عبد الحميد درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والذي يشغل ايضا نائب الامين العام لاعلان دمشق، قال في لقاء مع “المجلة” إن “الحركة الكردية تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من المعارضة الوطنية في البلاد، و لا يمكن الفصل بينهما مهما بذلت من جهود و محاولات ، فالكرد يعتبرون قضيتهم قضية وطنية بامتياز”.
عبد الحميد درويش، الذي ارتبط اسمه بتأسيس أول تنظيم سياسي كردي في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وكان رفض دعوة الى الاجتماع مع الرئيس السوري، نفى الانباء التي تحدثت عن ضغوط من قبل الرئيس العراقي جلال طالباني على الأحزاب الكردية لتنيها عن المشاركة في الاحتجاجات الجارية في البلاد .
وكشف قائلا: “طالباني لم يقف صامتا من الاوضاع في سوريا، و إنما طالب عن طريق رسائل و مبعوثين الرئيس بشار بضرورة القيام بالإصلاحات المطلوبة و تلبية مطالب الشعب السوري”.
وفي ما يلي نص الحوار:
المجلة: إن المتابع للحراك السياسي للمعارضة السورية (الكردية– العربية) يرى إن هناك هوة بين الحراك السياسي للمعارضة وحركة الاحتجاجات في الشارع، هل فاجأكم وصول ربيع الثورات العربية إلى سوريا؟
– لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن ينكر بأن رياح الثورة في تونس، و ظاهرة محمد بو عزيزي، كان مفاجأة للجميع، أما وصولها إلى البلدان العربية الأخرى بما فيها سوريا فكان متوقعا للمعارضة و للشعب السوري أيضا .
المجلة: إن لم تفاجأوا، هل كانت المعارضة أو الأحزاب الكردية مستعدة للتعاطي مع حركة الاحتجاجات وهل كانت هناك اجتماعات بين أطراف الحركة الكردية واتخذت قرارات معينة بهذا الخصوص؟
– لا أخفيك بأن المعارضة الوطنية و كذلك الأحزاب الكردية في سوريا كانت تعاني من ضعف شديد نتيجة لتعرضها للاستبداد و القمع و القهر خلال خمسة عقود، و لكن رغم ذلك بقيت هذه المعارضة على الساحة السياسية، و هي اليوم تناضل من أجل الحرية و الديمقراطية بجدارة، و إن من يأخذ على المعارضة الوطنية في سوريا ضعفها يبتعد عن الحقيقة و عن الوقائع الموضوعية و المعاشة في سوريا.
المجلة: هناك من يرى ان الاحزاب الكردية متأخرة عن حراك الشارع ما أدى بالشباب إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر للشباب الكرد السوريين في الثالث والرابع من أيلول/سبتمبر 2011 في العاصمة السويدية استوكهولم، فيما تحضرون انتم لعقد مؤتمر وطني، لماذا لم تكن الأطراف السياسية الكردية قادرة على استيعاب الحراك الشبابي والتنسيق معها لعقد مؤتمر يجمع الطرفين؟
– يخطئ من يحاول عزل حركة الاحتجاجات الشبابية في الشارع عن الحركة الوطنية و الأحزاب الوطنية الكردية ، هذه الأحزاب ناضلت، و في مقدمها حزبنا الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا طوال 54 سنة ضد الحكومات الدكتاتورية و الشوفينية بكل جدارة و بسالة، و المئات من كوادر الأحزاب الكردية دخلت السجون و المعتقلات، و عانت الويلات على أيدي هذه الحكومات الاستبدادية، و إن محاولة عزل الحراك الشبابي عن هذه الأحزاب هي محاولة مؤذية بل و مشوهة .
المجلة: النظام راهن على السيطرة على الحراك الاحتجاجي في المناطق الكردية من خلال “حزمة قرارات”، منها ما اعتبر مسعى رسمي من قبل النظام لمعالجة أحد أبرز مطالب الأقلية الكردية، كيف تفند تعامل النظام مع مطالب الأكراد في هذه المرحلة؟
– لا أنكر بأن السلطات المسؤولة حاولت منذ البداية عزل الحراك في المناطق الكردية عن الحراك في باقي مناطق سوريا، و أصدرت لهذه الغاية المرسوم (49) القاضي بإعادة الجنسية إلى المواطنين الكرد المجردين من الجنسية بموجب إحصاء عام 1962، كما انها تتعاطى بطريقة سلمية مختلفة مع الاحتجاجات في المناطق الكردية ، و لكن بودي أن أقول بأن حزبنا و الحركة الكردية بوجه عام تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من الحركة و المعارضة الوطنية في البلاد، و لا يمكن الفصل بينهما مهما بذلت من جهود و محاولات، فالكرد يعتبرون قضيتهم قضية وطنية بامتياز، و لا يمكن حلها إلا من خلال حل القضايا العامة في البلاد، و في مقدمها قضيتا الحرية و الديمقراطية .
