بين جمعتين: جامعة وجامع ودماء(6)

إبراهيم اليوسف

لا يزال بشار الأسد، يراهن على الدَّين، وهو في إهاب الضحك على الناس، واستغلال مشاعرهم، كأبيه، تماماً، ليكون أشرَّ سلف لأشرِّ خلف، بالرغم من أن ما يفعله، ليس نتاج “ذكاء” أو” حنكة” أو “حكمة”، بل نتاج غباء، هو في أرومته القريبة والبعيدة، ترجمة للبلاهة التي تحدث عنها أقرانه، ومزاملوه، أيام الطفولة، والدراسة.

 تلك البلاهة التي لما تزل تقطر من ملامحه، بالرغم من عمليات “المكيجة” الهائلة، التي تعرض لها، خَلقاً، وخُلقاً، ليكون في صورة” الرئيس”، “الموديل”، كي  يحقق مواصلة عملية الاستبداد التي انتهجها أبوه، في خدمة أنفار من البِطانة، هؤلاء الأنفار المرتبطين-وفق قاعدة هرمية-مع سلسلة من أشباههم المصغَّرة، والمشبوهة، حتى تستوي قاعدة الهرم على أصغر شبِّيح، رضع من ثدي الفساد والاستبداد.
ولعلَّ مثالين، لافتين، يصلحان للحديث عن استهزائه،المعمم، وهو المجسِّد للنظام، ليس بأبناء شعبه، فحسب، بل بالعالم، أجمع- ظهرا للعالم أجمع، أولهما أنه عندما التقى بعيد عمليات مسح دامت لأسابيع، بأنفار ممن يسمون ب” العلماء” يالبؤس عمائهم..!-وأنا ممن جبلوا على إجلال عالم الدين الصالح والثقة به-  ومن هؤلاء الأنفار من هو معذور، في ما إذا كان قد “ُجرَّ” على أنفه، مكرهاً- من باب التماس العذر للآخرين- أومنافق، وهو من جاء طائعاً، موالياً، متباهياً، زلفى، ودجلاً، يريق لعابه على رتبة، أوربتة، أو مرتب.

ولقد كشفت الثورة السورية، عن كمِّ من هؤلاء، ممن هم غالباً، في موقع المسؤولية، والإيلاغ في الفساد، أوبسبب من لوثة المنفعة.حيث صافح هؤلاء،تلك اليد الملوثة بالدم، يد “رئيس” البلاد-وهو النكرة دون كرسيه كـأبيه تماماً- ليكذِّب عدسة التصوير التي التقطت قذف مئذنة دير الزور-عبر ثقيل الأسلحة- وهي تتهاوى، أرضاً، في استفزاز وتحد للضميرالإسلامي المنوم، وكأن مئذنة ذلك المسجد لم تكن في مدينة “عروس الفرات” ومدينة الفراتي، كانت مجرد دريئة، في ” البوسنة والهرسك”، وأن من قذفها كافر، أو كانت في الأرض المحتلة، أوأنها من فعل أحد عابثي “الفوتوشوب”-وهو المعترف والمبارك لجيشه الإلكتروني- ناسياً أن المئذنة قد سقطت حقاً، بعد رميها- وأن القذائف كانت تقصد الجامع نفسه، بل المنطقة نفسها، قاصدة روح سوريا، ونبضها، وإن آلاف أبناء المنطقة هم الشهود الميدانيون، على الواقعة الموصوفة، ومن يقتل” عبد الله”، لن يتورع عن تهديم بيته، وهوما تكررفي أكثر من جامع عمريٍّ، أو عثمانيٍٍّ، أو أبي بكريٍّ أو علويٍّ، على حدٍّ سواء-وأنا بصدد أسماء الخلفاء الراشدين فحسب-أو حتى لو سمي الجامع باسم الرسول نفسه،أو حتى باسم الرب- المشهد الذي لم يعلق عليه أردوغان ولم  ينعقد لأجله مؤتمر إسلامي تهرول إليه إيران-  لأن النظام، المتجبر، المتفرعن، لا”هوية له” ولا دين” ولا” مبدأ” ولا مذهب، أبعد من”مقعد” الكرسي، المتسع على شكل خريطة بلد، أبيٍّ، كما أن لا قيم ولا أخلاق له.

