فرنسا بمنحهم الجنسية السورية»، ولإكمال أباطيله الشوفينية يعرج في البنود 6 و 7 و 8 على بعض المدن الكوردية المعروفة ليزيل عنها الصفة الكوردية، حيث يقول عن مدينة قامشلو: «مدينة القامشلي عام 1920 كانت قرية سريانية أسمها {زلو} وتعني ارض الزل بالسريانية ولم يكن فيها كردي حينها»، ويقول عن مدينة كوباني: «مدينة عين العرب كونباني تاريخيا لا وجود لها كان موقعها لشركة المانية لمشروع سكة حديد بغداد تدعى محليا كونباني اول من سكنها لاجئين أرمن عام 1912 ثم لاجئين اكراد بعد ثورة سعيد بيران 1925في تركيا»، ويقول عن مدينة عفرين: «عفرين سكنتها عشائر كردية قبل 200 سنة منحهم الأرض السلطان العثماني بعد فرارهم من ارمينيا وتضاعف عددهم بعد ثورة سعيد بيران».
فبحسب كلامه لا وجود أصيلاً للكورد في سوريا بل هم مهاجرون وهم في أحسن الأحوال ضيوف إن لم يكونوا عناصر خطرة يجب إفناؤهم أو إعادتهم إلى حيث أتوا.
– وتمادياً في تزوير التاريخ المعاصر وتشويه صورة الكورد يحكم الحسني في البند التاسع على انتفاضة الكورد في سوريا عام 2004 بأنها لم تكن سلمية (لا أدري ما الأسلحة الثقيلة أو الخفيفة التي استعملها الكورد المنتفضون حينذاك؟)، كما يقول بأن الكورد قاموا حينها بأعمال شغب وحرق لمؤسسات الدولة وقتلوا العديد من رجال الشرطة ورفعوا صور جورج بوش والعلم الأمريكي.. وفي البند العاشر يذكر بأن السبب المباشر لانتفاضة 2004 كان مباراة كرة القدم في قامشلو بين نادي الفتوة ونادي الجهاد حيث يقول حرفياً: «هتف العرب بحياة صدام وهتف الأكراد بحياة كردستان ثم هتف العرب {تسقط تسقط كردستان من الدررامة وللخصيان} هاجم الأكراد العرب وسقط قتلى اكراد وعرب في الملعب واندلعت الإنتفاضة كردية مسلحة منظمة». وهنا أتحداه أن يذكر اسم قتيل عربي واحد في موقعة الملعب.
ثم يتفاخر قائلاً: «دخل الجيش السوري القامشلي بعد اقل من اسبوع وهرب جميع الرجال الأكراد المتورطين إلى العراق قبل وصول الجيش ودون قتال انتهت الإنتفاضة وعادو بمرسوم عفو رئاسي». نعم هو يفتخر بنفس الجيش الذي يقتل السوريين حالياً لأن القتيل حينذاك كان كوردياً، ويشيد بتمكّن «جيشه الباسل» من الانتصار على الكورد المنتفضين الذين «هربوا» ثم «عادوا» بعد أن تكرّم قائده بشار الأسد عليهم بـ «عفو رئاسي».
– في البند الحادي عشر يتناول الحسني سلوك الكورد منذ عام 2011 فيعترف بأنهم انضموا مبكرا «الى صفوف ثورة الشعب السوري ضد نظام البعث المجرم ولكن قام نظام البعث بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني بحرف مسار الثوار الأكراد بعد زيارة قام بها بشار الأسد لمدينة المالكية بداية الثورة 7 آذار 2011 والتقى مع جميع قادة الاحزاب الكردبة على منحهم مناصي فيما لو استمر نظام حكمه كما إتفق الذراع المسلح البي كي كي على ان يكونوا اداة تسلط تتبع النظام..»،
لا أدري كيف اتفق بشار الأسد مع الكورد بحرف مسارهم ضد الثورة السورية في تاريخ يسبق الثورة؟ فزيارة الأسد لديريك (المعربة إلى المالكية) كانت في 7 آذار 2011 (كما يذكر الحسني) أي قبل أكثر من أسبوع على الثورة.
– ثم يختم بالبند الثاني عشر فيتهم الكورد بالتحالف مع اسرائيل والروس والأمريكان والإيرانيين «لإقامة وطن قومي عنصري للأكراد في سورية تكون الديانة الزرادشتية الأيزيدية (عبادة الشيطان) ديانة رسمية فيه» ويقول بأن حلفاؤهم المذكورين دعموهم منذ عام 2013 «لحرب العرب والمسلمين وإقامة (كفرستان) كموطى قدم للصهيونية العالمية في المنطقة».
هنا وقبل التعليق عليه سأذكر بما ورد في نشرة «المناضل» الصادرة عن مكتب الدعاية والإعلام في التوجيه القومي لحزب البعث (وهي نشرة داخلية سياسية دورية) حيث جاء في العدد /11/ (شهر كانون الثاني 1966م – الصفحتين 12 و 13) وتحت عنوان «تقرير لخطة إنشاء مزارع حكومية في محافظة الحسكة»، ما يلي: «إن المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق، والتي خلقت من قبل الامبريالية، بدأت تهددنا أيضاً منذ بضعة أعوام أخيرة في محافظة الحسكة، أهملتها الحكومات السابقة، ولكن اليوم تحتاج إلى حل جذري سليم… إن أفراداً غير عرب، وأغلبهم أكراد، قد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقاً لخطة تؤيدها وتشجعها الامبريالية ولازالت.. والأكراد استوطنوا في هذه المنطقة الخصيبة والتي هم غريبون عنها… بسبب وجود الاقطاعية في المنطقة ووجود عناصر غير عربية وغالبيتهم من الأكراد والذين يحاولون جاهدين أن يؤسسوا بلداً قومياً لهم في حدودنا الشمالية بمساعدة الامبريالية، ولأن المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود، فمن العاجل جداً أن نتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة… يمكن القول أنه إذا بقيت الأشياء كما هي فإن الهجرة الكردية ستزداد في المنطقة وستشكل خطراً على حدود أمتنا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية المنطقة زراعياً وصناعياً وبخاصة بعد اكتشاف البترول ..».
أوردت النص أعلاه من نشرة «المناضل» لأبيّن بأنه حتى حزب البعث في أسوأ مراحل حكمه لم يصل في شوفينيته إلى مستوى شوفينية الحسني، فالأخير لا يترك باباً من القذارة إلا ويحاول فتحه على الكورد، لكن الحجة تخونه كما أن أخطاءه الإملائية والنحوية تجعل من كلامه مجرد ترهات فارغة المحتوى ومشوهة الشكل.
تعليقات سريعة حاولت أن أردّ بها على ما كتبه المحامي مهند الحسني، تاركاً لغيري أن يرد بشكل أكثر خبرةً واستفاضة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