لا حفيدي كان «منغولياً» ولا حفيدتي كانت «مصروعة»

 ابراهيم محمود
أتذكر قانوناً من قوانين ” حمورابي ” يحدّد فيه موقع الطبيب، وكيف يجب أن يتصرف مع مريضه، لئلا يتعرض لعقوبات تنتظره تبعاً لنوعية ” الخطأ ” الذي يقع فيه، مثلاً ” اذا قام الطبيب باجراء شقٍ جراحي بسكين الجراحة وقتل ( المريض) ، أو فتح ورماً بسكينه الجراحي وفقأ العين فان يده يجب أن تقطع .”، تُرى، أليس الرادع مطلوباً إزاء حالات تكون فيها أخطاء هذا الطبيب أو ذاك مميتة، أو أو مشوّهة للمريض؟ أليس وجود الرادع بمثابة تحذير للطبيب الذي لا يبالي بالروح التي بين يديه، فالمهم عنده هو أن يقبض، ولا يعنيه ما سيكون عليه تشخيصه لحالته أو مصيره لاحقاً؟
في أمكنة كثيرة، وهنا، في إقليم كردستان، أرى، كما أسمع ما هو مريع في هذا النطاق، جهة الاستخفاف بنفسية المريض أو حالته أو وضعه كذلك، وما أكثرها من حالات، وأنا لا أتحدث كمتابع حصراً، وإنما كمتعرض لأكثر من استخفاف جهة البيروقراطية المتفشية في المشافي المختلفة  وحتى في العيادات، والكِلف الغالية من المعاينة إلى الدواء والإقامة في المشفى الخاص، وهي التي تكون مهلكة لأكثرية العائلات، وفيها تقال روايات من ” كعب الدست “.
أكثر الحالات ما يخص الأطفال، إذ إن سماعك من طبيب أو طبيبة لحظة تشخيص حالة مرضية في طفلك أو طفلتك بأن هناك ” اعتلالاً ” من نوع كذا، أو علة، تصدم الأبوين والأهل دون أي اكتراث بردود الأفعال، وما يجب أن يحصل في النهاية لو اتّبعت ” النصائح ” اللاحكيمة من حكماء على هذه الشاكلة، من الأمور المعتادة هنا .
من ذلك، أن حفيدي عند الولادة، وفي أول رفة جفن له، وإبصاره للنور، كما يظهر، وفحصه من قبل طبيبة في مشفى الولادة بدهوك، كان الحكم عليه بأنه ” منغولي ” . كان ذلك صدمة قاتلة، وكل من لديه أبسط معلومة حول هذه الحالة، يعلم مسيرة الآلام الماراتونية التي سيعيشها ليس الأبوان إنما الأهل والمجتمع كذلك معاً، كلمة أطلقتها، وكأنها تقول” تفاحتكم معطوبة “.
الألم كبير، سوى أن تجربة متواضعة في مثل هذه الأمور، واللامسئولية التي يتمثلها كثير من الأطباء، شأنهم في ذلك شأن فاسدين ومفسدين آخرين في المجتمع هنا وهناك، وامتلاك بعض المعلومات حول هيئة الطفل وحركته، كل ذلك أبعدنا عن ” حكمة ” الطبيبة المسمومة، وها هو حفيدي يتكلم، وليس فيه أي أثر أو صلة بما زعمته تلك الجاهلة و” المجرمة ” الاجتماعية .
حالة أخرى تكررت مع حفيدتي ومنذ فترة قريبة، وهي ابنة عدة أشهر، وكانت تبكي، وهذه المرة في مشفى ” الطوارىء ” في دهوك، وقد عُرِضت على أطباء مناوبين، وكان هناك اثنان داخلين في ” طق حنك “، وأمور لا صلة لها البتة بالمهنة، ولحظة الإلحاح بمعاينة الطفلة الموجوعة، وخلال ثوان، أطلق أحدهما كلمة تعبّر عن جهله القاتل، وانحلاله من كل صفة أخلاقية على تماس مباشر بإنسانية الطب: خذوها إلى الغرفة ” كذا ” فمعها صرع !
يا للطبيب المجرم والمفلوت كزميلته تلك من العقاب، من أين أصبتَ بعدوى هذه التشخيصات الصادمة وعدم التفكير في النتائج ؟
طبعاً، حملنا الصغيرة راجعين من حيث أتينا، وهي الآن على ما يُرام، ويبدو أن المصروع هو المشخّص وزميله وزميله زميله، وزميل زميل زميله…الخ .
ويمكن سرد عشرات الروايات والوقائع بأسماء ضحاياها والمجرمين من الأطباء في عيادات خاصة ومشاف ذات درجات : حكومية وأهلية، وثمة مشاف، تتطلب الليلة الواحدة أكثر من راتب مقيم أو لاجىء مفلوج في روحه ودماغه، أكثر من ” 500 ” دولار .
ولا يهم ما إذا كانت المعالجة دقيقة أم لا، المهم أن هناك سمسرة، وعلى أعلى مستوى تتم جهة المتاجرة بأرواح أناس تطحنهم الحياة، وعاجزين عن تأمين قوتهم اليومي أحياناً، وحين يسلّمون أرواحهم بين يدي هذا الطبيب أو الطبيبة، أملاً في تخفيف الألم وبغية الشفاء، إذا بالعلاقة تنقلب إلى كمين منصوب لهذا المريض وأهله أحياناً، من قبل علاقات شللية، ربما تثقِل عليه وعلى أهله بالديون التي يعجزون عن سدَادها لزمن طويل.
إن مجرد الحديث عن الطب، يتطلب كل ما هو مرتبط بالأخلاق وحس المسئولية، ومما لا شك فيه أن مجتمعاً يخلو من رقابة مؤسساتية، كما هي رقابة الصحة القائمة على المطاعم وغيرها، وبشكل مضاعف، يعني التمهيد لنشوء مجتمع أقل ما يمكن القول فيه بأنه منخور من الداخل.
هل دخلنا في الشأن السياسي؟ إذا كان الحديث عن متطلبات الطب سياسة، فلأكن أول سياسي يتحدث في هذا المضمار، ويعرّي ” عصابة ” الطب، أنّى كان موقعها ومهما كان وزنها.
دهوك
في 29-8-2017 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…