تأثيرات الخوف التركي من تحرر الشعب الكوردي في إحتدام المأساة السورية!

  سليمان علي

يقال أن أحد وزراء النفط الخليجيين قليلي الخبرة (في أمور الحياة) فاتح الملك ذات يوم في أمر المبالغ الكبيرة من الإيرادات النفطية التي لا تصل إلى خزينة الدولة، فما كان من الملك إلا أن نهره قائلا: أتريد أن تحاسبني على خيرات هذه البلاد التي فتحها جدي بحد سيفه؟ هذه الحادثة المبكية المضحكة توضح طريقة تفكير ليس فقط ذلك الحاكم في الجزيرة العربية.

لعل مبلغ القسوة والبطش الذين أظهرهما النظام السوري في تعامله مع الإحتجاجات السلمية كان مفاجأة للكثيرين من بسطاء العرب والعالم، ولكنني اشك في أنها شكلت اي مفاجأة للساسة العرب والإقليميين والغربيين.
 فحين إستقبل ساركوزي بشار الأسد قبل سنوات قليلة في باريس وأخرجه من عزلته الدولية، كان يعلم جيدا من هو بشار الأسد وكيف يحكم، وحين وقع وزير الداخلية الألماني شويبله قبل 3 سنوات إتفاقية مع النظام السوري تقضي بإعادة اللاجئين السوريين إلى أحضان الديكتاتورية، كان يعلم تماما طبيعة ذلك النظام الذي يستورد منهم قبل كل شيئ الأسلحة وأدوات القتل والتعذيب.

وكذلك الأمر بالنسبة للأتراك والروس والصينيين وغيرهم من الدول، فإستخباراتهم تعمل ليل نهار ويعلمون تماما كيف يعمل ويتعامل نظام البعث الأسدي الذي فتح سوريا قبل حوالي نصف قرن بحد السيف.

تدخلت الدول العربية والغربية وتدخل مجلس الأمن في الشأن الليبي بسرعة فائقة وصدر قرار مجلس الأمن بشأن ليبيا حين كان الحديث هناك يدور عن 180 أو 200 قتيل.

فأين قرار جامعة الدول العربية ومجلس الأمن وقد إقترب عدد ضحايا ثورة الشعب السوري من ألفي شهيد معروفة اسمائهم وآلاف من المفقودين مما يجعل التكهن سهلا بأن عدد الضحايا يمكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير وخصوصا بعد إنكشاف أمر بعض المقابر الجماعية في درعا وغيرها.

لاشك أن هناك أسبابا مهمة تفرض شكلا مختلفا من التعامل مع الحدث الليبي عربيا وعالميا وهذه الاسباب لا صلة لها بأي شكل من الأشكال بسواد عيون الليبيين وما إلى ذلك.

كل ما في الأمر أن النفط الليبي أكثر بكثير من السوري وأنالميزانيات الأوروبية والعالمية تحتاج إلى ملياراتها لتخطي الأزمة المالية العالمية التي عصفت بها قبل ما يقرب من عامين.

ولكن عاملا آخر لا يقل أهمية عن العامل المذكور يلعب دورا كبيرا، وهو أنه ليس لليبيا حدود مع تركيا و لا توجد فيها قضية كوردية كذلك وهذا هو بيت القصيد.
بالرغم من أن النظام السوري بإرتباطاته السياسية المكشوفة مع النظام الإيراني والتنظيمات المصنفة على قائمة الإرهاب العالمي مثل حزب الله الإيراني- اللبناني وحماس، مؤهل أكثرمن النظام الليبي للمواجهة العنيفة من قبل الغرب كما هو مفترض مقارنة بنظام القذافي الذي إستسلم قبل سنوات للغرب وسلمهم معداته النووية ودفع التعويضات لضحايا مغامراته الصبيانية فوق سماء لوكربي وغيرها.

ومع ذلك فليس التجاوب العالمي مع الثورة السورية وضحاياها بالمستوى المطلوب والمتوقع من المؤسسات الدولية المعنية بحماية المدنيين من بطش النظام السوري.

لا يختلف إثنان على أن تغييب الشعب الكوردي وحرمانه من حقوقه في سوريا ما بعد بشار غير ممكن.

وهذا يعني أن الدولة التركية التي تضم في حدودها الكم الأكبر من أبناء وبنات الأمة الكوردية والجزء الأكبر من أرض كوردستان سوف تضطر قريبا للقبول برؤية العلم الكوردي مرتفعا في كوردستان سوريا أيضا كجزء من سوريا الديمقراطية التعددية، كما يرفرف في سماء إقليم كوردستان العراق.

