أحمد حسن
Ahmed.hesen.714@gmail.com
(( ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف في البرلمان، ولكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا ))… إدموند بيرك مفكر سياسي إيرلندي
منذ نشأة الخليقة ووجود الإنسان ومعرفته اللغة والكلام ظهرت عنده الحاجة لتبادل وتداول الأفكار والأعمال لأن الطبيعة الاجتماعية تجعله يفكر ويهتم بما يدور في فلكه وما حوله , فهو كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزله فكان لابد له من ايجاد طرق ووسائل للتعبير عن أفكاره وآلامه وآماله واحتياجاته ورغباته , فكانت النقوش الحجرية ومن ثم الكتابة على أوراق البردي ضربا من ضروب الصحافة في العصور القديمة.
الصحافة هي وسيلة من وسائل الحصول على العلم والمعرفة والثقافة, وهي نتاج تطور العقل البشري على مر الزمن ,ومرآة تعكس الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لذلك الشعب , وتطور الصحافة في بلد ما يرتبط ارتباطا وثيقا بالتطور الديمقراطي وحرية الرأي في ذاك البلد وإحدى العوامل الهامة التي تؤثر في الرأي العام , فالشعوب المتطورة والتي تملك ارثا حضاريا انسانيا ديمقراطيا تملك صحافة متطورة ومنفتحة وتلعب دور السلطة الرابعة بتأثيرها على كافة مفاصل الحياة والصحف هي رسائل خالدة كما وصفها الكاتب الروسي تولستوي لا سيما تلك الصحف التي تلتزم الميثاق الصحفي حيث الأمانة والأخلاق والاحترام والتعددية واحترام المهنة.
ويذكر أن الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر عقب توليه السلطة في عام ( 58 ق . م ) أصدر أول الصحف في أوروبا هي ( سجل أخبار الشعب ) حيث تنشر أخبار جلسات مجلس الشيوخ. ومن ثم مرت الصحافة عبر تاريخها الطويل بسلسلة من التطورات من اختراع ( يوحنا جوتنبرج ) الألماني للحروف المعدنية المنفصلة ( آلة الطباعة ) في منتصف القرن الخامس عشر وطباعته أول كتاب باللغة اللاتينية ( الإنجيل ) بين عامي ( 1452 – 1455 ) الى اختراع التلغراف عام 1837 ، على يد، ف. بي. مورس؛ فكان بمثابة ثورة في عالم الاتصال، غيرت وجه الفن الصحفي ومن ثم اختراع التليفون في عام 1875 على يد ألكسندر غراهام بيل فكان بمثابة دفعة قوية للفن الصحفي وجاء اختراع الراديو على يد ( ماركوني 1896 ) كأخطر ثورة في ذلك الزمن كوسيلة لاسلكية للاتصال
ومن ثم تتالت الاختراعات المتطورة في التواصل والاتصالات ما يخدم الصحافة من تلفزيون وانترنت والهواتف الخليوية النقالة …..الخ .
تعد فرنسا أول دولة أصدرت صحيفة رسمية، فعندما تولى ريشليو السلطة كلف تيوفراست رينودو بإصدار الصحيفة وفي عام 1631 أصدر صحيفة رينودو الجازيت،وعرفت باسم جازيت دي فرانس كما ظهرت الصحيفة اليومية الأولى عام 1777 باسم جورنال دي باريس وحذت معظم دول أوروبا حذو فرنسا فأنشأت صحفا رسمية.
وفي بريطانيا تمتعت الصحافة بالحرية ولم تخضع للرقابة منذ عام 1695 وظهرت أول صحيفة إنجليزية يومية عام 1702 باسم الدايلي كورانت. وفي أمريكا ظهرت أول صحيفة عام 1690 في بوسطن وهي صحيفة ذي بابليك أوكورنس .
والصحافة العربية بدأت في عام 1816 حينما اصدر الوالي داوود باشا أول جريدة عربية في بغداد اسمها جورنال عراق، باللغتين العربية والتركية . والأتراك أصدروا أول جريدة تركية في عام 1832 باسم (تقويم وقايع) وأصدر الفرس جريدتهم الأولى عام 1851 باسم (كاغز أخبار) .