المجلة: انتم أرسلتم رسالة إلى الرئيس بشار الأسد قبيل عقد مؤتمر حزب البعث الأخير في محاولة لإحداث إصلاحات يقررها المؤتمر كيف تمت الاستجابة لدعوتكم تلك؟
– نعم أرسلنا رسالة باسم حزبنا للرئيس بشار الأسد قبيل المؤتمر الأخير لحزب البعث، و أرسلنا رسالة مفتوحة في 6/12/2010 باسم سكرتير الحزب عبد الحميد درويش للرئيس بشار الأسد، و قلنا فيها بأن البلاد تتجه نحو أزمة، و إن الكرد بشكل خاص يعانون الجوع و الحرمان نتيجة السياسات الاستبدادية و الشوفينية، و كان هذا قبل أحداث تونس بعشرة أيام، و لكن كل ذلك دون جدوى..
و لم تلق صرختنا أي تجاوب.
المجلة: هل هناك أي تواصل أو حوار بينكم كطرف رئيس في الحركة الكردية مع شخصيات من النظام السوري؟
– في الوقت الراهن لا توجد أية اتصالات بيننا و بين أي شخصية رسمية في السلطة.
المجلة: الأحزاب الكردية كانت قد وقعت على مبادرة تحت مسمى المبادرة الوطنية للأكراد السوريين التي أعلنوها في مدينة القامشلي، رغم امتعاض الشارع الكردي، هل ستكون هناك مبادرات أخرى وإعطاء النظام فرص أخرى لإجراء حوار وطني؟
– قلت في جواب سابق بأن الحركة الكردية لا تتصرف بمعزل عن الحركة الوطنية في البلاد..
و إنها تعتبر نفسها جزءا منها في السراء و الضراء.
المجلة: كنت من بين المدعوين لاجتماع بين وفد محافظة الحسكة و الرئيس السوري، إلا إنك اعتذرت عن المشاركة فيه، رغم أنكم من دعاة الحوار مع النظام لحل الأزمة وأطلقتم مبادرة للحوار وعقد مؤتمر وطني، هل اعتذارك يعني انه لم يبق هناك مجال لإجراء أي حوار مع السلطة؟
– صحيح كنت من بين المدعوين في الوفد المشكل لمقابلة الرئيس، و اعتذرت لان الوفد كان وفدا اجتماعيا و ليس سياسيا، نعم إنني كنت و لا زالت من أنصار الحوار لحل القضايا الشائكة، على أن يكون الحوار جادا بعيدا عن المراوغة، و أن تشارك فيه جميع القوى الوطنية في سوريا، و أن يكون هذا الحوار من خلال مؤتمر وطني، كان هذا رأيي فيما مضى، أما اليوم فإن الظروف تغيرت و الأوضاع اختلفت إلى حد بعيد .
المجلة: هل برأيك ما زال هناك فرصة أمام النظام للخروج من الأزمة، وهل الأحزاب الكردية حسمت موقفها والدعوة لإسقاط النظام؟
– بعد أن اعتمدت السلطة على الحل الامني لمواجهة مشاكل البلاد، سدت جميع الأبواب أمام الحلول و الإصلاحات التي طالب بها الشعب، و الأحزاب الكردية هي الأخرى طالبت و بإصرار و من خلال مبادرة الأحزاب الكردية بالإصلاحات و لكن دون جدوى، و هكذا فان السلطة تتحمل مسؤولية مواجهة الأوضاع و الشعارات التي ينادي بها الشارع السوري و الكردي على السواء.
المجلة: كيف تقيم عقد مؤتمرات في الخارج و مساعيها توحيد كلمة المعارضة؟
– من جهتي فأنني أعطي الأهمية للقاءات و المؤتمرات داخل الوطن، فهي الأساس لتوحيد الكلمة..
و نحن الآن بصدد عقد مؤتمر وطني كردي في الوطن، و أرجو أن نوفق في تحقيقه في أقرب وقت.