معروف أن الدولة التركية التي لا تستطيع حتى الآن الإعتراف بالشعب الكوردي في كوردستان تركيا وحل القضية الكوردية لديها قد قامت بالمستحيل من أجل عرقلة تطور إقليم كوردستان العراق ونيله لحقوقه وذلك من خلال التدخلات العسكرية والأمنية ودعم الجبهة التركمانية العنصرية وغيرها من المحاولات الحثيثة التي باءت كلها بالفشل.

لذلك يصعب الإعتقاد أن تلك الدولة سوف تسير نهجا أخر وتمارس سياسة مغايرة تجاه إحتمال نيل الشعب الكوردي في سوريا لحريته وحقوقه مدعوما من جميع أطياف الشعب السوري كما تظهر مؤشرات الثورة السورية وجمعة آزادي بالتحديد ومشاركة الكورد وإستجابتهم لجميع أيام التظاهرات.

إنطلاقا من هذه القناعة يمكن الإستنتاج أن لتركيا كعضو فاعل في حلف الناتو دور في عدم تدخل الناتو ومجلس الأمن لحماية المدنيين في سوريا حتى الآن.

فقد حاولت تركيا لعدة اسابيع أن تقنع الأسد نفسه بأن يقود التغيير .وتسربت قبل يومين معلومات تفيد بأن الاتراك قد قدموا للأسد برنامجا كاملا لما سموه بالإصلاح على الطريقة التركية يشمل قانونا للإنتخابات يمكنه من تحديد نسبة الوصول للبرلمان بشكل يمنع الأحزاب الكردية من إجتيازها وكذلك إجبار الكرد على تغيير أسماء أحزابهم بشطب كل ما يوحي إلى الكرد والكردية كما هو جار يالآن في تركيا.

وعندما تطور الأمر أرادت تركيا أن تجمع المعارضة تحت مظلتها وعلى هواها، فكان مؤتمر أنطاليا الذي تم تغييب الحركة الوطنية الكوردية عنه قصدا ليصدر عنه بيان لا يصل في جانبه الكوردي إلى سوية مطالب الشعب الكوردي المتمثلة في الإعتراف الدستوري به أرضا وشعبا كثاني قومية في البلاد وتم تعويض المكون الكوردي بحضور يتمثل في قليل من الشخصيات الكوردية القديرة وعدد كبير نسبيا من قانصي الفرص الباحثين عن الشهرة والسياحة المجانية.

ولكن المؤتمر فشل وإنقلب عليه أهم طرف معارض شارك به وهم الإخوان المسلمون الذين عقدوا بعده بأيام مؤتمرا آخرا في بروكسل وتوصلوا إلى قرارات غير قرارات أنطاليا.

وعندما سالت دماء السوريين بغزارة وظهر إسم ماهر الاسد كآمر مباشر بالقتل، جرى الحديث عن مقترح تركي يقضي بإستقباله وتبييض صفحة أخيه الرئيس الذي سوف يمكنه بعد ذلك قيادة الإصلاح.

ولكن خطاب بشار الاسد الثالث خيب الأمال التركية وأفسد مخططها.

ولهذا يجري الحديث هذه الأيام عن إحتمال تدخل عسكري تركي ومنطقة حدودية عازلة إلخ.

هل تتفهم المعارضة السورية بجميع أطرافها ومكوناتها نوايا السياسة التركية في سوريا؟ وهل سوف تحذز من الإنسياق ورائها؟
الخوف التركي من القضية الكوردية وتعنتها أمام الحقوق المشروعة لشعب كوردستان، لا يسمح لها بالنظر إلى مأساة الشعب السوري بعين الرحمة والإنسانية،بل بمنظار المصالح الضيقة الذييفضي حتما إلى تشديد الأزمات في المنطقة برمتها وفي تركيا نفسها؟
لذلك أتوجه بالنصيحة والنداء للمعارضة السورية أن لا تقبل بالالتفاف على الحركة الكوردية والشعب الكوردي في سوريا سواء من قبل السلطة أو القوى الإقليمية أو بعض أطراف المعارضة، فالقضية الكردية في سوريا قضية وطنية سورية ودون حلها ستبقى الديمقراطية عرجاء أمثلة العراق وتركيا ماثلتان للعيان.

2011.06.25

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…