أما الكورد فتأخروا عن انشاء صحافتهم مقارنة مع الشعوب المتعايشة معها ( العرب – الترك – الفرس ) لأسباب عديدة منها أن كوردستان كانت محتلة من قبل الفرس والعثمانيين وعدم وجود الاستقرار نتيجة الاضطرابات والانتفاضات المستمرة وعدم وجود الحريات والديمقراطية وتدني العلم والتعليم وتفشي الجهل وفقدان الوعي الثقافي والسياسي والقومي وضعف الامكانيات الاقتصادية ….الخ
لكن بعد سقوط الامارات الكوردية وفشل الانتفاضات والحركات التحررية للشعب الكوردي في كوردستان تركيا في القرن التاسع عشر وعلى رأسهم ( البدرخانيين – الشيخ عبيدالله النهري ) وازدياد الاضطهاد والضغط العثماني داخل الامبراطورية أدى الى تهجير معظم المثقفين والوطنيين والشعراء والكتاب والمفكرين الى أوروبا ودول الجوار والمنطقة وعلى رأسهم البدرخانيين الذين استقروا قسم منهم في مصر ( القاهرة ) ونتيجة تنامي الشعور القومي لديهم وشعورهم بالغبن والاهانة والاضطهاد القومي كشعب عانى الأمرين من السلطنة العثمانية ومن باب الواجب القومي والانساني أدرك ( مقداد مدحت بدرخان ) أهمية الكلمة والقلم والصحافة كسلاح فعال في المعركة النضالية لحض الشعب الكوردي على النضال من أجل حقوقه واستقلال كوردستان من جهة وايضاح وفضح الظلم والجور الذي يلحق بالشعب الكوردي من جهة ثانية وتعريف العالم بقضية الشعب الكوردي وكسب الأصدقاء والحلفاء من جهة أخرى . وكانت الأرضية ملائمة للصحافة في القاهرة حيث بعدها عن مركز السلطنة العثمانية والتواجد البريطاني وأصداء كبيرة للصحافة المصرية كذلك وجود مطابع ضخمة وكبيرة كل ذلك أدى بالفاضل ( مقداد مدحت بدرخان ) الى اصدار أول جريدة كوردية ( كوردستان ) وذلك في 22 نيسان عام 1898 ويعتبر صدور جريدة ( كوردستان ) منعطف تاريخي ونقطة تحول جوهرية في تاريخ الصحافة الكوردية بل في النضال التحرري الكوردي وكانت محطة مضيئة في التاريخ الكوردي وتعبير عن رقي وازهار الوعي الكوردي القومي والثقافي والسياسي والاجتماعي واللغوي .
انها جريدة ( كوردستان ) أول جريدة كوردية مستقلة تصدر باللغة الكوردية ( اللهجة الكورمانجية ) وبالأحرف العربية طبعت في القاهرة في مطبعة ( دار الهلال ). اختار مقداد مدحت بدرخان اسم ( كوردستان ) لصحيفته تيمنا باسم الوطن كوردستان من جهة ومن ثم ارسال رسالة الى الشعب الكوردي في كل كوردستان لإغناء وايقاظ الشعور القومي لديهم والارتقاء بهم علما وثقافة ولغة وفضيلة . فكانت الانطلاقة الأولى للصحافة والكلمة الكوردية نحو المسيرة النضالية للشعب الكوردي ونقطة ارتكاز للحركة التحررية الكوردية وكانت الزهرة الأولى في حديقة الثقافة والمعرفة الكوردية .
أنشأت جريدة كوردستان كجريدة مستقلة عامة لكل الشعب الكوردي لنشر العلم والوعي والثقافة بين أبناء شعبه وبلورة مفهوم الديمقراطية فأنتجت ثقافة قومية ديمقراطية انسانية تهم كافة شرائح المجتمع فغدت منهلا للعلوم واللغة والأدب والتاريخ وبدت كأنها تمثل وتعبر عن مكنونات كل كوردي وأنها لسان حاله . استطاعت جريدة كوردستان لم شمل الشعب الكوردي على روح واحدة مفادها رفض الظلم والاضطهاد والاحتلال والارتقاء بالشعور القومي ببعده الديمقراطي الانساني والاهتمام بالعلم والمعرفة والثقافة والتفاعل مع النتاجات الفكرية والعلمية والثقافية العالمية والاقليمية . فكانت جريدة كوردستان بحق ثورة في عالم الصحافة الكوردية لكن الآن وبعد هذا الكم الهائل من الصحف والجرائد والمجلات الكوردية والمواقع الالكترونية والفضائيات والانترنت وكل الوسائل التكنولوجية المتطورة والحديثة أين هي الصحافة الكوردية من الصحافة العالمية والاقليمية ؟؟ أين دور الصحافة الكوردية في توجيه الشعب الكوردي ؟؟ أين دورها في تعريف الرأي العام العربي – التركي – الفارسي – العالمي بالقضية الكوردية وبمعاناة الشعب الكوردي وكسب الأصدقاء والحلفاء ؟
للأسف بعد ( 119 ) من صدور كوردستان تراجعت الصحافة الكوردية رغم وجود العشرات من الجرائد والمجلات وتقوقعت على ذاتها وباتت الصحافة الكوردية صحافة موجهة وضيقة الأفق تابعة لأحزاب ومنظمات ذات توجهات سياسية وايديولوجية بحتة لم تنطلق الى الجماهيرية والشعبية ولم تقم بلم شمل الشعب الكوردي على كلمة واحدة ولم تعبر عن تطلعات الشعب الكوردي في الاستقلال وتقرير المصير في أجزاء كوردستان الأربعة ولم تستطع تعريف الشعوب ( العربية – التركية – الفارسية ) بعدالة القضية الكوردية وكسب تأييدهم كذلك التأثير على الرأي العام الاقليمي والدولي وتدويل قضية الشعب الكوردي وحلها وفق المواثيق والعهود الدولية .
فالسلطة الرابعة الكوردية لم تقل كلمتها بعد ولم تقم بواجبها فهي تحتاج الى أناس يلتزمون بالميثاق الصحفي حيث الأمانة والأخلاق والاحترام والتعددية واحترام المهنة كذلك تحتاج الممارسة الديمقراطية فمن أهم مظاهر ممارسة الديمقراطية هي حرية الصحافة والكلمة وابداء الآراء فالصحافة ملك للشعب وخلقت لتعبر عن آلام وأمال الشعب وليس حكرا على فئة محددة لتمرير أفكارها ومآربها ….لا لقوقعة الصحافة … نعم لحرية وشعبية الصحافة خدمة للشعب والوطن.