أحمــــــد قاســـــــم
فجأة كل شيء تغير مع إعلان رئيس إقليم
كردستان مسعود البرزاني عن قرار إجراء إستفتاء في الإقليم ليقرر شعب الإقليم عن
مصيره بعد وصول الشراكة بين بغداد وإقليم إلى طريق مسدود.
كردستان مسعود البرزاني عن قرار إجراء إستفتاء في الإقليم ليقرر شعب الإقليم عن
مصيره بعد وصول الشراكة بين بغداد وإقليم إلى طريق مسدود.
حقيقة ووفق قرائتي
للواقع وأنا شاهد على الكثير من المواقف الخلافية بين أربيل وبغداد, كنت متخوفاً
من تلك الشراكة المفروضة على الجانب الكردي, وذلك نتيجة لمواقف الدول الإقليمية
وخاصة (تلك التي تقسمت كردستان فيما بينها) من القضية الكردية بشكل عام, وفي الجزء
الجنوبي ( كردستان عراق ) بشكل خاص.
لاأتعمق في تاريخ النضال الكردي وسعيه إلى الحرية وتقرير المصير, ولكن الثابت فيه يجب أن نتذكر بأنه ” ومع إنهيار الدولة العثمانية ومخرجات إتفاقية سايكس بيكو, كان الكرد بالضد من تلك الإتفاقية وناهضت تنفيذها, إلا أن شعوب تلك الدويلات الناشئة وفقاً للإتفاقية وملحقاتها كانت أداة تنفيذ الإتفاقية بالتعاون والتنسيق مع الدول الكبرى ( فرنسا وبريطانيا ) ومع ذلك لم تخمد جزوة النضال الكردي طوال مائة عام وهو يسعى إلى الحرية وإقامة دولته على أرضه التاريخية “. لكنه, وتماشياً مع الظروف الدولية بعد إنسحاب جيوش الإستعمار من المنطقة ( سوريا والعراق ) مع نهاية الحرب العالمية الثانية تغيرت رؤية ومفهوم الحركة الكردية تجاه سعيه إلى الإستقلال, نتيجة للتعاون الحقيقي بين شعوب المنطقة ( والكرد في مقدمتهم ) في إعلان الثورات والإنتفاضات ضد الإستعمارين الإنكليزي والفرنسي, وبالتالي, ترسخت فكرة العيش المشترك مع شعوب المنطقة في ظل نظام ديمقراطي دستوري يراعي ويحافظ على حقوق كل شعب ضمن حدود البلاد.. ” هذا على الأقل في كل من كردستان العراق وسوريا “.. أما كوردستان تركيا كانت مختلفة في حقيقة الأمر عن باقي الأجزاء. وبالتالي, كان النضال الكردي في سوريا والعراق وكذلك في إيران ينحصر من أجل الديمقراطية للبلاد والحكم الذاتي للكرد في مناطقه الكردستانية.
طوال فترة الإستقلال إلى اليوم لم تنعم شعوب المنطقة بنظام ديمقراطي يراعي حقوق الإنسان, بل أبتليت بأنظمة دكتاتورية ظالمة ( عادلة في ظلمها تجاه شعوبها وبالزائد أكثر صبت ظلمها وبأكثر عنفية ضد الوجود الكردي وارتكبت بحقه مجازر قلت نظيراتها في العالم, وخصوصاً في كردستان العراق في الربع الأخير من القرن الماضي).
لكنه, وبعد سقوط الدكتاتورية في العراق عام 2003 على يد الولايات المتحدة الأمريكية, شعر الشعب الكردي وقادة حركته التحررية بأن شمس الحرية قد أشرقت, فالتجأت القيادة إلى بغداد لمشاركة وضع الأسس السليمة للبلاد مع شركائهم من المعارضة ( التي قد إتفقت مع الكرد على مستقبل العراق قبل سقوط الدكتاتورية في مؤتمر لندن وبعده في صلاح الدين على أساس فيدرالي ), وبالتالي, وبشكل سلس تم مناقشة مستقبل العراق مع الموفد الأمريكي ( بريمر ) وإعتماد الفيدرالية كنظام لكل العراق وليست فقط للكرد وحده, وعلى أساسه تم صياغة الدستور والتصويت عليه عام 2005.
