د. محمود عباس
غالبية المؤشرات توحي إلى العنوان، فإلى جانب الاستراتيجية الأمريكية تحت إدارة ترمب، والذي بدأ ينتقل من تكتيك الانسحاب من المناطق الساخنة التي كانت تتبعها إدارة أوباما، كأسلوب متبع من قبل الديمقراطيين، إلى التدخل المباشر، وإرسال قوات أمريكية تدعم أدواتها المحلية، وهي تندرج ضمن نهج الجمهوريين، بتفعيل المناطق الساخنة لتحريك الاقتصاد، والحفاظ على هيبة الإمبراطورية الأمريكية في العالم. إلى حيث مؤشر عامل الزمن المخصص للقضاء الكلي أو الجزئي على داعش، واستراتيجية محاربة المد الشيعي، في المنطقة، والحد من طموحات أئمة ولاية الفقيه، أصحاب الدولة التي وصفت من قبل بوش الأبن، بمحور الشر، الموقف والرؤية التي أعيدت أحياؤها في الإدارة الحالية، ضمن مواصفات مشابهة، ولا نبحث هنا عن مدى تأثير اللوبي اليهودي على الإدارة الأمريكية لترسيخ هذه الاستراتيجية، كخطوة دفاعية عن إسرائيل المهدد من قبل إيران وأدواتها، بل عن تحركات دول العالم السني كصراع مذهبي، وخوفهم على أنظمتهم، والتي على أساسها تمت الصفقات العسكرية التجارية الكبرى مع أمريكا، والأوربيين.
ويترافق مع ما ذكرناه، مجريات الأحداث بين المعارضة والسلطة في سوريا، ومشاكل العراق، وتدخلات دول الجوار، كتركيا وإيران والسعودية وقطر، والتي تندرج ضمن الصراع المذهبي ظاهريا، والتي هي في الواقع ليست سوى عمليات استباقية للحفاظ على أنظمتها، وهذه تزيدنا قناعة بأن الوجود الأمريكي والروسي انتقلا من واقع التكتيك إلى الحيز الاستراتيجي، في الشرق الأوسط، وبالتالي الوجود الأمريكي في كردستان، وبشكل خاص في جنوب غربي كردستان، والمؤشرات عديدة، منها:
1- بقاء سلطة بشار الأسد، وعدم تحديد أي زمن في تشكيل حكومة انتقالية سورية، بل وأن هذه النقطة بالذات أصبحت وكأنها من الماضي، وسلطة بشار الأسد عادت لترسخ مراكزها في المناطق التي خسرتها في السنوات الماضية، وبالتالي أي تخل أمريكي عن جنوب غربي كردستان، أو عن دعم القوات الكردية، أي كانت الأسماء التي تحملها، فستؤدي إلى حصول فراغ ملائم لتغلغل الهلال الشيعي، وهذه من أحد أهم الأخطار التي تواجهها بعض الدول الإقليمية وعلى رأسها إسرائيل حليفة أمريكا الأولى في المنطقة.
2- حصرت المعارضة المسلحة السورية، بكل فصائلها، في منظمة جبهة تحرير الشام، (النصرة سابقا) والمسجلة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية من كلا الطرفين الروسي والأمريكي، وهي التي ستعطي الحق لهما بمحاربتها ضمن سوريا بعد الانتهاء من داعش، وبالتالي ستضاف فترة أخرى لبقائهما ما بعد داعش، مع دفعة أخرى لديمومة سلطة الأسد، تحت صفة محاربة الإرهاب.
3- تحت صيغة وضع حل للمشكلة السورية، سياسيا، استدباب عملية السلام في مناطق التوتر، حتى بعد الانتهاء من خطر المنظمات العسكرية التكفيرية والإرهابية.
4- على خلفية الانقسامات بين أطراف المعارضة السياسية، أدوات الدول الإقليمية، والتي لم تعد تهمها القضية السورية بقدر الحفاظ على مكتسباتها الشخصية، بدءً من الائتلاف الوطني بكل مفرزاته، إلى الهيئة العليا للمفاوضات، إلى المنصات العديدة، والتي أسماؤها تفضحها، كعملاء لتلك الدول قبل أن يكونوا ممثلين للشعب السوري. والتي من مهمات أمريكا وروسيا عقد مؤتمرات شكلية تحت صفة وضع حل سياسي للقضية، وإلى أن يتم تشكيل لجنة من المعارضة المتضاربة وبتخطيط، والتي: أولا لن يتم بينهم أي أتفاق على ما سيبحثون فيه ضمن المؤتمرات، جنيف أو أستانة، مثلما حدثت في مؤتمر الرياض الأخير، خاصة وأن أستانة تكاد تكون منتهية أمرها، على خلفية تشتت المعارضة المسلحة، والموجودة هي النصرة، وهي محسوبة على الإرهاب. وثانيا، حتى لو بلغوا مرحلة الحوار مع السلطة، فإن جميع البنود السابقة أصبحت ملغية، والسلطة هي التي ستفرض شروطها، والتي بدأت تصفهم بـ(الحثالة) وهي بادرة على أنهم أصبحوا خارج القضية، وليسوا سوى أسماء سيوقعون بعد أن يتم الاتفاق بين روسيا وأمريكا.
