رسالة مفتوحة إلى مجموع الأحزاب الكردية

خورشيد شوزي

السـلطات البعثية الأمنية التي حكمت سـورية ، ومنذ اللحظة الأولى لاستلامها زمام الأمور، بالقبضة الحديدية، حرصت على عدم نشوء قيادات سياسية بجانبها تستطيع تولي الحكم مستقبلاً ، ولهذا أبعدت كل النخب السياسية التي يحتمل التعويل عليها ، مستقبلا ، من خلال الهيمنة على كافة وسائل الإعلام وفرض رقابة صارمة عليها ، كما فعلت من خلال الهيمنة على مختلف المناشط الثقافية والفكرية ، واعتبار أن لا عقل يفكر في البلد ولا رأي سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً ، يسود غير رأي النظام البعثي الأوحد ، ولكي تكتمل الدائرة ، فقد وضع النظام – القضاء والثقافة والإعلام – تحت سيطرته الكاملة ،
 ولا تزال إلى هذه اللحظة الأبواق الكريهة في وسـائل الإعلام تتحدث عن الصمود والتصدي للمؤامرات التي تحاك ضد النظام، على أنه ضد عموم سوريا ، وضد الشعوب العربية (الذين هم حماتها) من قبل دول أخرى ، وهم عملاء للأجنبي ، ويسعون إلى تقويض أركان الدولة ، ولا يتورعون لإثبات صدق مزاعمهم عن قتل عشرات بل مئات وألوف الناس ، فقد أثبتت الأحداث بأن هذا النظام هو الأكثر قمعاً واستبداداً في المنطقة العربية ، فهو يضيف كل عام إلى المنظومة القمعية أنواعا” جديدة من الوسائل والأدوات المبتكرة في أكثر الأنظمة إرهاباً وقمعاً ، والتي تتراوح بين السجن والاستبعاد، والقتل ، والنفي ، والمنع من السـفر ، والتعذيب ، والفسـاد ، وكم الأفواه ، ومحاربة المعتقـدات ووو ، ناهيك عما يحدث في السجون.

 ومنذ بدء الثورة السورية في 15 / 3 وإلى الآن ، يرتكب جلاوزة النظام ، من الأمن والفرق الخاصة والشبيحة جرائم غير إنسانية ومذابح ممنهجة ، من خلال دك المدن بقذائف الدبابات والقناصة والشبيحة الذين يهاجمون التظاهرات السلمية ، ويقومون بأعمال التعذيب والقتل في الساحات العامة ، والمنازل والمعتقلات، مستخدمين الكهرباء وقلع الأظافر ، وبتر الأعضاء التناسلية والتبول على المعتقلين ، ومنع نقل المصابين إلى المشافي ، والذين يصلون منهم ينتظرهم الموت … ولا داع للإطالة ، لأن الشعب كله يعلم بما يجري على الرغم من اللجوء إلى قطع الانترنت عن غالبية المدن ، والتنصت على كافة وسائل الاتصالات ، والقرصنة على المواقع الإلكترونية ، واستدعاء الناشطين لمراكز الأمن ، والتحفظ على الكثير من سجناء الرأي والسياسيين في السجون بعد إصدار قانون العفو ، ومما لا يدع مجالا للشك في أن هذا القانون بحاجة إلى العفو من قبل الجهات الأمنية لكي ينفذ كاملا” ؟..
 إن ادعاءات النظام للإصلاحات الجزئية عن طريق الحوار لا يتعدى أن يكون خدمة لمصالحها ، و صوناً لبقائه في الحكم أطول مدة ممكنة ، فلا استراتيجيات واضحة ، ولا خطط ، ولا مشاريع وطنية حقيقية ، وإذا كان ما يدعونه صحيحاً فليبدؤوا بالخطوات التالية قبل الدخول في أي حوار للارتقاء بسوريا من النظام الشمولي إلى نظام ديمقراطي تعددي عصري :
1 – الاعتذار من الشعب السوري عامة ، ومن الشعب الكردي خاصة ، عما اقترفوه من فظائع بحقهم .
2 – إلغاء المادة الثامنة من الدستور ، والعمل على وضع دستور للبلاد يعترف بالشعب الكردي كثاني قومية في سوريا ، والإقرار بمكونات النسيج السوري كافة .
3 – إلغاء مجلس الدمى الحالي ، والدعوة إلى انتخابات عامة .
4 – الإقرار بأن الرئاسة ليست وراثية ، والرئيس لا يحق له الترشح سوى مرتين .
5 – إلغاء جميع القرارات العنصرية بحق الشعب الكردي ، وإعادة ما سلب منه .
 الحوار الآن تحديداً ، وبعد كل هذا الدم ، وفي لحظة ضعف النظام داخلياً ودولياً ، والثورة السورية السلمية في أوجها ، من أقصى الجنوب – درعا – إلى أقصى الشمال الشرقي – قامشلو – قد زلزلت عروشهم ، وكلما ازدادت لغة قتل المواطنين بوحشية لا توصف ، كلما ازداد الشعب إصراراً على إسقاط النظام ، والغريب ، أنه  في أوج الثورة تتم الدعوة إلى الحوار ،  وإنه على الأقل ، ومن أبسط أبواب الحوار ، أن يكون الطرفان المتحاوران يعترفان ببعضهما بعضا ، وأنتم تعلمون – يا قادة أحزابنا الكردية – بأن النظام وبلسان بثينة شعبان لم يستطيع حتى لفظ كلمة كردي ، وكذلك تعلمون بأنه على مدى خمسين عاماً بأن أقصى سلطة في النظام جلست مع البعض منكم ، ممثلة ببعض من ضباط المخابرات؟!!.

