نحو توحيد الصف الكردي

بقلم الأستاذ نصر الدين إبراهيم
سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)

اندلعت الثورة الشعبية السلمية في البلاد في وقتٍ عصيبٍ كان يمرّ به الشعب الكردي في سوريا وكذلك حركته الوطنية السياسية , حيث كانت الإجراءات الشوفينية العنصرية تتالى تطبيقها على الشعب الكردي كالمرسوم التشريعي رقم 49 الخاص بالعقارات والقرار الخاص بالأراضي الزراعية في المناطق الكردية , بالإضافة إلى تضييق الخناق على الساسة والمثقفين والنشطاء الكرد في مجال حقوق الإنسان , وتقييد حرية التعبير بقيود ذات أبعاد وخلفيات عنصرية ….الخ مضافاً كل ذلك إلى الإجراءات الشوفينية القديمة كالحزام العربي والإحصاء الاستثنائي وقرارات الفصل التعسفي بحق الطلبة والعمال الكرد ,
 هذا من جانب , أما في الجانب الآخر فالواقع الذاتي الذي كان تعيشه الحركة الوطنية الكردية كان يزداد تدهوراً بازدياد حالة التشرذم والقطيعة بين مكوناتها , فرغم تمكن الحركة الوطنية الكردية من تأسيس المجلس السياسي الكردي والذي ضمّ طيفاً واسعاً من أحزابها , إلا أنها لم تستطع أن تتحول إلى مظلة جامعة للبيت السياسي الكردي , كما أنها لم ترتقِ إلى حالة تتعزز فيها الثقة بين مكوناتها , فكان نتيجةً لذلك بقاء الأطر الأخرى كالتحالف والجبهة والتنسيق قائمة في ظل المجلس السياسي نفسه , كخطِّ رجعةٍ لهم في حال فشلت التجربة … كل ذلك أفرز واقعاً مريراً من القطيعة وفجوة كانت تزداد اتساعاً بين الشارع الكردي والحركة الوطنية الكردية في سوريا …

وباندلاع شرارة التظاهرات في سوريا وبعد مرور كل هذه المدة الزمنية من عمرها وكل هذه الدماء التي أريقت , كانت هذه الفجوة تزداد لدرجة فقدت الجماهير الوطنية الأمل بقدرة الحركة السياسية الكردية على فعل أي شيء سواء بتقديم حل وطني أو تحقيق أية مكاسب قومية للشعب الكردي في هذه المرحلة العصيبة …
خطت الحركة السياسية الكردية عدّة خطوات لعلها كانت اللبنة الأساسية للوصول إلى انعقاد المؤتمر الوطني الكردي في سوريا كالتنسيق القائم حينها بين أحزاب الحركة الكردية ” 12 حزباً ” , ولكن بازدياد وتيرة الأحداث في سوريا بالتزامن مع هذه الحالة من الارتباك في صفوف الحركة الكردية والتلاسن بين بعض مكوناتها وبين التنسيقيات الشبابية … كان لا بد من الخيرين في الحركة ومن أبناء شعبنا الكردي من السعي الحثيث باتجاه رص الصف الكردي , مقدمين تضحيات مشرِّفة للوصول إلى هذا الهدف النبيل لحماية شعبنا الكردي من أية مخاطر قد تلم به من جهة , ومن جهة أخرى للنضال ككتلة واحدة تسعى إلى تحقيق الأهداف القومية المشروعة للشعب الكردي … ففي ال26 من شهر تشرين الأول تكللت هذه الجهود بالنجاح , بدعوةٍ من أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا وحضور أكثر من 250 مندوب ، شمل مناضلين أوائل في الحركة الكردية وشخصيات وطنية مستقلة وممثلين عن المجموعات الشبابية وكذلك ممثلي الأحزاب المشاركة  ، و نشطاء يمثلون لجان حقوق الإنسان ، وفعاليات اجتماعية وثقافية وإعلامية..

