فراس قصاص
في رسالة مفتوحة وجهها إلى الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال جريدة السفير بتاريخ 14/06/2011، سجل الشاعر السوري أدونيس موقفه من التظاهرات السورية التي انطلقت في الخامس عشر من اذار الماضي على نحو أوضح مما فعله في مناسبات سابقة، ومن المؤسف أن وضوحها حددها بما لم يرق إلى ما هو منتظر من أدونيس، الرائد الحداثي والعاشق النهم للحرية في كل تجلياتها وأبعادها.
الصيغة الانسب لحل الازمة في سوريا، التي شكلها ودافع عنها أدونيس في رسالته لم تنزع عن الرئيس السوري شرعيته رغم القمع والقتل الذي وصل حد المجازر، كما لم تدعم المتظاهرين على النحو الحاسم والمطلوب رغم السمة السلمية الغالبة على مطالبهم بالحرية وإنهاء الاستبداد،
في رسالة مفتوحة وجهها إلى الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال جريدة السفير بتاريخ 14/06/2011، سجل الشاعر السوري أدونيس موقفه من التظاهرات السورية التي انطلقت في الخامس عشر من اذار الماضي على نحو أوضح مما فعله في مناسبات سابقة، ومن المؤسف أن وضوحها حددها بما لم يرق إلى ما هو منتظر من أدونيس، الرائد الحداثي والعاشق النهم للحرية في كل تجلياتها وأبعادها.
الصيغة الانسب لحل الازمة في سوريا، التي شكلها ودافع عنها أدونيس في رسالته لم تنزع عن الرئيس السوري شرعيته رغم القمع والقتل الذي وصل حد المجازر، كما لم تدعم المتظاهرين على النحو الحاسم والمطلوب رغم السمة السلمية الغالبة على مطالبهم بالحرية وإنهاء الاستبداد،
لقد وصل ما أثاره ذلك، إضافة إلى مغالطات وتوصيفات خاطئة متعلقة بالشأن السوري والازمة الحاصلة في البلاد، بالبعض درجة تشكك إما في مستوى صلته وكفاءة مقاربته للواقع السوري، أو في صلابة وعي أدونيس بالحرية، قضيته وقضية بلاده الاساسية.
بالعودة إلى رسالة أدونيس المفتوحة التي وجهها إلى الرئيس السوري واتفاقا في ما ذهب إليه فيها، لا أحد يشك بأن الطريق الى الديموقراطية طويل وصعب، وأن مجرد هزيمة الاستبداد وسقوط النظام السوري لا تعني تحقيق الديموقراطية، خصوصا لو كانت ديموقراطية بالمعنى الواسع، وليست مجرد كونها انتخابات وصناديق اقتراع، لكن في خلاف بين معه (حين علق الآمال على الرئيس السوري للقيام بإصلاحات ديموقراطية)، رحلة الوصول إلى الديموقراطية العقلانية لا تبدأ إلا حين ينهزم الاستبداد، بوجود الديكتاتور وبقائه فاعلا يظل المسار المنتج لها مسدوداً ومقطوعاً.
يبقى الديكتاتور، بتعطيله السياسة والحراك المدني والنقاشات العامة، معطلا لجدلية صراع الافكار الاجتماعي الذي يضمن سيرورة المجتمع وأفكاره وقيمه نحو الامام، لم يشهد التاريخ ديكتاتوراً، استطاع أن يقود مسيرة نحو الحرية وتحقيق الديموقراطية لشعبه، هذا ممتنع تماما.
