جان كورد
إن اشتداد لهجة وحملة الهجوم على مطلب “الفيدرالية الكوردية” في سوريا، ومنها تصريحات السيد أسعد الزعبي الوقحة فعلاً بزعمه أن هذا المطلب “مؤامرة إسرائيلية”، له سبب ربما يجهله بعض فطاحل السياسيين الكورد، ونقولها بصراحة: لأن هذا المطلب الذي يطمح إليه شعبنا مرغوب ومدعوم من قبل أصدقائه في العالم الحر الديموقراطي، على مختلف المستويات، وبات العمل له في بدايته ولابد أن يثمر بتعاون وتضافر الكورد أنفسهم في هذا السبيل.
ولقد اتضح للعنصريين العرب في سوريا والعراق أن كلا البلدين يعتبران دولياً من البلدان الفاشلة، وعليه يجب إحراز نصرٍ نهائي على قوى الإرهاب التكفيري في المنطقة عموماً عن طريق دعم العاملين فعلاً وبثقةٍ عظيمة في هذا المجال، والكورد في البلدين في مقدمة الذين يحظون باحترام الديموقراطيين، وهم موضع ثقة كل المناضلين من أجل شرق أوسطٍ مستقر وآمن، تتعايش فيه شعوبها، جنباً إلى جنب، في تعاون مثمر ومفيد للجميع من دون استثناء.
خلال السنوات القليلة الماضية قام بعض الكورد المخلصين لشعبهم والمترفعين عن التحزب الأعمى والنظرة الضيقة للقضايا بالعمل الجاد لاقناع الأصدقاء في العالم بضرورة حصول الكورد في غرب كوردستان على “فيدرالية” خاصة بهم، وتحويلها من خلال الكفاح المستمر إلى حديقة مورقة ووارفة الظلال لكل محبي الحرية والسلام، واتصل هؤلاء الكورد الذين ربما لا يكترث أحد من قياداتنا بوجودهم مع مختلف الشخصيات القيادية في الحركة الوطنية الكوردية، على الرغم من نزاعاتها السياسية وتضارب مصالحها الحزبية، وذلك على أمل بناء ممثلية مشتركة قادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي، داخل الهيئات الدبلوماسية وفي الإعلام العام العالمي، وذلك على أساس فكرة تحويل غرب كوردستان إلى “منطقة آمنة” لكل من فيها من المواطنين ولكل اللاجئين إليها بسبب ظروف الحرب السورية المدمرة.
ورغم كل الجهود المبذولة، فقد ضرب كل طرفٍ كوردي الطرف الآخر متهماً إياه بشتى التهم التي يجب ألا تعرقل العمل لصالح الشعب الذي يأمل من قياداته الترفع عن الأخطاء والخلافات الجانبية، واعتقد البعض أن كل ما يجري على الصعيد السياسي الدولي يجب أن يكون بأمرته وتحت رايته الحزبية، وهذا دليل صارخ على التخلف والنزعة التسلطية غير الموضوعية وغير العقلانية.
معلوم أن ما تسعى إليه إيران في سوريا هو الإبقاء على سلطة العائلة الأسدية أو أي عائلة أخرى خاضعة لسياستها العامة، الطائفية والمعادية لشعبنا الكوردي، ولذا فالذي يراهن على الدعم الإيراني يخدع نفسه، وعليه أن يعلم بأن أصدقاء شعبنا في العالم يرفضون رفضا قاطعا أن يصبح الكورد أداة إيرانية في المنطقة، فإيران في نظرهم دولة راعية للإرهاب، يجب عدم دعمها أو العمل لديها كمرتزقة.