انعقد المؤتمر الوطني الكردي في مدينة القامشلي حيث رأى المؤتمر أن الشعب الكردي في سوريا هو شعب أصيل ، يعيش على أرضه التاريخية ويشكل جزءاً أساسياً من النسيج المجتمعي والوطني والتاريخي لسوريا ، ورأى أن تثبيت ذلك يتطلب الإقرار الدستوري بوجوده كمكون رئيسي من مكونات الشعب السوري وثاني أكبر قومية فيه ، وإيجاد حل ديمقراطي عادل لقضيته القومية بما يضمن حقه في تقرير مصيره بنفسه ضمن وحدة البلاد ، كما رأى المؤتمر أن حل القضية الكردية يعتبر مدخلا حقيقيا للديمقراطية وامتحاناً لقوى المعارضة السورية التي تسعى لتحقيق غدٍ أفضل لسوريا على قاعدة أن سوريا لكل السوريين , وكذلك تم تبني  الحراك الشبابي الكردي كجزء من الثورة السورية السلمية مشيداٍ بدوره المساهم في إعلاء شأن الكرد وتعميق وطنية  القضية الكردية  , وقد  أكد المؤتمر على توفير ضمانات حرية المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية واحترامها وحمايتها دستوريا و ضرورة تأمين الحقوق القومية للسريان كلدو آشور والأقليات الأخرى , أما بخصوص الموقف من موضوع الحوار مع السلطة فقد رأى المؤتمر – كونه جزءاً من المعارضة الوطنية السورية – ضرورة عدم القيام بإجراء أي حوار مع السلطة بشكل منفرد , كما أنه تقرر  حل جميع الأطر الكردية التي تنضوي تحتها الأحزاب المشاركة في المؤتمر( الجبهة – التحالف – التنسيق – المجلس السياسي ..) واعتبر المؤتمر مجلساً وطنيا كردياً , وقد خوّل المؤتمر الهيئة التنفيذية المنبثقة عنه بالحوار مع أطر المعارضة الوطنية ومن ثم التنسيق والتعاون مع الأكثر استجابةً لقرارات وتوجهات المؤتمر وتعليق عضوية أحزاب الحركة في الأطر الأخرى .


إننا تطرقنا إلى هذا السرد للمقررات لنؤكّد أنّ انعقاد هذا المؤتمر وتمخضه عن هذه القرارات في هذا الظرف الحساس والمصيري بالنسبة لنا ككرد وكسوريين كان بمثابة شعاع الأمل الذي قد يؤول في النهاية إلى مرجعية كردية شاملة لشعبنا الكردي , خاصةً , وأنه لقي من التأييد الكردستاني الشيء الكثير , وكان ذلك جلياً في رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق للمؤتمر ومن ثم استقبال قيادة المجلس الوطني الكردي في أربيل من قبل سيادته  وحكومة إقليم كردستان , وكذلك لقاء ممثلين عن أحزاب كردستانية عراقية و تركية وإيرانية مع وفد المجلس الوطني الكردي في إقليم كردستان العراق , بالإضافة إلى الاستقبال الرسمي لوفد المجلس الوطني الكردي في القاهرة من قبل أمين عام الجامعة العربية ” نبيل العربي ” … , وكذلك المظاهرة الحاشدة في أربعاء دعم المجلس الوطني الكردي في مدينة القامشلي ، ومظاهرات المجلس الوطني الكردي يمثلني في عامودا ، درباسية ، كوباني ، وديرك …
والمجلس الوطني الكردي كي يكون بمثابة قيادة شاملة وممثلاً شرعياً رئيساً عن الشعب الكردي في سوريا نرى أنّه لا بدّ من التنسيق بينه و بين القوى الكردية الأخرى العاملة خارجه , وترك باب الانضواء تحت مظلته مفتوحاً للجميع دون أي فيتو أو أية شروط تعجيزية , وضمان نفس الحقوق والواجبات لهم , حيث أن المصلحة العليا تقتضي ذلك , ونؤكد على الابتعاد عن المهاترات الإعلامية والتلاسن الذي قد يؤدي إلى مزيد من القطيعة , آخذين بعين الاعتبار أهمية وضرورة التمييز بين النقد البنّاء وبين ما يحدث أحياناً على صفحات الأنترنيت , كما أننا نؤكد على نقطة غاية في الأهمية ألا وهي موضوع الوحدة بين فصائل الحركة الوطنية الكردية في سوريا والمتقاربة فكرياً وأيديولوجياً , وبشكل أخص بين الأحزاب المنضوية تحت مظلة المجلس الوطني الكردي في سوريا , ولا يخفى على أحدٍ من الشرفاء مدى أهمية خطوة توحيد طرفي البارتي في المجلس الوطني الكردي إذا ما كتب لها النجاح , حيث أنّ البارتي إذا ما لملم صفوفه في هذه المرحلة التاريخية سيعود ليلعب دوره الريادي البارز على الساحة الكردية والوطنية وبالشكل الذي يأمله ويتمناه جماهيره بل وجميع أبناء شعبنا الكردي , وستشكل هذه الخطوة دون شك حافزاً كبيراً لخطواتٍ مماثلة في صفوف الحركة الوطنية الكردية في سوريا .

إننا في الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) نؤكّد مجدّداً وكما عهدتنا جماهيرنا الوطنية من أبناء شعبنا الكردي بأننا مستعدون لتقديم كل ما يتطلب منا من تضحيات في سبيل وحدة الصف الكردي , هذا هو نهج البارتي على مرّ تاريخه النضالي , وهذا ما يمليه علينا ضميرنا وحسّنا الوطني في هذا الزمن العصيب , خاصةً إذا ما عرفنا أن تشكيل الكتلة الكردية المتراصة الصفوف والموحدة الرؤى والمدعومة جماهيرياً سيكون الضامن الحقيقي لنيل شعبنا الكردي لحقوقه القومية المشروعة , كما سيكون لها الكلمة الفصل في مسيرة الأحداث في سوريا المشتعلة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…