أحمـــــــد قاســــــــم
أمريكا في عُهْدة تـــرامب ” هكذا هي السياسة.. علم الأرقام أهم من علم البلاغة, لأن الشعوب اليوم تحتاج إلى مزيد من الأمن, مزيد من الإستقرار, ومزيد من الرفاهية. وبالتالي, من واجب الأنظمة والطبقة السياسية التي تطمح للحكم عليها أن تتعلم على إستعمال لغة الأرقام, لأن زمن علم البلاغة قد ولى في دنيا المصالح. وأن المصالح لا تتحقق إلا مع رضاء الشعوب عن حكامها.
أعتقد أن ملخص ما أدلى به الرئيس الأمريكي الجديد ( دونالد ترامب ) هو مرحلة تحول جديدة للسياسة الأمريكية تجاه العالم من دون أن يشير إلى التفاصيل, وبعيداً عن علم البلاغة التي تعودنا عليها من قبل, حيث كانت “الخطب” من صناعة أهل البلاغة وعلوم اللسانيات التي كانت تحاكي العاطفة وتهيج الإنسان نحو إلتصاقه بـ(القائد) ويلزم الرئيس بنصوص تم تصنيعها بحنكة وجمال من خلال ترتيب جمل على لوحة تستحق تعليقها على صدر صالونات الإستقبال.
( ترامب ) الذي جاء من وسط لايعترف إلا بلغة (الجمع والطرح والضرب والتقسيم) لغة ( لوغاريتما الحسابية ) إستغنى عن مستشارين له ليعلمونه تلك اللغة المعتادة ويكتبون له خطاباً أو نصاً يتم حفظه لإلقائه على الشعب, لكنه وبهذه اللغة المعقدة من الحسابات خاطب الأمريكيين جميعاً دون تفريق, وذلك من خلال كلمات وكأنه يوزع الثروة من المداخيل الأمريكية على الأمريكيين, وخاصة الطبقة الوسطى والطبقة العاملة, منتقداً في كلماته الطبقة السياسية التي كانت تهتم بمصالحها من دون الإلتفات إلى مصالح عامة الأمريكيين ( حسب قوله ).
لقد حدد المصلحة الأمريكية من خلال تحقيق مصالح الأمريكيين, وكذلك تلك المصالح التي تتقاطع مع دول وشعوب العالم. لم يهدد أحداً من الدول, بل شدد على حسن العلاقات وفقاً لتحقيق المصلحة الأمريكية, وليست على حساب ” مصلحة الآخرين “. كان هذا لافتاً في كلماته. والجديد أيضاً, هو تأكيده على مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية تجاه العالم, وذلك من خلال تعامله مع المتغيرات على مستوى العالم, ولا يمكن أن يتعامل مع حدث خارج إطار المصلحة الأمريكية, عندما قال ( لقد أثريتم العالم على حساب تدني مستوى المعيشة للأمريكيين ) مشيراً في ذلك للطبقة السياسية الحاكمة لما قبله. مع تأكيده على أنه سيعمل كل ما بوسعه القضاء على الإرهاب عن وجه الأرض, لطالما أن الإرهاب يهدد مستقبل الأمريكيين ويهدد أمنهم وإستقرارهم. لم يشير في كلامه على أمن إسرائيل, وكذلك كل الأحداث والأزمات في الشرق الأوسط والبقاع الأخرى من العالم. عنون خطابه ( بأنه سيجعل من أمريكا دولة عظيمة, وسيوحد الأمريكيين ويجعلهم أثرياء ). هذا هو منطقه في السياسة. عالم المال هو من يحكم ويقود العالم, وهو الذي يُكَوِنُ القوة ويغير معالم الحياة . لكن عندما نقرأ بين السطور, سنرى تفاصيل مذهلة في نتائج جمع أرقامه. إن تقاربه مع العالم من منطلق المصلحة الأمريكية إشارة واضحة على أنه سيحاول إستثمار كل شاردة وواردة تتغير وتتحرك على هذه البسيطة. وسينافس الآخرين من خلال تقديم عروض وكسب أوسع مساحة من مناطق الإستثمار في العالم من دون إبراز القوة. يكتفي باستعمال تحريك الأموال بدلاً من تحريك قواته العسكرية. حرب البنوك والبورصة أهم من حرب النجوم لديه. وهذا لن يكون متاحاً إلا مع الإستقرار العالمي. والإستقرار لن يكون متاحاً في عالم يهدده الإرهاب. والإرهاب لا يمكن القضاء عليه لطالما هناك أنظمة تمول الإرهاب من أجل إستمرارها في السلطة وهي تنهب لقمة عيش الناس وتجعل من شعوبها بائسين مضطهدين محرومين من أبسط الحقوق.. أعتقد أن كلمة القضاء على الإرهاب عن ( وجه الأرض ) أكبر من المرور على كل التفاصيل التي تخص الأزمات في كل بقاع العالم. وأن توحيد الأمريكيين يهدف إلى توحيد القوة والقرار لمواجهة أخطر المخاطر التي تعاني منها الشعوب, وبالتالي تشكل أكبر عائق أمام سلاسة تحريك المصالح من خلال تحريك الأموال بين ” شعوبٍ تتمزق بين الموت قتلاً وجوعاً وتهجيراً في بلدانهم التي تعاني من أنظمة تحكم كالمافيات “. أعتقد أن المرحلة القادمة ستحمل معها شكلاً وأسلوباً جديداً من التعامل والتعاطي بين الدول الكبرى أولاً وتقاربها مع الأزمات والأحداث بصورة أخرى مختلفة لطالما أن تلك الدول ذاتها كانت تستثمر الأزمات لتحقيق مصالحها من خلال الحفاظ على تلك الأنظمة ولتكون حراساً أمناء لتلك المصالح, مما أنتجت ما أنتجت من بؤرة صانعة للإرهاب بصورة أو بأخرى نتيجة معاناة الشعوب من ظلم حكامها وإنسداد آفاق الحرية لطالما كل أسباب القوة تمتلكها الأنظمة وكل معاني الضعف تمتلكها الشعوب, فإن عرضنا ذلك لآلة الأرقام لرأينا أن الشعوب وقوداً لثراء الأنظمة. فأي إستقرار دولي وأمن دولي وإستثمار دولي سيحصل وسط رعب خلقته الأنظمة الدكتاتورية, والتي سببت في إنتعاش بذور الإرهاب لدى شعوبها, وبالنتيجة يكون العالم بأسره مهدداً من قوى الإرهاب التي تعاظمت مع إنتهاء الحرب الباردة؟ فلننتظر جدول الأرقام الحسابية للسياسة الأمريكية الجديدة التي ستغير من طريقة تعاملها مع مجمل الأزمات في العالم بعيداً عن لغة البلاغة التي كانت تُخْدِع وتُخَدِرُ العالم بالعهود والوعود. والشيء الثابت الذي أعتقده هو أنه من واجب الشعوب أيضاً أن يتعلم هذا النوع الجديد من العلم في السياسة وقراءتها ” للوغاريتما ” ( أي علم الأرقام ) ليتخلص من واقعه المؤلم والمأساوي, ويبتعد عن مفاهيم تربى عليها ” تلك التي تحاكي الروح والعاطفة والبراءة والإنسانية ” التي لا تجمع رقمين ولا تضربهما ببعضهما البعض, وبالتالي لا تنتج غير الكثير من ( هواء الشهيق والزفير ) أي المزيد من الحسرات.
21/1/2017