5- سلطة بشار الأسد لا تزال ضمن حلقة حوارات سياسية قادمة بين أمريكا وروسيا، بعد أن تكتمل جاهزية إدارة ترمب الخارجية، ويتم الإعلان عن نهاية داعش والنصرة في سوريا والعراق، وهذه ستأخذ فترة زمنية غير قليلة، وهي المرحلة التي ستتم فيها اتفاقيات سرية بين الدولتين الكبريين، حول نوعية السلطة السورية القادمة.
6- على خلفية إدراج قضية بشار الأسد، وشكل سلطة سوريا القادمة، وهيكلية الدولة، ستدرج المنطقة الكردية، والتي هي بشكل عملي تحت سيطرة أمريكا وروسيا، إلى جانب كلية سوريا، كمناطق فيدرالية، أو إدارات ذاتية على نسق الدستور الروسي، وسيتم التركيز على الفيدرالية الكردية، أو ما سمي مؤخرا بشمال سوريا، الممتدة من حدود لواء اسكندرونه وحتى ديركا حمكو، ومن ضمنها احتمالية ضم الرقة وأجزاء من محافظة دير الزور، وتوقعات أغلبية المحللين السياسيين تبين أن الأمريكيين والروس متفقون على إيصالها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط عن طريق جبل الأكراد.
لم تنتبه المعارضة السورية الوطنية إلى المخطط الذي رسمته سلطة بشار الأسد، والذي يرأس أحد أقذر الأنظمة في تاريخ الشرق الأوسط، عندما كشفوا عن سؤالهم المصيري، نحن أم الإسلام الراديكالي التكفيري؟ فخليت الساحات للمنظمات التكفيرية، وأتبعوها بفتح الأبواب لمجموعات انتهازية سياسية بالخروج من سوريا والتكالب على مراكز التمويل القطرية، وتم تقسيم سوريا من حينها، فساعدت الظروف بحصول الكرد على مكتسبات دولية في غاية الأهمية، ودخول أمريكا وروسيا إلى المنطقة رغم معارضة المعارضة وسلطة بشار الأسد وبعض الدول الإقليمية لها، ووجدت أمريكا منطقتها الأفضل في الساحة الكردستانية، وبالتالي تفعيل النظام الفيدرالي لسوريا، كأفضل الحلول لقادم شعوبها، وبشكل خاص للمنطقة الكردية، والتي تبنته المجلس الوطني الكردستاني-سوريا كشعار رئيسي لحل القضية الكردية فيها منذ عام 2006م.
فالوجود الأمريكي في جنوب غربي كردستان، في حال أظهرت الأطراف الكردية قدراتها على تسيير كيانهم السياسي، ستدفع بها إلى تصعيد الحوار مع الطرف الروسي، من المجال العسكري إلى اتفاقيات سياسية، حول نوعية النظام في المنطقة، واحتماليات أن يقام نظام فيدرالي كردستاني يعترف بها دوليا، ضمن سوريا القادمة والتي لا تزال غير واضحة معالم نظامها، بوجود أو عزل بشار الأسد، حكومة وطنية أم انتقالية قومية عروبية مشتركة مع تكفيرية؟ ولتجاوز هذه المعضلة، في حال تمت الموافقة النهائية بين روسيا وأمريكا، لا بد من إدارة ببنية ديمقراطية، تعكس كلية الشعب، والنهج الديمقراطي الحضاري لأمريكا المتواجدة فيها عسكرياً. وليصبح كيان مقبول سياسيا، أمريكيا وروسيا يجب تقبل وتطبيق المفاهيم والقوانين الحضارية.
وهذا ما يحثنا بأن نطرح عدة قضايا على طاولة الحوار والنقاش، تخص الإدارة الذاتية الحالية في جنوب غربي كردستان، بحيث تفتح المجال لكل الأطراف السياسية والثقافية الكردية إبداء الرأي بغية تطويرها، بل والمشاركة في بناء الكيان الفيدرالي القادم، مقابل ما تقدمه أمريكا وروسيا من الدعم اللوجستي لتكوينها، وإخراجها من المحيط الإقليمي إلى المجال الدولي.
بعض من هذه القضايا التي تهم فيدرالية جنوب غربي كردستان القادمة، أو شمال سوريا كما تسمى حاليا، سنطرحها في مقالات قادمة. والسؤال المهم، هل نحن الكرد على سوية: إقامة كيان سياسي على النهج الديمقراطي، وتساير الرغبة الأمريكية الروسية بأن تكون ذات نظام فيدرالي كردستاني؟
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
24/8/2017م