.
 الآن على أي أرضية ستتوجهون؟، إلى طاولة عليها دماء شيخ الشهداء معشوق الخزنوي ، وشهداء مجزرة قامشلو في 2004 ، ودماء 2-11-2007 أو دماء شهداء نوروز في 2008 و 2010 ، وشهداء الجوع والفقر والذل والحرمان نتيجة القوانين العنصرية الظالمة …على أي أساس ، ستلتقون بالجلادين وتصافحونهم كالنعاج ؟؟

ولتعلموا أن النظام يناور ، ولا يحاور ، لكي يطيل عمره  ليس إلا ، لأنه لا حوار في ظل حصار دبابة ، وثمة فرق بين الحوار والاستدعاء المنفرد ، فإذا كانت النيات صادقة من قبل السلطة – وهذا مستبعد – فليتم دعوة كافة أطياف الشعب السوري إلى الطاولة المستديرة للحوار ، وليس إعطاء الأوامر الفوقية بالاستدعاءات التي هدفها تفتيت اللحمة الهشة بين أحزابنا ، وكذلك تفتيت اللحمة القوية التي ظهرت أثناء الثورة بين أبناء شعبنا وباقي مكونات الشعب السوري ، وبفضل شبابنا الكردي – بارك الله بهم – ومن وجهة نظري فإن ما حققوه في شهرين لم تحققه أحزابنا في خمسين عاماً على المستوى السوري ، ولنكن صادقين في تقويمهم ، لا كما يحاك ضدهم من تآمر من قبل بعض قادة أحزابنا ، للأسف ، ومع تقديرنا بفضل الأحزاب الكردية بالحفاظ على هويتنا على الأقل ، وزرع روح الكردايتي فينا ، ونحن لا ننتقص من قيمتها بقول ما لها وما عليها ، وإنما نريد لها أن تكون القدوة ، وأن تغير من عقليتها بما يتماشى والأوضاع المستجدة إقليمياً ودولياً ، وفي البداية أثمن مواقفها (عبرت عن ذلك في أكثر من موقع) بعدم الانزلاق إلى الفخاخ المنصوبة للكرد خاصة ، وللشعب السوري عامة من قبل السلطات المستبدة الحاكمة ، ولكن الظروف تغيرت ، والنظام الذي جزأ الشعب السوري ، في فترة قوته ، يعمد الآن لتجزئته ، وهو ضعيف ، ولا يتخفى عليكم نوايا السلطة في زرع الفتنة والطائفية بين مكونات النسيج السوري .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…