وإذا كان أمر يشير الى بعض التناقض أن من ينادي بالديموقراطية من المعارضة والمتظاهرين وهو غير ديموقراطي، كما يقرر أدونيس في الرسالة، فأن يقود التحول الى الديموقراطية ويدشن الطريق اليها كما أراد في ذات الرسالة من الرئيس بشار الأسد، وهو شخص غير ديموقراطي، ويحتل في الواقع غير الديموقراطي مكانة المستبد المتحكم بمفاصل الحياة والامور، فذلك أمر يدلل على تناقض أكبر بما لا يقاس مع التناقض الاول، فإذا كان الاول ينادي بالديموقراطية ويلوذ بها لأجل تغيير واقعه ومن أجل أن ترفع عنه أعباء الاستبداد والقهر وله في ذلك مصلحة كبيرة تجعله يعمل من أجل تحقيقها وبذل أغلى ما لديه، لا يملك الآخر أي مبرر يدعوه الى قيادة الطريق الى الديموقراطية والنجاح في ذلك.
المعارضة السورية التي تناولها أدونيس في رسالته، كانت موضوعاً برز فيه انقطاعه عن معرفة السياسي في مجتمعه وابتعاده عنه، وعن الحراك المعارض الذي أقر بضرورته، والذي استمر بصعوبة ومثابرة وعناد رغم كل الحرب التي شنتها أجهزة الأمن السورية عليه في العقود السابقة، حراك لم يكتفِ بكونه أصواتاً أبداً، لقد أنتجت المعارضة السورية برامج واضحة ووثائق سياسية لسوريا المستقبل، للديموقراطية والاعتراف بالآخر السياسي والثقافي والديني والاثني، أعلت فيها من شأن الحريات العامة وحمايتها، وأقرت فيها مبدأ التداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، منها على سبيل المثال لا الحصر وثيقة اعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي التي وقع عليها طيف واسع من المعارضة السورية.
لكن الانقطاع لأدونيس عما يمور بمجتمعه، خصوصاً في وجهه السياسي، بدا جلياً أكثر حين تحدث عن الازمة السياسية الحاصلة في بلاده وأرجع جلها سياسياً إلى حزب البعث الحاكم.
يبدو أن غربة أدونيس الجسدية عن سوريا وموقفه الجوهري من استعصاء الواقع السياسي عبر قراءته له في جذره الثقافي حالا دونه وتحليل المشهد السياسي السوري في مستواه المباشر، فامتنعت عليه حقيقة تقدم نفسها من دون قناع، أن حزب البعث منذ أوائل الثمانينيات بات مجرد ديكور غير متقن لاستحواذ الرئيس الراحل حافظ الأسد بشكل مطلق على السلطة وبعدها لإحكام عائلة بعينها على الحكم في البلاد من دون الحزب وأجهزته ومن دون الشعب بكل تأكيد.
حزب البعث العربي الاشتراكي ليس أكثر فعلا في شؤون إدارة البلاد والتأثير فيها من مجلس الشـعب الهزيل، إضافة إلى الجبهة الوطنية التقدمية، تكتمل العدة التجميلية والتمويهية لصفة المؤسساتية والتعددية التي يدّعيها نظام الرئيس بشار الأسد لنفسه في سوريا.
أما النقطة الحاسمة التي ذهبت برسالة أدونيس التي وجهها إلى الرئيس السوري بشار الأسد إلى حد التهافت المدهش، فهي في مخاطبته إياه بوصفه رئيساً منتخباً!، لقد وصلت درجة غيابه عن سوريا والشأن السوري هذا الحد الذي لا يعرف فيه أن يميز بين شروط الانتخابات الديموقراطية وبين الآلية الانتخابية الشكلية التي تحدث في سوريا ويجري من خلالها تعيين رئيس للجمهورية وتفتقد الحد الأدنى من السمة الديموقراطية، إذ لا آلية يتيحها الدستور الذي وضعه الرئيس الراحل حافظ الأسد تسمح بانتخابات رئاسية تضم أكثر من مرشح، القيادة القطرية لحزب البعث، التي يستولي على قرارها الرئيس بشار الأسد ومتنفذون أساسيون من عائلته يشكلون معه دائرة صنع قرار أولى في سوريا، هي التي ترشح الرئيس وتقترحه على مجلس الشعب الخاضع بدوره إلى سيطرة النظام والمنتقى بعناية على قاعدة الولاء له، ثم بعد ذلك يتم الاستفتاء الشكلي غير الخاضع الى رقابة جهات مستقلة ويتم تحت سطوة الأمن وترويعه، وذلك بالتأكيد ليس من الانتخابات الديموقراطية في شيء.
