صدق نزار قباني.. وكذب الزعماء العرب

فوزي الاتروشي

   لم يكن الشاعر الكبير نزار قباني شاعر الحب والمرأة فحسب، وان كان هذا وساما رفيع المستوى حمله هذا الشاعر الذي بلغ الذروة ومازال، اضافة لذلك فأنه من أوائل من لجأ الى تعرية الانظمة العربية الغارقة في الظلام وعبادة الذات النرجسية والبدائية في مواجهة تحولات العصر.

كتب نزار (هوامش على دفتر النكسة) وكان ذلك تفجيرا اخضرا ضد هشيم الخطابات واللغة الانشائية التخديرية، وكان مسمارا يدق في اردية التبجيل والتفخيم والتعظيم الكاذبة.

التي يتوشح بها زعماء لا يملكون ذرة من الرصيد المعنوي لدى شعوبهم.

وكتب نزار الشاعر قصائد للمقاومة مازلنا نرددها بحنين ومحبة لانها بصراحة لاتموت.

وفي قصيدة (المهرولون) نفض قلبه من كل اثر للتعمية على ما في هذه الأنظمة من قبح.
   وفي قصيدة (لسان حال الزعماء العرب المتمسكين بكراسي الحكم) تحدث الشاعر المبدع وكأنه يتحدث اليوم فلسان حال الزعماء – القادة الضرورة – الخالدون على الكراسي الماسكين بزمام الماضي والحاضر والمستقبل يقول:

ايها الناس: انا الاول والاعدل والاجمل من

بين جميع الحاكمين

وانا بدر الدجى وبياض الياسمين

وانا مخترع المشنقة الاولى وخير المرسلين

كلما فكرت ان اعتزل السلطة ينهاني ضميري…

من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين.

   هذا هو لسان حال الحاكم في ليبيا واليمن وسوريا وكل الانظمة النائمة نومة اهل الكهف وهي تتجنب النظر الى قرص الشمس الحارقة.

   فاذ تغص الشوارع بمئات الآلاف من الشباب في لحظة تاريخية انعدم نظيرها في التاريخ العربي، واذ يموت الخوف كليا في قلوب الناس وتعود كلمة الجماهير هذه المرة بمحتوى ومغزى آخر غير موجه للمستعمر الأجنبي ولا لجيوش الغزاة، بل لجيوش الامن والاستخبارات والمرتزقة في الداخل، واذ يكون الاطفال ضمن اول المطالبين بالحرية والعدالة والديمقراطية ومجتمع المساواة، نقول اذ يحصل كل هذا فان الزعيم العربي يعزف على اسطوانة المؤامرة والتدخل الأجنبي ويتصور ان كل مايحدث رذاذ لمطر صيفي سرعان ماسينقطع.

هذا يعني ان فخامة الزعيم لايقرأ ولا يكتب وان عقله مختوم بالشمع الاحمر وانه يعيش على كوكب آخر بالتأكيد.

   يتصور النظام السوري انه الماسك بالارض والسماء وانه قائم في عيون الاطفال كالحلم وقابع في قلوب النساء كواحة حب وامل، ورابض في وجدان الرجال كحبل الرجاء الاول والاخير.

هذا طبعا عبر صحافته الصفراء ومنابره الاعلامية الخالية من الذوق والحقيقة وعبر (خبراء) في السياسة لايجيدون في الاعلام الا رقصة مدائحية واحدة للنظام وقصائد عصماء لا تمل التكرار والاجترار.

اما الواقع فيقول ان دخول السفير الامريكي والسفير الفرنسي الى المدن السورية التي تذبح من الوريد الى الوريد واستقبالهما من قبل المنتفضين بالزهور يعني ان الظلم آتٍ من ذوي القربى والعدل آتٍ من ذوي العقل والحضارة الموقعين على الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

وحين يتعلق الامر بميزان العدل والظلم لانحتاج ولا نعول على هوية الظالم والمظلوم فالعدل والظلم قيمتان مطلقتان فكل عادل على الارض موقعه الذاكرة الجمعية للبشرية وكل ظالم مصيره مزبلة التاريخ الى الابد.

ولذلك اتحد القريب والبعيد والعربي والكردي والسرياني والشيعي والسني والصغير والكبير والشاب والشيخ والرجل  والمرأة ضد آلة الحرب والدمار التي لم تقتل سوريا وحدها فحسب على مدى عقود بل وتخطت بغرورها ودمارها الى لبنان الديمقراطي الجميل وكانت على مدار السنين الماضية مصدرا للمفخخات والاحزمة الناسفة وسموم الموت التي تعبر الى العراق عبر سوريا.

   الم نقل ذات يوم ان الذي يسبب الحرائق في بغداد عليه ان يتوقع ان تلتهم النيران عقر داره ذات يوم؟! وهذا ما يحصل.

كاتب وسياسي كردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…