المجلة: كانت هناك خلافات بين الأحزاب والقوى السياسية بسوريا حول تشكيل هيئة التنسيق الوطنية، ما موقفكم من تشكيل هذه الهيئة وهل تعني أن الهيئة هي بديلة عن إعلان دمشق الذي تشكل في 2005 وجمعت غالبية أطراف المعارضة الداخلية، وما هي الأسباب التي جعلتكم تعتذرون عن التوقيع على وثيقة هيئة التنسيق؟
– تشكلت هيئة التنسيق الوطنية من عدد من القوى و الأحزاب و الشخصيات الوطنية، و هي ليست بديلة عن إعلان دمشق، واعتذرنا عن الانضمام إليها لأنها لم تكن إطارا جامعا، و نتمنى أن نتمكن من توحيد المعارضة الوطنية في المستقبل.
المجلة: برأيك ما الأسباب التي جعلت إعلان دمشق لا توقع على وثيقة الهيئة؟ وهل حسن عبد العظيم استعجل في طرح تشكيل هيئة التنسيق؟
– ليست لدي المعلومات الدقيقة عن الأسباب التي جعلت إعلان دمشق لا يوقع على وثيقة هيئة التنسيق الوطنية و إذا كان الزملاء في إعلان دمشق يتذرعون بأن حسن عبد العظيم استعجل في طرح تشكيل هذه الهيئة.
المجلة: بعد تجارب الأكراد مع الأنظمة المتعاقبة هناك من يشرع مخاوف الأكراد من عدم الافاء باستحقاقاتهم المشروعة في أي نظام قد يأتي بعد التغيير، برأيك هل المخاوف التي يبديها الأكراد واقعية؟
– للشعب الكردي في سوريا كل الحق في أن يتخوف من أي نظام قد يأتي بعد التغيير، و هذا التخوف يعود إلى أن الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا انتهجت سياسة قومية ضيقة تجاه الكرد، و حاولت صهرهم و دمجهم بالقومية العربية عن طريق القوة و القهر بدلا من تفهم القضية القومية للشعب الكردي و محاولة إيجاد حل ديمقراطي لها ضمن حدود الوطن، و اليوم يتخوف من بعض فصائل المعارضة الوطنية أيضا، فهي الأخرى لا زالت تتحفظ على منح الشعب الكردي حقوقه المشروعة، بل و تثير مخاوف الأوساط العربية من حقيقة مطالب الشعب الكردي.
المجلة: هناك من طرح مبدأ الفدرالية كحل للقضية الكردية في سوريا..
برأيك ما هي آفاق حلول القضية الكردية في سوريا في المستقبل القريب ومدى إمكانية تحقيقها؟
– نعم هناك بعض العناصر طرحت مبدأ الفدرالية، و هي أقلية ضئيلة جدا، أما ما يجمع عليه أبناء الشعب الكردي و جميع القوى و الأحزاب السياسية فهو الاعتراف الدستوري بالوجود الكردي كثاني قومية في سوريا، و تحقيق حقوقه السياسية و الثقافية و الاجتماعية، و هذا يمكن تحقيقه من خلال حكومة ديمقراطية تتولى شؤون البلاد.
المجلة: ما الرؤى التي تجمعكم مع من في المعارضة العربية حول مستقبل الاكراد في سوريا والى أي مدى هناك تخوف عربي حقيقي مما كانت الأنظمة تروج له من فكرة الانفصالية لدى الأكراد؟
– إن قسما لا بأس به من المعارضة الوطنية العربية بات يتفهم اليوم مطالب الكرد و يقيمها على أنها مطالب محقة و وطنية بامتياز، كما لا يزال البعض من هذه المعارضة متأثر بالأوهام الكاذبة التي نشرتها الأنظمة الدكتاتورية و الشوفينية على مدى عقود و التي تبنت و ترجمت أفكار الفاشي و الشوفيني محمد طلب هلال الذي فاق كل تصور في مجال العداء للكرد .
المجلة: هل هناك تخوفات كردية من سيطرة الاسلامين على المرحلة المقبلة؟
– أنا شخصيا ليست لدي مخاوف من سيطرة الإسلاميين على الأوضاع في سوريا، و ذلك لأسباب عديدة لا مجال لشرحها بهذه العجالة.
المجلة: هل هناك إحصائيات رسمية يمكن من خلالها اعتماد نسبة الأكراد في سوريا؟
– ليست هناك إحصائيات رسمية و دقيقة عن عدد الأكراد في سوريا، و لكن من المؤكد إن عددهم لا يقل عن 3.5 مليون نسمة في البلاد حسب التقديرات الموضوعية .
المجلة: تعالت أصوات كردية (حزبيين ومثقفين) في الآونة الأخيرة، طالت بضمان الحقوق القومية للشعب الكردي كأقلية ثانية في البلاد، وإقرارها في الدستور الجديد.