لقد كان من الاولى بمستنير كبير من طراز أدونيس أن يدعم ومن دون تحفظ التمرد السوري ذا الطابع الثوري على الاستبداد في سوريا لا أن يشكك به.
لعل الشاعر السوري الكبير الذي انتهك المألوف في اللغة وصنع عالماً شعرياً جديداً في لغتنا العربية وحارب من أجل الحرية بالمعنى العميق والفلسفي طويلاً لم يكن موفقاً، رغم نبوغه الشعري والفكري، في استجلاء الموقف المناسب من قضية الحرية في بلاده، بل لعله جانب الصواب وابتعد عنه، كأننا لسنا أمام أدونيس الذي كنا نظن، أو كأننا لم نكن نعرفه .
كاتب وناشط سوري ـ برلين
بالعودة إلى رسالة أدونيس المفتوحة التي وجهها إلى الرئيس السوري واتفاقا في ما ذهب إليه فيها، لا أحد يشك بأن الطريق الى الديموقراطية طويل وصعب، وأن مجرد هزيمة الاستبداد وسقوط النظام السوري لا تعني تحقيق الديموقراطية، خصوصا لو كانت ديموقراطية بالمعنى الواسع، وليست مجرد كونها انتخابات وصناديق اقتراع، لكن في خلاف بين معه (حين علق الآمال على الرئيس السوري للقيام بإصلاحات ديموقراطية)، رحلة الوصول إلى الديموقراطية العقلانية لا تبدأ إلا حين ينهزم الاستبداد، بوجود الديكتاتور وبقائه فاعلا يظل المسار المنتج لها مسدوداً ومقطوعاً.
يبقى الديكتاتور، بتعطيله السياسة والحراك المدني والنقاشات العامة، معطلا لجدلية صراع الافكار الاجتماعي الذي يضمن سيرورة المجتمع وأفكاره وقيمه نحو الامام، لم يشهد التاريخ ديكتاتوراً، استطاع أن يقود مسيرة نحو الحرية وتحقيق الديموقراطية لشعبه، هذا ممتنع تماما.
وإذا كان أمر يشير الى بعض التناقض أن من ينادي بالديموقراطية من المعارضة والمتظاهرين وهو غير ديموقراطي، كما يقرر أدونيس في الرسالة، فأن يقود التحول الى الديموقراطية ويدشن الطريق اليها كما أراد في ذات الرسالة من الرئيس بشار الأسد، وهو شخص غير ديموقراطي، ويحتل في الواقع غير الديموقراطي مكانة المستبد المتحكم بمفاصل الحياة والامور، فذلك أمر يدلل على تناقض أكبر بما لا يقاس مع التناقض الاول، فإذا كان الاول ينادي بالديموقراطية ويلوذ بها لأجل تغيير واقعه ومن أجل أن ترفع عنه أعباء الاستبداد والقهر وله في ذلك مصلحة كبيرة تجعله يعمل من أجل تحقيقها وبذل أغلى ما لديه، لا يملك الآخر أي مبرر يدعوه الى قيادة الطريق الى الديموقراطية والنجاح في ذلك.
المعارضة السورية التي تناولها أدونيس في رسالته، كانت موضوعاً برز فيه انقطاعه عن معرفة السياسي في مجتمعه وابتعاده عنه، وعن الحراك المعارض الذي أقر بضرورته، والذي استمر بصعوبة ومثابرة وعناد رغم كل الحرب التي شنتها أجهزة الأمن السورية عليه في العقود السابقة، حراك لم يكتفِ بكونه أصواتاً أبداً، لقد أنتجت المعارضة السورية برامج واضحة ووثائق سياسية لسوريا المستقبل، للديموقراطية والاعتراف بالآخر السياسي والثقافي والديني والاثني، أعلت فيها من شأن الحريات العامة وحمايتها، وأقرت فيها مبدأ التداول السلمي للسلطة وفصل السلطات، منها على سبيل المثال لا الحصر وثيقة اعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي التي وقع عليها طيف واسع من المعارضة السورية.