في حينه, طالبت شيعة العراق بإقليم فيدرالي في الجنوب, إلا أن السنة رفضت هذا الطلب كون المناطق الشيعية غنية بالثروات من البترول والغاز, علماً بأن الدستور يؤكد على أن الثروات الطبيعية وخاصة من الغاز والبترول ستوزع على كل المحافظات العراقية بشكل عادل إعتماداً على عدد سكانها.. لكن يبدو أن العداوة بين الفريقين كانت تتجاوز الثروات, وبالتالي بدأت الأعمال العنفية بعد التصويت على الدستور وتشكيل الحكومة المؤقتة للذهاب إلى الإنتخابات التشريعية.. هذا, ويستوجب ذكره أيضاً, أن هناك مناطق تم فيها في عهد النظام السابق التغيير الديمغرافي والتهجير القسري من المكون الكردي والتركي والشيعي, فلقد تم التأكيد على معالجتها دستورياً بحدود المادة 140 من الدستور.. إلا أن ومع الأسف الشديد حاول المكونين الشيعي والسني وقسم من التركمان تعطيل المادة, وكان من الواجب أن يتم تنفيذها مع نهاية عام 2007, لكن وحتى اليوم لم يتم تنفيذها من جهة, ومن جهة أخرى, أن الخلافات العميقىة بين الشيعة والسنة والتدخل الدولي الإقليمي في الشأن العراقي مع تصدير الإرهابيين إليها حالت دون إستقرار العراق أمنياً, وبالتالي سحبت ذلك على الجوانب الأخرى من الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية, وأن الإرهاب ومنذ عام 2005 إلى اليوم هو من يتحكم بمصير العراق ( والنظام الإيراني خلف كل ذلك كونه متمسك بمصير الشيعة وهي الغالبية من المسلمين العرب في العراق).
المقرر أن تكون حصة إقليم كردستان من الميزانية العامة 17% من الواردات, ولكن المعدل الذي كان يحصل عليها الإقليم لاتتجاوز 11%. وهذا المبلغ كان يُدفع على شكل اقساط شهرية للإقليم وكان من المقرر أن تدفع رواتب البيشمركة من ميزانية وزارة الدفاع كون البيشمركة من مرتبات الجيش العراق قسم الحرس الوطني حسب الدستور, إلا أن ذلك لم يتم.. وإضافة إلى الكثير من التعقيدات والمعوقات التي تراكمت طوال هذه السنين, لكن الأكثر خطورة والتي صفعت بالمشاركة هي خروج ( تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ” داعش ” ) وسيطرتها على مدينة موصل بمؤامرة مكشوفة من المالكي لخلط الأوراق وتهيئة ظروف لتمرير السياسة الإيرانية في العراق وسوريا وكذلك الحفاظ على النظام السوري الذي أخذ الطابع ( العلوي ) بعد إعلان الثورة في سوريا عام 2011.
أعتقد أن ظهور ” داعش ” كانت بمثابة قطع كل الخيوط بين إقليم كردستان وبغداد, لأنها كلفت العراق مئات المليارات من الدولارات عوضاً عن الترسانة من الأسلحة التي حصلت عليها ” داعش ” نتيجة سيطرتها على الموصل, بالإضافة إلى التدمير الذي أوصلت بالعراق والموصل, مما أوصلت بالعراق إلى حالة لايمكن تجاوزها بسهولة, ولا شك أن ذلك كان له أثر كبير على الإقتصاد العراقي من جهة, ومن جهة على الجيش العراقي الذي فقد ثقته بقيادته.. كل ذلك من جهة, ومن جهة أخرى, تشكيل قوات الحشد من الشيعة وإعتبارها جزءاً من القوات العراقية ليتم صرف مرتباتها وتمويلها من ميزانية القيادة العامة للجيش العراقي أثار ذلك الجانب الكردي الذي رفض بشكل قاطع أن تكون قوات الحشد من مرتبات الجيش العراقي.. كل ذلك يجري خارج القانون والدستور العراقي, والذي أكد عليه رئيس إقليم كردستان على أن الحكومات العراقية المتعاقبة قد خرقت 55 مادة من الدستور العراقي, يعني ذلك بأن الدستور لم يبقى له أي إعتبار, وخصوصاً هناك من يؤكد على أن المادة 140 من الدستور قد فقدت مشروعيتها كونها تجاوزت المدة القانونية ( أي نهاية 2007) من دون أن يبينوا سبب تعطيل المادة, وهذا يؤكد على أن إعتمادها بالأساس كان بمثابة مسايرة في حينها مع التأكيد الضمني على تعطيلها لاحقاً, وهذا ما جرى فيما بعد, إلى جانب تمسك الكرد بالمادة والمطالبة بشكل دائم على تطبيقها, وتم تشكيل لجنة برلمانية للمتابعة والتنفيذ مع تحديد الميزانية, إلا أن رئاسة الوزراء لم يوقع على أمر صرفها.
ومؤخراً ومنذ أكثر من عامين تم قطع على الإقليم حصته من الميزانية بحجة أن الإقليم يستخرج البترول ولم يقدم لبغداد كشوفات وارداته من المداخل الحدودية والمطارات وكذلك عن المواد التي تدخل إلى الإقليم, يعني ذلك, بأن بغداد تحاول شيئاً فشيئاً خنق الإقليم والعودة به إلى عصر الإستبداد ” كل ذلك بإيحاء من النظام الإيراني لكي لايتطور الإقليم خوفاً من الوصول إلى حدود إعلان الدولة!!!”.