كما هو معلوم أن العرب لازالوا يعتبرن القضية الفلسطينية “قضيتهم المركزية”، رغم حروبهم المدمرة وصراعاتهم الدموية في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، ومن العرب من يسيطر بشكلٍ أو بآخر على “المعارضة السورية” أو على قسمٍ هائلٍ منها، والعرب يختلفون على كل شيء، ومنهم من هو مستعد للتنازل عن الجولان السوري، إلا أنه غير مستعد لقبول أن تكون للكورد “فيدرالية”، لا في العراق ولا في سوريا، لذا من الخطأ والوهم الانخداع ببعض التصريحات التي يطبقها بعض المعارضين السوريين بصدد الحق القومي الكوردي، لأن زملاء هؤلاء البعض سيتنكرون لذلك في اليوم التالي، ولقد مضت سبع سنوات على الثورة السورية وما قبلها من حوارات مع الفصائل والشخصيات السورية “الديموقراطية” و”المعتدلة دينيا!!!”، فلم تتمكن الحركة الكوردية من اقناعها بتثبيت الحق القومي الكوردي في برامجها بشكل مقنع، ولدينا معلومات مؤكدة بأن أحد فصائل هذه المعارضة السورية “العربية” قد اتصل بجهات اسرائيلية بهدف كسب رضاها وتفضيلها على الفصائل الأخرى، فلما دار الحديث عن “الفيدرالية الكوردية” في سوريا، أكد هذا الفصيل على أنه مستعد للتنازل عن الجولان إلا أنه يرفض الفيدرالية أو الحكم الذاتي للكورد ولن يسمح بذلك حال وصوله إلى السلطة في دمشق.
أما عن تركيا الداعمة لائتلاف قوى المعارضة والثورة السورية، فحدث ولا حرج بصدد موقفها حيال الحق القومي الكوردي، ليس في سوريا فحسب، وإنما على سطح المريخ أيضا. وكل المهتمين بالسياسة السورية والكوردية يعلمون جيداً ماذا قال المسؤولون الأتراك في الشهور الماضية وما موقفهم تجاه “وحدات حماية الشعب” و”قوات سوريا الديموقراطية” مما يمكن اعتباره عداءً سافراً لأي مشروع قومي لشعبنا في غرب كوردستان. رغم أن هذه الوحدات ترفض تسميتها ب”الكوردية” وليس لها برنامج قومي كوردي، وباعتبار أن تركيا تؤثر بقوة في سياسات الائتلاف السوري الذي يشكل المجلس الوطني الكوردي جزءاً منه، فإن الآمال المعقودة على أن تدعم الحكومة التركية المجلس في سعيه لنيل حقنا القومي في سوريا مثل سرابٍ بقيعة.
الأصدقاء في العالم الحر الديموقراطي، وهم واثقون من أن الكورد مخلصون في كفاحهم من أجل الحرية والسلام والاستقرار والأمن والحياة الديموقراطية، يريدون منا التحدث إليهم بلغة بسيطة ولكن على فم “ممثلية موحدة” مثلما فرضوا ذلك على الأحزاب السياسية في جنوب كوردستان، بغض النظر عن خلافاتنا الحزبية والفكرية والسياسية، وهم يؤكدون على أن المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على استعداد لتقبل فكرة تحويل غرب كوردستان إلى منطقة متطورة ومزدهرة مثل دول الخليج العربي/ الفارسي، ويقولون بصراحة: “لا تطنبوا في الكلام عمن هو أشد ديموقراطية وحداثة منكم، وإنما حدثونا بلغة واحدة وبلسان واحد، وقولوا : نحن كورد نريد العيش معاً ونناضل من أجل فيدرالية قومية لنا في سوريا”. هذا يجب أن يكون واضحاً لكل قياداتنا وزعمائنا.
أعتقد أن موضوع “الفيدرالية” سيزيد من استقرار سوريا مستقبلاً، وقد تتحوّل المنطقة الشمالية من سوريا بسبب ترسيخها إلى قاعدة متينة لاقتصادٍ مزدهر يؤثر إيجابياً في كل البلاد، والذين هم أعداء للحرية والديموقراطية، من عنصريين وتكفيريين وإرهابيين ودكتاتوريين وطائفيين، لا يمكن أن يؤيدوا النظام الفيدرالي أو المسار الديموقراطي الصحيح في سوريا. وعلينا ألا ننخدع بالتحالفات الوهمية الشكلية التي ليس فيها ثمرة لشعبنا الذي تعرّض للخداع عبر التاريخ مراراً.
فهل يضغط شعبنا على قيادات أحزابه لدفعها مرغمةً إلى بناء “ممثلية مشتركة” متوافقة على الحد الأدنى مما يطلبه هذا الشعب؟
29 آذار، 2017