لكن الانقطاع لأدونيس عما يمور بمجتمعه، خصوصاً في وجهه السياسي، بدا جلياً أكثر حين تحدث عن الازمة السياسية الحاصلة في بلاده وأرجع جلها سياسياً إلى حزب البعث الحاكم.
يبدو أن غربة أدونيس الجسدية عن سوريا وموقفه الجوهري من استعصاء الواقع السياسي عبر قراءته له في جذره الثقافي حالا دونه وتحليل المشهد السياسي السوري في مستواه المباشر، فامتنعت عليه حقيقة تقدم نفسها من دون قناع، أن حزب البعث منذ أوائل الثمانينيات بات مجرد ديكور غير متقن لاستحواذ الرئيس الراحل حافظ الأسد بشكل مطلق على السلطة وبعدها لإحكام عائلة بعينها على الحكم في البلاد من دون الحزب وأجهزته ومن دون الشعب بكل تأكيد.
حزب البعث العربي الاشتراكي ليس أكثر فعلا في شؤون إدارة البلاد والتأثير فيها من مجلس الشـعب الهزيل، إضافة إلى الجبهة الوطنية التقدمية، تكتمل العدة التجميلية والتمويهية لصفة المؤسساتية والتعددية التي يدّعيها نظام الرئيس بشار الأسد لنفسه في سوريا.
أما النقطة الحاسمة التي ذهبت برسالة أدونيس التي وجهها إلى الرئيس السوري بشار الأسد إلى حد التهافت المدهش، فهي في مخاطبته إياه بوصفه رئيساً منتخباً!، لقد وصلت درجة غيابه عن سوريا والشأن السوري هذا الحد الذي لا يعرف فيه أن يميز بين شروط الانتخابات الديموقراطية وبين الآلية الانتخابية الشكلية التي تحدث في سوريا ويجري من خلالها تعيين رئيس للجمهورية وتفتقد الحد الأدنى من السمة الديموقراطية، إذ لا آلية يتيحها الدستور الذي وضعه الرئيس الراحل حافظ الأسد تسمح بانتخابات رئاسية تضم أكثر من مرشح، القيادة القطرية لحزب البعث، التي يستولي على قرارها الرئيس بشار الأسد ومتنفذون أساسيون من عائلته يشكلون معه دائرة صنع قرار أولى في سوريا، هي التي ترشح الرئيس وتقترحه على مجلس الشعب الخاضع بدوره إلى سيطرة النظام والمنتقى بعناية على قاعدة الولاء له، ثم بعد ذلك يتم الاستفتاء الشكلي غير الخاضع الى رقابة جهات مستقلة ويتم تحت سطوة الأمن وترويعه، وذلك بالتأكيد ليس من الانتخابات الديموقراطية في شيء.
لقد كان من الاولى بمستنير كبير من طراز أدونيس أن يدعم ومن دون تحفظ التمرد السوري ذا الطابع الثوري على الاستبداد في سوريا لا أن يشكك به.
لعل الشاعر السوري الكبير الذي انتهك المألوف في اللغة وصنع عالماً شعرياً جديداً في لغتنا العربية وحارب من أجل الحرية بالمعنى العميق والفلسفي طويلاً لم يكن موفقاً، رغم نبوغه الشعري والفكري، في استجلاء الموقف المناسب من قضية الحرية في بلاده، بل لعله جانب الصواب وابتعد عنه، كأننا لسنا أمام أدونيس الذي كنا نظن، أو كأننا لم نكن نعرفه .
كاتب وناشط سوري ـ برلين
جريدة السفير