ولما كان الحوار بين بغداد وهولير قد وصل إلى طريق مسدود, ودخول الإقليم إلى أزمة مستفحلة جراء رفض بغداد إعطاء حصته من الميزانية إلى جانب عدم وفيه بإلتزاماته تجاه هولير, شكلت سخطاً جماهيرياً كبيراً في كردستان. وأن عدم دفع الرواتب للعاملين في سلك الحكومة ودوائرها خلق نوع من الإحباط لدى الشعب تجاه بغداد. ويبدو كان لابد من أن تبحث قيادة الإقليم على مخرج للخروج من هذه الدائرة الخانقة..
وبعد التشاور مع الأحزاب الرئيسة في الحكومة في إقليم كردستان أقرت القيادة اللجوء إلى الشعب ليقرر هو مصيره إما البقاء مع العراق وتحمل تبعاتها المختلفة أو الإنفصال عنها ليدير مصيره بنفسه والإعتماد على الذات, كون ذلك من حق كل الشعوب في القوانين الوضعية, وكذلك حقه حسب لائحة حقوق الشعوب التي إعتمدتها الأمم المتحدة, ـ هذا إن لم نأخذ الدستور العراقي بعين الإعتبار, وهو بحد ذاته يجيب على ذلك بالقبول لطالما بغداد لم توفي بإلتزاماتها الدستورية تجاه الإقليم ( وكون النظام العراقي نظام إتحادي فيدرالي إختياري )ـ .
ومع إعلان رئاسة الإقليم عن قرار الإستفتاء وتحديد موعد إجرائه في 2592017 تحركت الدول الإقليمية كالعاصفة, تاركة ورائها كل خلافاتها العميقة والمصيرية للضغط على رئاسة الإقليم بالعودة عن القرار وإلغائه بحجة أن الظروف لاتسمح بإجراء إستفتاء من أجل الإستقلال ( من دون إنتظار النتائج ), وأن المنطقة تعاني من الإرهاب فهي لاتتحمل أزمات أخرى على حسب وصفهم. حيث وللمرة الأولى تزور رئاسة أركان الجيش الإيراني إلى تركيا للتشاور بهذا الخصوص وإقامة تنسيق أمني على أعلى المستويات في مواجهة أي تطور قد يحصل في أي جزء من أجزاء كردستان, بينما كانت الدولتان في حالة الصراع الحاد على خلفية الأزمة في سوريا, وكانت تركيا تقيم علاقات جيدة مع إقليم كردستان العراق الذي يشكل البوابة الطبيعية للتجارة التركية في العراق وصولاً إلى الخليج.
ومع تأكيد رئاسة الإقليم على أن الإستفتاء لايعني أننا سنذهب إلى الإستقلال إن أتت النتائج لصالحه, وسنتابع أسلوب الحوار مع بغداد إن وجدنا فيه بصيص من الأمل لحل الخلافات, وأن الإستقلال إن كان لابد منه نسعى إليه من دون أن نؤثر على إستقرار المنطقة وأمنه, وسنكون العنصر الإيجابي للحفاظ على أمن المنطقة ومصالح دولها.
إلا أن كل ذلك لم يؤخذ بالإعتبار عند البعض, بغداد أولاً ومن ثم إيران التي بدأت تهدد الإقليم وتحريضها لتركيا ضد الإقليم لقطع العلاقات.
وأعتقد أن ما يتناوله الإعلام مؤخراً حول إختطاف مجموعة من الأمن التركي التي كانت تلاحق جميل بايق في سليمانية بكردستان العراق لإختطافه أثناء مراجعته لإحدى مشافي سليمانية أوإغتياله, إنها عملية مدبرة من إطلاعات ( مخابرات ) إيرانية لعبت دوراً مزدوجاً في هذا الوقت الحرج لتحريض تركيا ضد الإقليم أمنياً وسياسياً وإقتصادياً.
ومع كل ذلك, يبدو أن قيادة الإقليم قد درست بشكل دقيق مواقف الدول الإقليمية والدولية, وإنها سوف لن تتراجع عن تنفيذ القرار.. وأقول في هذا الشأن, فمن الدول التي ترى بأن الظروف غير ناضجة لإجراء إستفتاء والخوف من أن تنشب حروب أهلية, فلماذا الضغط على إتجاه واحد وهو الإقليم من دون ممارسة أي ضغط على بغداد لتنفيذ ما تقع عليها من الإستحقاقات والإلتزامات تجاه الإقليم. أعتقد أن التوافق بين تلك الدول وخاصة الجوار العراقي يعود بنا إلى زمن الإستبداد وعهود الحرب الباردة, لكن الظروف ليست بتلك الظروف, وأن الكرد قد جاوز المرحلة وهو بدا يشكل رقماً في المنطقة من الصعب تجاوزه وممارسة الإضطهاد عليه أو إعلان الحرب عليه.
25/8/2017