وثانية أثافي الكذب البشَّارية، هي تكذيبه-مرة ًأخرى-لصورة موصوفة لزبانيته وهم يطلبون من معتقل، منشقٍّ، مسمَّى إلكترونياً، وعيانياً في وسطه: قل لا إله إلا بشار، وإلا ماهر……، كي يلاقي-بعدئذ مصيره- الحتمي-حتى وإن قالها تحت سطوة رهبة فوَّهة البندقية- على أيدي”فرق الموت”، أجل “فرق الموت” نفسها،وكان من يعلن الشهادتين-في ذروة الدعوة للإسلام- في منجى من القتل، أياً كان، وذلك في عرف إسلام، لم يدخل قلب بشار، وبطانته القتلة، إسلام براء من القتلة، أياً كانوا، قتلة، ومفتي قتل، مادامت الصورة الإلكترونية، تشير إلى أسماء، ووقائع، أيضاً، ولن أتحدث عن إلزام للركوع لصورة بشار- المجرورهنا موقعاً حتى وإن فتح كنشاز لغوي -فهو شأن من مستلزمات استكمال السياق  ذاته..
و من قبيل”بيضة الديك”، المألوفة، والمتوارثة، ابناً عن أب، إقدام بشار على” ارتكاب” تلويث جامع باسم أبيه باسم”حافظ الأسد” ، لأداء” صلاة العيد”-وأجزم أن اللارجل لم يتوضأ في حياته مجرد مرة واحدة..

وربما لا يعرف الوضوء..- حيث لم يظهر حوله-في تدبير عسسيٍّ- إلا ثلاثة صفوف من المصلين، وهم ممن يتم انتقاؤهم، مخابراتياً، جلُّهم من صنف ذلك الدعي- المعضون في المسمى مجلس الشعب-  والذي رأى، في تلقين مخابراتي- أن سوريا والعالم العربي قليلان على رئاسة بشار، فهو أحق برئاسة “العالم” طراً، وأدقق-من جهتي-على كلمة “طراً” غير مضاف إليها.
وبشار،الذي يوقِّع على قانون الإعلام الجديد في الفاتح من أيلول2011 -كلعبة باسم الإصلاح-هو من أعاد قانون الإعلام الصادر بموجب المرسوم50 لعام2001 إلى حضيضه-   ومن دون أن يسأل: أينه الفاتح، الضائع، المتواري، المتخفي،ليواصل-كذبه- بلعبته الجديدة، وهو الذي حطم ونظامه كل رقم قياسي، عالمي، في” الكذب” فبات جديراً بأن يصبح اسمه مَثَلاً في الفرية والزيف والكذب، ليقال عمن يكذب”أكذب من بشار..!”،لايزال هناك الإعلامي السوري، قابعاً في السجن، مصادر الرأي، ولا تزال “مقاهي الإنترنت ” السورية، تربط عبر شبكات خاصة، بجهات المراقبة في” الأمن العسكري” في كل مدينة، وبلدة، وقرية، ليتم اعتقال كل من يخالف ذلك، بل لا يزال هذا الإعلامي ملاحقاً، مهجَّراً، أو تحت طائلة التهديد، بمختلف الأشكال، كما لا توجد على طول سوريا وعرضها، صحيفة، أو مجلة، أوقناة تلفزيونة، أو إذاعة، رسمية، تنطق باللغة الكردية، لغة أربعة ملايين كردي، بل إن مئات المواقع الإلكترونية محجوبة، حتى الآن…!؟.


كيف يتم الحديث عن حرية ما، في سوريا، أية حرية…لا حرية إعلام، وقد قتلت تحت التعذيب أربع عشرة امرأة سورية؟-وهو ما لم تفعله أسوأ عصبيات المكان- بل كيف يتم  الحديث عن الحرية، وهناك مائة وعشرون ألف معتقل سوري، مجهول المصير، في بلد حول بعض الملاعب والمدارس، إلى سجون، بعد أن ضاقت السجون، على كثرتها، بأحراره، بل بعد أن تحولت سوريا إلى سجن، بل جحيم، وهي فردوس الشرق، إنساناً، وحضارة، وزاد عدد الشهداء عن ثلاثة الآلاف،حتى الآن، ناهيك عن آلاف الجرحى، والمشوهين.

