بقلم رئيس التحرير
إن من يتأمل تلك اللوحة الواسعة من الإجراءات والسياسات الجائرة ، وما ارتكبتها أجهزة قمع سلطات الاستبداد من الإجرام والتنكيل بحق هذا الشعب الأعزل ، لا يستنتج سوى حقيقة واحدة لا سواها ، وهي لا تكمن في محاولة الحد من نشاط هذا الشعب السياسي أو منعه من تحقيق تطلعاته القومية المشروعة أو ..الخ ، بل تكمن في استهداف وجوده بأسلوب عدواني سافر ، تجلت هذه الحقيقة بوضوح في الدراسة الشاملة حول محافظة الحسكة ذات الغالبية الكردية وما ينبغي لها من الإجراءات تجاه الخطر الكردي المزعوم ، تلك التي وضعها ضابط الأمن محمد طلب هلال ، والتي غدت منهج عملي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في سوريا منذ تولي حزب البعث زمام السلطة في آذار عام 1963 وحتى الآن ..
ومع إطلالة ( الربيع العربي ) في مطلع العام الحالي 2011 ، الذي بدأ بالنهوض الجماهيري السلمي العارم تجاه الأنظمة الشمولية المستبدة الجائرة ، وتجسد في الثورات السلمية المتتالية التي حققت نجاحات باهرة بدءا من تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن وسوريا ، وفي هذه الأخيرة ، رغم اشتداد تفاعلات أحداث هذه الثورة ورغم استخدام النظام أعنف آلة القمع والقتل والتنكيل في مواجهة الصدور العارية ، رغم كل ذلك تزداد الجماهير وطليعتها التنسيقيات الشبابية زخما وعنفوانا نحو المزيد من العمل والنشاط المتواصل من أجل تحقيق أهدافها التي تمثل تطلعات هذه الجماهير برمتها ، وعموم القوى الوطنية في الحرية والديمقراطية ، وبناء دولة المؤسسات التي تخلق التفاعل الأمثل بين مختلف المكونات الوطنية من قومية ودينية وسياسية في صنع القرار السياسي ، وتحقيق الشراكة العملية في السلطة والثروة وتوفير مستلزمات التطور والتقدم لوطننا سوريا ..
من جانب آخر ، ورغم احتضار النظام المضطرد في الداخل ، وانعزاله عن المجتمع الدولي ومحيطه العربي ومعاناته من العقوبات المفروضة عليه ، رغم كل ذلك فإنه مازال يمارس سياسته العصماء في المراوغة والتضليل ، ويسعى لإيهام الآخرين في الداخل والخارج ، بوعوده المعتادة في الإصلاحات الشاملة ، عبر المزيد من القرارات والقوانين والمراسيم الشكلية التي لا ترى لها أي ترجمة حقيقية في الواقع العملي ، كما لم يتوان عن مساعي التشويش والخداع لبعض القوى الوطنية والديمقراطية تحت حجج وذرائع شتى ، تارة بالتهديد أو التخويف من العوامل والتدخلات الخارجية أو حدوث حروب أهلية داخلية بين المكونات المجتمعية ، وأخرى بترغيبها بالمكاسب والمنافع الآنية ..
أما الجانب الكردي ، الذي عانى الأمرين كما ذكرنا أعلاه ، فإنه ينبغي أن ينأى بنفسه عن ادعاءات النظام ودعواته المتتالية للحوار بدعوى معالجة قضايا البلاد ومعضلاتها الأساسية ، بما فيها القضية القومية لشعبنا الكردي ، لأن أي انحراف عن خط الثورة السورية أو الخروج عن السياق العام للمعارضة الوطنية في الداخل والخارج ، تحت هذه الحجة أو تلك الذريعة والوقوع في براثن شرك نظام معروف بأساليبه الماكرة ، نظام مجرب خلال عقود من الزمن ، إنما هو ضرب من اغتيال الذات أو الانتحار السياسي ، وإضعاف للثورة وتأخيرها ، ينبغي تجنبه أو الحيطة والحذر منه ومن مثل تلك الأحابيل الواضحة ، لأن مصلحة مجمل مكونات المجتمع السوري وألوان طيفه الوطني ومن بينها مصلحة شعبنا الكردي لا تكمن إلا في هذه الثورة الوطنية السلمية الجماهيرية التي يجب الاستمرار في مشاركتها بمزيد من الهمة والاقتدار ، عبر الجماهير والشباب والقوى والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني ، لأن المرحلة القادمة هي للجميع ، وهي تقتضي عمل وتفاعل الجميع عبر تضافر الجهود من أجل وحدة الصف والموقف الكردي أولا ، ومن ثم وحدة المعارضة السياسية ثانيا ، وتوحيد النشاطات الميدانية بما هي فعاليات الشباب والجماهير ثالثا ، وهكذا يمكن توفير عوامل انتصار ثورتنا الوطنية ، من أجل بناء غد أفضل ، ينعم فيه الجميع بحقوقه وحرياته الديمقراطية ، ويرفل بمعاني العزة والكرامة التي يتعطش لها عبر عقود خلت وليعيش الجميع معا في تعاضد ووئام ..
* افتتاحية العدد439 لجريدة آزادي التي يصدرها الإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا