الإستفتاء الكوردي! هل هو مؤشر على قيام الدولة؟

مروان سليمان
لقد تم تحديد الخامس و العشرين من شهر أيلول موعداً لإجراء الإستفتاء في أقليم كوردستان لتبيان حقيقة رغبة الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه و تعتبر هذه الخطوة جديدة على شعبنا في ظل المتغيرات الجديدة و الحرب على الإرهاب و العلاقات الإقليمية المتوترة في ظل تنامي الخلافات المذهبية و لكن بالمقابل هناك مؤشرات كثيرة على صعود النجم الكردي في المنطقة بعد سنوات من حالة العداء و الحروب و الإبادات الجماعية التي كانت تمارسها السلطات و الأنظمة المجاورة للمنطقة الكردية( المحتلة)، حيث بات واضحاً للعيان بأن الدول التي كانت حتى بالأمس تقمع الكرد و تتنكر لمطاليبهم السياسية أصبحت تعترف بالأخطاء التي إرتكبتها بحق الكرد معترفة بأن حروبهم أدت إلى نتائج عكسية و التي زادت المقاومة الكردية بشقيها السياسية و العسكرية إصراراً أكثر على المطالبة بحقوق الشعب الكردي 
و بالمقابل فقد إنهارت معنويات الجيش أو تلاشى ذلك الجيش الذي كان يقمع مطالب الشعب الكردي و الذي دخل في حروب لا تخدم شعوب المنطقة ، مع وجود بعض التناقضات في سياسات الدول الغاصبة لوطن الكرد و هذا كان عاملاً جيداً للكرد في اللعب على تلك التناقضات، و لكن هل تم استغلال الظروف الذاتية و الموضوعية في خدمة الشعب الكردي من أجل التغييرات الجديدة في المنطقة، أم أن التغيير يأتي حسب السياسات الدولية و بدون حسابات الشعوب التي ترزح تحت الإحتلال و منها الشعب الكردي؟.
إذا ما تم قياس العملية بالنضج السياسي و الفكري و القومي و أضفنا إليه الوطني أيضاً نجده مكتملاً عند الكرد و ناضجاً بأعلى المستويات،أما أقليمياً فهناك أقليم يحكمه الأكراد منذ بداية التسعينات من القرن الماضي و تبين التجربة مدى نجاح هذه التجربة الفتية و مدى التسامح الذي أبداه الكرد في بناء هذا الأقليم سواء فيما بينهم أو مع المجاورين لهم، و لكن لا بد من التوضيح بأن المنطقة الكردية جزء متكامل و غير مجزأ و إذا كان الحل في منطقة ما فهذا لا يعني الإستقرار في الدول المجاورة إلا بأخذ الكرد لحقوقهم كاملة و لكن الأنظمة في المنطقة غير مكترثة بالنتائج و لم تفكر في وضع الحلول المناسبة لإنهاء الصراع لأن وجود الصراع بحد ذاته هو لخدمة الأنظمة و تمديد عمرها و التي تتابع قمع الشعوب منذ عشرات السنين و خاصة إضطهاد الشعب الكوردي الذي بقي وطنه محتلاً بعد الحرب العالمية الأولى في ظل التقسيمات التي وضعتها إتفاقيات سايكس بيكو، و لا يخفى على أحد بأن مقومات الأمة  تنطبق على الشعب الكردي  و من حقه إنشاء دولته و يمتلك الكرد جميع مقوماته سواء أكان ذلك- الأرض- و الشعب -و اللغة بالإضافة إلى الوعي الثقافي و الإجتماعي و قدرتهم على القيادة و التعامل مع الأنظمة و الحكومات على مستوى العالم اجمع أو في استثمار ثرواتهم الطبيعية و تسخيرها في بناء البنى التحتية لمنطقتهم التي دمرتها حروب الأنظمة ضد الشعب الكوردي.
إن الإستفتاء الذي سوف يجرى في الخامس من شهر أيلول سوف يكون بداية تاريخ جديد للمنطقة وعلى الدول الغاصبة لكردستان أن تعترف بالكرد كشعب يعيش على أرضه و لا مفر من تشكيل دولته التي يبتغيها و أن تؤمن تلك الأنظمة بأن شعباً قاوم الظلم و القتل و التهجير و المجازر بدون سلاح و أعلام حر و حافظ على وجوده، من غير الممكن أن يتم إلغائه من الخريطة السياسية في زمن الإعلام و السياسة و القوة العسكرية التي أصبح الكرد يمتلكونها و في ظل الإقتصاد الذي باتوا يسيطرون عليه و تمويلهم الذاتي لذلك الإقتصاد و التي فرضت نفسها في السوق العالمية ببيع النفط و جلب الشركات للإستثمار في المنطقة الكردية و خاصة مع التغييرات في السياسة الدولية في التعامل مع الكرد كقوة اقتصادية و عسكرية و دخولها في تحالف ضد إرهاب الجماعات المتطرفة التي باتت تؤرق الغرب و الدول الكبرى و هذا يعزز من موقف الكرد عند الأنظمة الغربية و شعوبها في الإجماع على تقبل فكرة قيام الدولة الكردية و بإرادة كردية بحتة و كل المؤشرات تدل على ذلك التغيير المتأمل إذا ما أخذنا في الحسبان بأن القيادات الكردية السياسية و العسكرية تقرأ الواقع بشكل جيد و بالتنسيق مع الحكومات و الدول التي تدعم حقالشعب الكوردي و لذلك نستطيع القول بأن المبادرة أصبحت نوعاً ما بيد الكرد و عملية الإستفتاء لم تأتي من فراغ.
في ظل هذه الظروف الحساسة و تحديد المصير يتطلب من  الكورد توحيد الصف الكوردي و التغلب على الخلافات سواء داخل الجزء الواحد من المنطقة الكردية أو على مستوى الأجزاء الأربعة و هنا من المفروض أن يسقط السياسيين الكرد الخلافات الموجودة و الإتفاق فيما بينهم و وضع المصلحة الكوردية نصب أعينهم بعيداً عن المصالح الشخصة و الآنية لأن الصراعات لا تخدم الأطراف جميعها في ظل التعديل بسياسة الدول و الأنظمة الإقليمية و التي باتت تؤمن بأن التغيير قادم لا محالة و التغيير بالإرضاء أفضل من الإجبار و الدولة الكوردية أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
20.08.2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…