كيف يتم الحديث عن حرية إعلام في بلد، يكذب تلفزيونه، وتكذب جريدته، ويكذب وزيره، ويكذب أمنه، ويكذب مفتي جمهوريته، ووزير أوقافه، ويكذب وزير خارجيته، ويكذب برلمانيه، و يكذب رئيس حكومته،  ويكذب رئيس جمهوريته، ويكذب الحزب القائد للدولة والمجتمع، وتكذب أحزاب جبهته الملحقة به، منذ العام 1970 وحتى الآن…..؟؟!
إن بشار الأسد، الذي استهوته أصداء سير” بسمارك” وفرانكو” وبينوشيت، التي قد يتلقاها سماعاً، لا قراءة، شأن بنية ثقافته، من دون أن يجرؤ على مواجهة قِطِّ، أو جرذ، أو فأر،بمفرده، لولا استقوائه بمصاصي الدم من حوله، الذين ينفخون في قربة ذاته المريضة، الممسوسة، ولولارشاه لعالم، مباع الضمير، على حساب تجويع شعب”ه”.

كان عليه أن يسمع نداء صوت الضمير السوري” ارحل..!”، واضحة الإيقاع، والدلالة، ويلقي خطبة رحيله، خطبة الرحيل، قبل أن تستطيل رقبته، متزرفة، تجاه المحاكمة المؤكدة، شأن ” قطاع طريق” من ناهبي سوريا، أجمعين، فقد أوصل البلاد إلى الهاوية، استكمالاً لخطة أبيه، وهل أسوأ من إجراء المحارق لمن انشق عن جيشه الذي أرهبه بالحديد والنار، وكان الشعب السوري يصيح، في أول الثورة”الشعب والجيش يد واحدة”، لتقول الأم السورية، ليلة أمس، في مسيرتها الاحتجاجية:خائن خائن خائن  الجيش السوري خائن”، وليس أبلغ من صرخة أم في وجه ابنها، تخونه-وهي مرضعته الحليب الذي أفسده كتاب التربية القومية الزائف وظل الرعب الأمني- إنه ” جيش الدكتاتور حافظ الأسد” ، وربيب مخابراته، كما أراده هو” عقائدياً” يوجه الابن البندقية على صدر أمه-الصدر الذي رضع منه- على قلوب أبيه، وأخيه، وابنه، وحبيبته،القلوب التي تفرد له المكان، حيث لا خيار أمامه في ثنائية مقيتة.، فإما” أن يقتل أو يقتل”، وقد قال سميح شقير في أغنية الثورة الخالدة عنه” هذا الجندي ابن بلادي/ظهره للأعادي / وعلي هاجم بالسيف/ ياحيف..”، فهو لابد كان يتذكر الجندي المصري أو الجنرال المصري، وكيف كانا أثناء الثورة المصرية.
إن وصول حالة” نائب عام” كالمحامي محمد بكور-في حماة- ليطلق صرخته، بعد أن ضاق ذرعاً بالنظام، وهوابن السلطة، الذي دعاه للإمضاء مكرهاً على اثنين وسبعين حالة قتل تحت التعذيب، في حماه، من قبل مختلف الجهات الأمنية، التي تتصرف على نحو” أمن وجيش الاحتلال” مع من هو صاحب رأي ، فحسب، قال كلمته، بشكل محض سلمي.ا، هو صورة عن الآلاف من أقرانه، من شهود الزور، الذين سيقولون كلماتهم-ناهيك عن المقابر والمحارق، وإثم ذبح الأطفال الخدج في حماة وسواها،  بل وغير ذلك، من قائمة الفظائع والإرهاب- وإن شهادته قادرة على الإطاحة ب” هولاكو” أوموسوليني أو نابليون بونابرت، أو نيرون، شبيه الأسد هستريا،وجنوناً، وانفلاتاً على القيم، أمام أية محكمة وطنية، عادلة، والإطاحة المطلوبة-هنا- لن تعول على خارجي، لا تزال بوصلة موقفه من نظام”بشار” رهن مشيئة زئبق مصالح الأمم،بين حدي بارومتر بازار: الربح والخسارة، إذ لا فرق بين أردوغان، وروسيا وأمريكا، أو الجامعة العربية، على حد سواء”……..”

elyousef@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…