انتم كحزب سياسي كردي، ما هو موقفكم من هذه الدعوات، وما هي رؤيتكم لمستقبل سورية بعد الثورة؟
– جميع أبناء الشعب الكردي دون استثناء يطالبون و يناضلون من اجل ضمان الحقوق القومية للشعب الكردي، و تثبيت هذه الحقوق في الدستور الجديد المنوي إقراره و ليس فقط (الحزبيين و المثقفين)، و موقف حزبنا هو كسائر أبناء الشعب الكردي، و هو ينظر إلى سوريا الغد نظرة تفاؤل بعد زوال النظام الشمولي.
المجلة: كيف هي علاقاتكم مع الأحزاب الآشورية وكيف تقيم المعارضة الآشورية؟
– علاقات حزبنا جيدة مع المعارضة الآشورية و نعمل على تطويرها باستمرار، و استطعنا في هذا المجال أن نحد إلى حد بعيد من الشكوك التي زرعتها الحكومات المتعاقبة بين الشعبين، و نؤمن إيمانا عميقا بأن العلاقات الجيدة بين الكرد و الآشوريين تخدم سوريا و شعبها و مصالحها الاقتصادية و الوحدة الوطنية و تعززها أيضا .
المجلة: ما موقفكم من دعوة الرئيس الأمريكي باراك اوباما الى تنحي الرئيس السوري؟
– الرئيس الأمريكي باراك اوباما طالب الرئيس السوري بشار الأسد بالقيام بإصلاحات و تحقيق الديمقراطية للشعب السوري، ثم تحولت دعوته إلى التنحي بعد عدة أشهر من الاحتجاجات و التظاهرات في سوريا، و نحن نعلم أن أمريكا هي الدولة و القوة الأكبر في العالم، و لقراراتها تأثير كبير على المجتمع الدولي و الرأي العام العالمي.
المجلة: كيف تقرأون الموقف التركي من الاحتجاجات في سوريا واحتمالات إقامة منطقة عازلة؟
– الموقف التركي من الأحداث الجارية في سوريا يشوبه تردد واضح، لكنه رغم ذلك يقف إلى جانب مطالب الشعب السوري في الحرية و الديمقراطية، حسب ما يعلنون في الإعلام التركي و العالمي .
المجلة: إلى أي مدى تعولون على الضغوط الخارجية للخروج من الأزمة الحالية؟
– نحن نقدر بايجابية التأييد و الضغوط السياسية التي يمارسها المجتمع الدولي و الرأي العام العالمي على السلطة الحاكمة في سوريا بهدف القيام بالإصلاحات اللازمة و تلبية مطالب الشعب السوري.
المجلة: كيف تقيم المواقف العربية خاصة موقف العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز؟
– الدول العربية تأخرت كثيرا، بل و أكثر مما توقعه الكثيرون في الوقوف إلى جانب الشعب السوري و مطالبه المحقة، إلا أنها تجاوبت في النهاية مع هذه المطالب، و كان لموقف العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز تأثير كبير في هذا المنحى.
المجلة: تربطكم علاقات جيدة مع رئيس العراق والأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني، كيف تقرأ صمت طالباني والحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان إزاء قمع المظاهرات في سوريا على عكس كثير من الدول التي دعت النظام إلى وقف العنف؟
– نعم علاقاتي بالرئيس طالباني جيدة، و علاقات حزبنا جيدة أيضا و هي تعود إلى أيام تأسيس الحزبين قبل عقود عديدة، و الرئيس طالباني لم يستغل يوما مكانته و علاقات حزبنا الجيدة للتأثير على مواقفنا السياسية والقومية، و في نفس الوقت تربطه علاقات مميزة مع عائلة الرئيس الأسد تعود إلى عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد و دعمه لنضال الشعب الكردي في العراق ضد دكتاتورية و طغيان صدام حسين، و لكن رغم ذلك فان الرئيس طالباني لم يقف صامتا، و إنما طالب عن طريق رسائل و مبعوثين الرئيس بشار بضرورة القيام بالإصلاحات المطلوبة و تلبية مطالب الشعب السوري.
المجلة: ما مدى صحة الأنباء التي تحدثت عن دعوة طالباني لكم (الأحزاب الكردية) عدم التظاهر والمشاركة في الاحتجاجات؟
– لا صحة للأنباء التي تحدثت عن دعوة طالباني للأحزاب الكردية بعدم المشاركة في الاحتجاجات الجارية في البلاد.