ومن المؤكد أن الخيال الجامح لمؤسسي هذه الكلمات قد أنعشت هذا الحدث الجبار الذي سماه المحللين السياسيين في العالم: “ثورة الربيع العربي” فمن هذه التسمية يجب عليهم الاعتراف بأننا كنا نعيش في قحط كامل ومستديم في عموم حياتنا التي أسبغت عليها السبات الطويل من ترهيب كل شفيف حركة تحاول أن تعمل حراك اهتزازي بسيط لتكسر أعواد الثقاب التي لاحقاً أشعلت المنطقة؟! ويا محلاه من زلزال هزت عروش وجعلتها في ذكريات الماضي تقتات على حلم إمبراطورية القهر العسكرتارية التي أصابتها الدهشة وهي تطلق على مناوئيها بالجرذان, الجراثيم, المندسين وهذه الكلمة هي الأخف وطئاً من جهة ضرب المتظاهرين ينعوت تقلل من قيمتهم مجتمعياً ومعرفياً وسياسياً؟ إنها كلمات هدفها الإساءة ثم الإساءة التي تجعلهم ينزون في خانة الخارجين على القانون؟! وأي قانون هذا الذي وضعه العسكر التي نفثت اللهيب الأسود في نسغ حياة المجتمع المفكك أصلاً نتيجة حتًِهم المتواصل طوال عقود في شتى الاتجاهات؟! ولا شك أنها جمهوريات الخوف والقهر التي باتت تخترع كلمات تحاول أن تقزم هذا الحراك السياسي السلمي الذي كسر حاجز الخوف والرهبة المقيتة التي كانت مسلطة على رقابنا؟! ولا تنفك عنها بألف عقدة بحريةٍ ومربوطة بسلاسل المرسى الصدئ .
في أيام الجمع إنه مشهد حميمي تتلاحم الأيادي متشابكة, وتقترب القلوب بشفافية أكثر, وتصل حناجر المتظاهرين إلى عنان السماء مرددين نشيد الحرية والديمقراطية.
إنه يوم التعطش لرائحة الحرية والانعتاق من هذه القيود التسلطية؟! حناجر تهتف ضد الفساد المستشري حتى نقي العظام في هرم السلطة.
كل هذه المفردات من قاموس الغرائب التي دخلت قلوب الملايين بدئت معي في السجن, نعم في سجن القامشلي كنا ثلة من الشباب الكردي والعربي المتوجسين خوفاً من البوح بالحقيقة؟! نعم توقعنا زوال عروش عربية, أثبتت فشلها ونهبت من خيرات البلاد والعباد ما شاء الله؟! وقد أكدنا على أن شرارة هذه الاحتجاجات حسب لغة السلطة؟ والمظاهرات بحسب لغة المنتفضين في الشارع؟ ستصيب سوريا, لكن ثمة البعض الآخر لم تصدق عقولهم أن حاجز الخوف سوف ينكسر فقالوا لا نحن في “جمهورية الجبروت والقوة” وكل شيء تحت السيطرة؟ وقال بعض الخبثاء الشرارة قادمة عبر الأمواج البشرية التي ستعبر عبر فضاء الفيس بوك العنكبوتي الجميل, شرارة ذات منظر قوس قزحي كبير يتماوج في كل الجهات من الجنوب إلى الغرب, إلى الشمال, وبالأخص الشمال الشرقي الأشد عذاب لاقوه في جمهورية الخوف التي انفجر فيها البركان الذي من الصعوبة بمكان أن يتوقف لهيب هذه الحمم البشرية وخاصة كلما ازداد القتل والقمع في الجمع وغيرها.
فيا أولي الألباب: تفكروا جيداً في هذه العبارات التي دخلت قاموس الحداثة السياسية من جديد؟ وأخيراً نقول:” المندس الذي يدخل خلسة إلى مكان ما ويأخذ ما لغيره؟! وإن من ينهب قوت الشعب فهو مندس وفاسد؟
ومن يوسم شعبه بهذه المفردات فهو واهن؟
ومن يتملق للسلطة فهو مندس؟
والذي ينزل للمظاهرات التي تنادي بالحرية والديمقراطية فهو مندس وطني يعلو ولا يعلى عليه؟
ومن المثقفين الذين كانوا نائمين في أذن الثور, وعرفوا أن الحال لن يبقى كما هو في السابق؟ فتسابقوا في تدبيج المقالات وإبداء الامتعاض من الذي يحدث في سوريا؟! وهو رفع عتب؟! وآخر يفتخر بحصوله على جائزة الحزب المنهار مذيلاً مقالته في نقد الأحزاب ويرشدهم إلى جادة الصواب فهو مندس على الرغم من شهادته العالية؟! وثمة آخرين سيخرجون غداً ويأخذون المقاعد الوثيرة الأولى وهم أيضاً مندسين؟!
ومن المندس ننحو نحو المناضل الكبير غيفارا حيث يقول:”
الثورة يقوم بها الشرفاء, ويأكل ثمارها الحقراء” ما أجمل البلاغة من هذا العظيم الرمز الخالد.
قامشلو 7-7-2011
siyamendbrahim55@gmail.com