عروبة أم تعريب .. و حوار أم تحوير ؟!

عبد الرحمن آلوجي
 السكرتير العام للبارتي الديمقراطي الكوردي ـ سوريا

كثر اللغط والأخذ والرد في الآونة الأخيرة ـ مع تزايد وتيرة لانتفاضة السورية واتساع دائرتها ـ كما كثرت المواقف والتصريحات في اللقاءات التداولية والمؤتمرات داخل وخارج سوريا في محاولة البعض تأطير أهداف الاحتجاجات المشروعة بدوافع شتى , ومحاولة آخرين ركوب الموجة ، واستثمار تضحيات الشباب المنتفض في هرولة غير مدروسة نحو مكاسب آنية هنا وهناك ..

إلا أن المواقف الصائبة والمبدئية هي المؤثرة والباقية والمحركة للشارع ونبضه مما يمكن أن تصغي إليه الجماهير الغاضبة وهي تخرج عارية الصدر إلا من اليقين لتحقيق الأهداف الكبرى في التغيير والديمقراطية والعدل وقيم المواطنة الحرة في سوريا.
 وآخر هذه المؤتمرات مؤتمر الإنقاذ الوطني للتغيير الذي دوهم في حي القابون بدمشق ، مما ألجا القائمين عليه على اعتبار المؤتمر الموازي في اسطنبول بديلا عنه ، وبدلا من أن يكون هذا المؤتمر إنقاذا لسوريا ودفعا بها إلى تحول مدني انتقل المؤتمرون إلى حالة من الإقصاء والتهميش ، وإضفاء الصفة العروبية على المؤتمر بإجراء تعديل أساسي على الصيغة التحضيرية المقدمة وإقصاء الوفود الكوردية الرسمية وغير الرسمية عن فعاليات المؤتمر تحضيرا ومشاركة ، ليخرج البيان الختامي خاليا من أية إشارة للوجود الكوردي الراسخ في سوريا إلا من خلال إشارة عابرة لا تكاد تؤكد على القيمة الدستورية لهذا الوجود بل تجعل من الجمهورية السورية المتنوعة جمهورية عربية،علما أن الصيغة المتفق عليها كانت تتجه إلى إقرار الوجود الكوردي كمكون أساسي لا يمكن تجاهله وهو لا يعني بالضرورة  أي موقف سلبي من جانب الكورد تجاه شركائهم العرب وقضاياهم الوطنية والقومية بل يؤكد على الشراكة في بعد كامل عن الطابع العنصري الذي كان متبعا بنكران فعلي للوجود الكوردي في سوريا حياتيا ودستوريا وعلى مستو الإجراءات العنصرية المتبعة والتي لم تكن تنسجم قطعا مع التطلعات إلى قيم الدولة التعددية الحديثة , وهو ما أطلق الحناجر والأبواق المغرضة والمدجنة طوال عقود للخلط بين ما هو عروبي مشروع وآخر تعريبي مذيب ورافض للآخر المتنوع , وهو ما يدركه القوميون المعتدلون من الأخوة العرب والذين يعلمون حقيقة مخاوف وهواجس أخوتهم الكورد وهم يتطلعون إلى دولة الحداثة والتعددية .

والأمر الآخر الذي يلفت النظر في ثنايا الدعوة إلى الإصلاح والتغيير في المؤتمرات واللقاءات التشاورية في الداخل والخارج وعلى صعيد الدعوة إلى مؤتمر وطني كوردي هو مسألة الحوار ومستوياته والأطراف المشاركة فيه ومدى اكتمال شروطه والجهات المخولة والمشرفة ، مما كان خطنا واضحا لا لبس فيه ولا تحوير ولا تزييف , فالحوار من حيث المبدأ لغة المتفاهمين والمتنافسين والمختلفين  ولكن للحوار شروطا ومعايير لا يمكن تجاهلها , وهي في حالتنا السورية ، حيث تصاعد الحل القمعي ، وإراقة الدماء والزج بالآلاف في المعتقلات وحالات التشريد وحصار المدن بالمدرعات ، وغياب التكافؤ والتساوي ،لا يمكن مع هذه المعوقات  أن تتحقق مسيرة الحوار الذي يحور باتجاه إضاعة الوقت وتعقيد الأزمة ، وغياب الحلول الجذرية المؤدية بالضرورة إلى تلبد الأفق الوطني ، مما يجعل أي طرح للحوار في هذا الاتجاه محاولة أخرى لركوب الموجة ، والهرولة باتجاه مكاسب واهمة ، مبهمة وغير محددة الأهداف ، وهو ما لا ينسجم مطلقا مع تطلعاتنا المشروعة إلى تلبية نبض الشارع السوري بمختلف ألوانه ومكوناته،والهادفة إلى الديمقراطية والتغيير الشامل ، ومنها وضوح الرؤية أمام الخصوصية الكوردية وحق الاعتراف الدستوري بمكون أساسي هو الشعب الكوردي في سوريا ، في شراكته التاريخية لسائر المكونات السورية الأصيلة.

 إن منطق الشراكة الحقة والمواطنة الحرة يعني بالدرجة الأساس احترام القيمة الوطنية العليا للإنسان السوري ، وتوطيد دعائم المعايير الأساسية بالتشارك والتفاعل دون تغليب عنصر أو مذهب أو اتجاه إلا ما يغني هذه الشراكة في حوار مبدئي ومتكامل ومفعم بالثقة والتكافؤ والمناخ الطبيعي , وهو ما دعونا وندعو إليه بعيدا عن المحو والتعريب والتحوير والتحريف .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…