رامي مخلوف من عنوان الفساد إلى رجل الخير !

   * ياسر الزعاترة

رامي مخلوف هو الاسم الأشهر في سوريا بعد رئيسها بشار الأسد، فهو الاسم الذي يحفظه السوري قبل دخول المدرسة، ذلك أنه من الطبيعي أن يسمعه يتردد في البيت بهذه الطريقة أو تلك، لاسيما في سياق التنكيت.
في الدول الأخرى تتعدد عناوين الفساد، وتكثر الأسماء المتهمة بممارسته، لكن السوريين لا يحفظون الكثير من الأسماء، ربما بسبب الدولة الأمنية وطقوسها الخاصة، وربما لأن حالة رامي مخلوف لا تتوافر في أية دولة أخرى، وتطغى على ما عداها.

في مصر مثلا تكثر الأسماء الكبيرة المتهمة بالفساد، والمحاكمات الأخيرة أكدت ذلك، بل إن المحاكمات لم تكن في جوهرها سوى استجابة لما اختزنه الوعي الشعبي من أسماء.

فهناك ابتداءً نجلا الرئيس (علاء وجمال)، وهناك الحبيب العادلي، وزير الداخلية، وهناك صفوت الشريف، ووزراء آخرين، كما أن هناك رجال أعمال كبار (أعضاء في الحزب الوطني) على شاكلة أحمد عز (إمبراطور الحديد والصلب) وحسين سالم وهشام طلعت وآخرون كثر.

في سوريا لا يتصدر المشهد غير رامي مخلوف، «العبقري» الذي لم يكد يبلغ الأربعين حتى كان يملك عشرات المليارات من الدولارات، ولا يعتقد أن ثمة دورية اقتصادية يمكنها إحصاء ثروته، ومرة أخرى بسبب البعد الأمني الذي يحكم البلد، مع تركز استثماراته في الداخل.

أما الشركات التي يملكها، فيُعرف منها «سيرياتل» أكبر شركة للهاتف المحمول في البلاد.

كما يمتلك العديد من متاجر الأسواق الحرة وامتيازا نفطيا وشركة طيران، وله حصص في قطاعات الفنادق والإنشاءات وأسهم في بنك واحد على الأقل (لاحظوا أن معظم شركاته لا تتأتى إلا من خلال امتيازات رسمية)، مع العلم أن الشفافية في سوريا تأبى على المواطن مثلا أن يعرف شيئا عن فاتورة النفط مثلا.

الأرجح أن الرجل، وهو ابن خال الرئيس، لا يمثل نفسه، وإنما يمثل العائلة (عائلة الأسد) التي لا تريد التورط مباشرة في لعبة البزنس والسمسرة، فكان أن أوكلت ذلك إلى «العبقري» الشاب مطمئنة إلى عجزه عن «اللعب بذيله» مع العائلة كما يحدث في دول أخرى، إذ يمكن بكل بساطة أن يقضي «منتحرا» إذا تورط فيما لا تحب القيادة، أو حتى غدا عبئا عليها كما حصل مع آخرين كثر في عوالم الأمن والسياسة.

قبل أسابيع، أطلّ رامي مخلوف، ربما للمرة الأولى في مقابلة نادرة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وقال ما لا يستطيع الرئيس أو أحد أفراد العائلة «الحاكمة» قوله.

وقد قلنا الحاكمة لأن الحكم في سوريا ليس جمهوريا من الناحية العملية، بدليل أن أحدا لم يساوره الشك عشية مرض الرئيس الراحل حافظ الأسد بخاصة بعد موت شقيقه باسل في أن الدكتور بشار سيكون الوريث، حيث جرى تغيير الدستور من أجله خلال ساعات.

رامي مخلوف ساوم أمريكا والغرب، وبالضرورة الدولة العبرية معتبرا أن أمن سوريا من أمن «إسرائيل»، ومؤكدا بأن النظام سيقاتل حتى النهاية، أما هذه المرة، فقد ذهب مذهبا آخر، إذ خرج يساوم الشعب السوري على السكوت والطاعة من خلال وعود بالعطايا المالية، وربما الاكتفاء بما تم نهبه!!

بحسب التلفزيون السوري، لن يشارك رامي مخلوف في أية مشاريع تجارية جديدة تدر عليه الربح (يا للقناعة!!)، وسيتفرغ للأعمال الخيرية، وبحسب الوكالة العربية السورية للأنباء، فقد قال مخلوف إنه سيعرض حصة 40 في المائة من «سيرياتل» في اكتتاب عام أولي، وأن حصيلة الاكتتاب ستخصص للأعمال الإنسانية والخيرية.

وفي خبر آخر (يبدو أنه الأصح) قال إنه سيخصص أرباح حصته في الشركة (40 في المئة منها) للأعمال الخيرية والإنسانية، وأنه لن يقبل بأن يكون «عبئا على سوريا ولا على شعبها ورئيسها بعد اليوم».

تؤكد هذه اللعبة الجديدة على أن الرجل لم يحصل على ملياراته بطرق مشروعة، ولا يُعتقد أن عاقلا في سوريا يقتنع بذلك، لكنها تعبر من زاوية أخرى عن شعور النظام بالضعف أمام حركة الاحتجاج الشعبي المتنامية، أما الأهم فتتمثل في المسارات العبثية التي يسلكها النظام في استيعاب حركة الاحتجاج، الأمر الذي يؤكد أن فكرة الإصلاح بمضمونها الحقيقي ليست واردة في برنامجه.

في المقابل لم يعد الشعب السوري ينتظر صدقات نظامه «الإصلاحية»، ولا عطايا تاجره المدلل (رامي مخلوف) المالية والخيرية، فقد خرج إلى الشوارع، ولن يعود قبل أن يحقق الحرية التي دفع من أجلها 1400 شهيد إلى الآن (لا تسل عن المعتقلين والمعذبين)، وهو جاهز ليدفع أضعاف هذا الرقم خلال المرحلة المقبلة.
18-6-2011

الدستور الاردنية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…