الحظر والمحظور في الصراع الكوردي

جان كورد
الحظر لغوياً هو التشديد في المنع، والمحظور هو الممنوع كلياً، ولدى الكورد كثير من المحظورات، دينياً بحكم عقائدهم التي يؤمنون بها، وهي الإسلام السني والشيعي والعلوية واليزيدية والمسيحية واليهودية وسواها، وهناك الحظر السياسي الذي يختلف حسب الميول والاتجاهات الحزبية، فما هو محظور لطرفٍ يمكن أن يكون مسموحاً به أو مرفوع الحظر عنه لدى طرف آخر، كما هناك الحظر العسكري الذي يتناول منع استخدام أسلحة معينة كأسلحة الدمار الشامل (النووية والكيميائية والجرثومية) وزرع الألغام التي تقتل البشر في الطرقات وبين المزارع والمراعي، ومن الحظر والمحظورات ما يكون مؤقتاً ومنها ما يكون دائماً، ومن المؤقت –مثلاً – حظر السير على طريقٍ ما بسبب حادث أو تنقلات عسكرية أو تصليح ما، ودائم، كأن يحظر التدخين داخل مستشفى للولادات مثلاً… ولكن ليس هناك مع الأسف حتى الآن قاسم مشترك بين الكورد في عالم المحظورات الوطنية (أي خطوط حمراء) لا يجوز تجاوزها.
ومن غرائب الحظر، هو أن يمنع حزب من الأحزاب رفع علم كوردستان في أي مكانٍ تحت سيطرته، وأن يمنع ممارسة الأحزاب السياسية لنشاطاتها أو فتح مراكزها، بذريعة أنها لم تحصل على رخصة من حزبه، وحزبه “غير المرخص قانونياً” من قبل أي سلطةٍ كانت، والمطالبة بحظر جوي على شمال البلاد بمجرّد أن قام الجيش التركي بقصف مقراته، في حين أن الطيران الحربي لنظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس وكل دول التحالف الدولي ضد (داعش) تحلّق وتقصف متى ما تشاء وأينما تشاء منذ سنواتٍ عديدة، ليس في منطقة محددة في سوريا وإنما في شتى الأنحاء، فلماذا لم يطالب هؤلاء الغيورون على أمن الشعب وسلامته حتى الآن بأي حظر جوي، إلاّ  بعد أن سقطت القنابل على رؤوسهم، ولم يهتموا بأمر “الأمن الاجتماعي” أو “الأمن الوطني” إلا في نطاق استمرار نهبهم لقوت الشعب؟
ثم إنهم يطالبون ب”حظر جوي”، في حين أن الجيش التركي يقصف قرى جيل الأكراد (مركزه مدينة عفرين) منذ زمنٍ طويل بقذائف المدفعية، ويتسيب بضحايا وإصابات و بأضرار مادية جسيمة، وينشر الرعب بين القرويين، الذين منهم من يختبأ في الكهف والاسطبلات، فلماذا اقتصروا على المطالبة ب”الحظر الجوي”، ولم يضيفوا “القصف المدفعي” إلى قائمة المطالب؟ 
ومن غرائب الحظر، أن ينبري زعيم سياسي لحزبٍ من الأحزاب “الكوردستانية” ليقول للصحافة بكل صلافة: “إننا لن نسمح (أي سنحظر) للبارزاني وكورد الجنوب (أي إقليم جنوب كوردستان) بتأسيس دولة إلى جانب العراق وسوريا وتركيا وإيران، فينقلب بجملةٍ واحدة ليس لها هدف سوى إرضاء الدول التي تتقاسم كوردستان إلى “مشكوك بأمره” بين شعب كوردستان، ومن هذه الفصيلة من يحظر على نفسه العمل من أجل كيانٍ كوردي، إذ يعتبر ذلك “ليس من أخلاقيات حزبه!”، وكذلك زعيم من الانتيكات المكتشفة في جبل “قنديل” يدعو الشعب الكوردي إلى عدم المطالبة بدولة ووطن، بل لا “رجال” ولا “نساء”، وإنما شيوعية اجتماعية وسياسية و”ثورية”، لا تؤمن بالأوطان ولا بالفارق الجسمي الطبيعي الذي هو من السنن الكونية بين الرجل والمرأة، فيجعل الخوض فيها محظوراً، وعجيب أن هذه الفئة الضالة لم تخرج ب(هشتاغ)  الكتروني يدعو إلى تفادي الحديث عن الوطن الكوردي، بل عن الرجل والمرأة في كوردستان، فكلهم رجال أو كلهم نساء في نظره القاصر، ونحن نسأله لماذا ولدتك أمك ولم يقم بالمهمة ذاتها أبوك؟ … مثلما دعا بعضهم أو بعضهن البرلمان الاتحادي الألماني (البوندستاغ) فيما مضى إلى “حظر السلاح” عن السيد البارزاني وبيشمركته، فطردهم الألمان شر طرده من قاعة وممرات برلمانهم، ومنهم من حاول “حظر شق الخنادق” على البيشمركه في جنوب كوردستان، في حين قام هو بنفسه بحفرها في شمال كوردستان.
ومن أخطر أنواع الحظر والمحظورات هو حظر المقاتلين من العودة إلى ديارهم في غرب كوردستان، وهم حسب القانون السوري سوريون، وفي الوقت نفسه يؤسسون كتائب ل”عرب الغمر” الذين استوطنهم حافظ الأسد وشلته البعثية في عهده رغماً عنهم وعن أنف أصحاب الأرض من الكورد في أكثر من (40) مستوطنة عربية صرفة، ويتحالفون مع عشائر عربية كانت تقف مع النظام على الدوام ولا ترضى بأن يدير الكورد مناطقهم بأنفسهم… 
وأخطر المحظورات أيضاً، ليس رفع علمٍ كوردي أو علم حزبٍ من الأحزاب الكوردية أو السورية على دبابةٍ أمريكية تقوم بجولة “روتينية” في مناطق الحدود مع تركيا، وإنما الحظر الذي يقوم به الكوردي على رفع علم الثورات الكوردية وأحزب الأمة الكوردية جمعاء باستثناء هؤلاء المردة، وهو علم كل جمعيات ومؤسسات وبيشمركة الكورد، الذي يرفرف اليوم في عزٍ وإباء فوق مؤسسات قلب كوردستان “كركوك ” العائدة إلى حضن الوطن…
وهكذا نرى أن الحظر والمحظور من آفات الحراك السياسي الكوردستاني، وما على المخلصين في كل هذه القوى، ومنهم المستعدون للموت ضمن تنظيمات هؤلاء المختلين سياسياً أن يكسروا حاجز الصمت ويقولوا معاً:
“نطالب بحظرٍ شامل لكل أساليب القتل والتدمير في كوردستان، جواً وبراً، ومن أي جهةٍ كانت، كما نطالب في الوقت برفع الحظر عن علم كوردستان والعمل السياسي لأحزاب كوردستان وعن عودة (لشكرى روﮊ) إلى غرب كوردستان.”
والسؤال الباحث عن جوابٍ له:
أليس من بين هؤلاء رجال متمردون ونساء متمردات على القرارات المجحفة التي تتخذ بعكس مصالح ووحدة وأمن كوردستان؟ أم أنهم صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يبصرون؟
‏01‏ أيار‏، 2017

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…