في 18/7/2011 طرح الدكتور عبد الحكيم بشار (وهو سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي) مشروعاً بعنوان: «نحو مجلس وطني كردي في سوريا».
وأنا إذ أشكره على هذا الجهد فإني أستميحه عذراً في الوقوف عند بعض حيثياته وتفاصيله لعلنا نبلغ الغاية السامية من هكذا مشاريع، ألا وهي الوصول إلى مرجعية قومية كردية ممثلة للشعب الكردي في سوريا وموجهة للحركة الكردية في سوريا.
عبد الحكيم أنه لا يميز بين الحركة الكردية وبين الأحزاب الكردية التي تشكل عنصراً من عناصرها، فيراهما وكأنهما اسمان لمسمىً واحد، ويبدو ذلك في الفقرة الرابعة من «المشروع» عندما يقول: «أن الحركة الكردية كغيرها من الحركات الوطنية المعارضة في المنطقة قد شاخت وهرمت وأصابها الترهل
فإذا وضعنا كلمة «الأحزاب» بدلاً من كلمة «الحركة» في الفقرة السابقة المقتبسة فإنها تصحّ وتصبح أقرب إلى الواقع الكردي السوري.
كما أن تلك الفقرة تكتمل بإضافة السبب الأهم لما آل إليه وضع الأحزاب الكردية وهو انشطارها المتكرر والأمية السياسية لقياداتها والأنانية المفرطة لدى تلك القيادات.
ثانياً – واعتماداً على الفقرة السابقة فإننا لا نرى أن الأحزاب الكردية هي الممثل الشرعي الوحيد أو غير الوحيد للشعب الكردي في سوريا.
وحتى الحركة الكردية برمتها فإنها بحالتها المتبعثرة والتائهة لا يمكنها تمثيل الشعب الكردي، وعلى هذا الأساس أتفق مع الدكتور عبد الحكيم بشار في الدعوة إلى مجلس وطني كردي في سوريا.
ولا ننسى بأن الأحزاب الكردية قد استطاعت الحفاظ على هياكل تنظيمية مترهلة على مدار عشرات السنين، إلا أن ذلك لا يعني أنها تقف في مقدمة الصف الكردي، بل إن الفاعل الحقيقي على الأرض في هذه المرحلة هو العنصر الشبابي المتمثل في «تنسيقياته»، فهو الذي يحرك الشارع ويحق له أن يدعي صفة الممثل الأول للحركة الكردية ويقف في مقدمة صف تمثيلها وتوجيهها كما هو واقف الآن في مقدمة الصف المحرك للميدان الكردي.
ثالثاً – اتفق مع د.
عبد الحكيم في ضرورة «وضع خارطة طريق تحقق وحدة واسعة سياسياً وشعبياً»، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن يكون هناك خطاب سياسي وأداة نضالية حسب قوله.
ثم يقول أن الخطاب السياسي الكردي يمكن تلخيصه بعدة نقاط.
وهنا أود أن أتوقف عند بعض تلك النقاط:
النقطة الأولى: «السعي إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية برلمانية يجري فيها تداول سلمي للسلطة وانتخابات حرة ونزيهة على كافة المستويات».
وهنا أرى أنه قد جرى خلط بين صفات الدولة وصفات النظام: فالدولة يمكن أن تكون مدنية أو دينية أو عسكرية، أما الديمقراطية والتعددية والبرلمانية فهي صفات للأنظمة.
وعلى هذا أقترح أن تصاغ هذه النقطة كما يلي: «السعي إلى بناء دولة مدنية ذات نظام ديمقراطي تعددي برلماني».
وهنا لا يهم إيراد جملة «يجري فيها تداول سلمي للسلطة وانتخابات حرة ونزيهة على كافة المستويات» لأنها من المفترض أن تتحقق تلقائياً بعد التثبيت الدستوري لمدنية الدولة وديمقراطية النظام وتعدديته وبرلمانيته.
النقطة الثانية: «اعتبار سوريا دولة متعددة القوميات وتتكون بشكل خاص من القوميتين الأساسيتين العربية والكردية إلى جانب قوميات أخرى كالآشوريين وبالتالي استعادة اسم سوريا الأول عند التأسيس (الجمهورية السورية)».
وهنا أرى بأن تضاف إلى ذلك عبارة: «وإعادة النظر في كل ما يخالف واقع التعدد القومي لبلدنا في كافة مؤسسات الدولة وصياغتها بما يوافق ذلك الواقع».
النقطة الثالثة: «الإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي كمكون أساسي أو كثاني أكبر قومية في البلاد ونيل جميع حقوقه على هذا الأساس سواء من تمثيل في الحكومة أو البرلمان أو غيرها».
وأرى أن يضاف إليها عبارة: «على أساس الشراكة في الوطن».
إذ أن الشراكة في الوطن تعني الشراكة في السلطة والثروة بحسب نسبة الكرد إلى باقي السوريين.
النقطة الرابعة: «التركيز على الخصوصية الوطنية السورية ومنحها طابعها الوطني المستقل عن أية كتلة أو أيديولوجيات».
وأرى أن تستبدل بصيغة: «التركيز على كوننا سوريين أولاً ولا يجوز تفضيل أية انتماءات قومية أو دينية أو ايديولوجية خارج الوطن السوري على المنتميات الوطنية السورية».
النقطتان الخامسة والسادسة: لا تعليق.
النقطة السابعة: «إلغاء كافة السياسات الشوفينية المنطبقة بحق الشعب الكردي ومعالجة آثارها وتداعياتها»، وأرى أن تضاف إليها عبارة: «ورد الحقوق وتعويض الأضرار الناجمة عنها».
رابعاً – في الجانب التنظيمي أرى أن هنالك غبناً في النسبة المعطاة لفئة الشباب، فلا يجوز أن تكون الغالبية للأحزاب في حين أن الحراك الشبابي هو الذي يقف في مقدمة الصفوف وهو الذي يملك الميدان، كما أن الشباب يشكلون الغالبية في تركيب المجتمع الكردي، وهم الأكثر وعياً وحيوية ونشاطاً، مع احترامنا لتاريخ بعض الأحزاب وبعض قياداتها.
وعلى هذا الأساس أرى أن تتوزع نسب التمثيل في المجلس الوطني الكردي المنشود كما يلي:
45 % من الحراك الشبابي في مختلف المناطق
25 % من الأحزاب الكردية
10 % من الفعاليات الثقافية
10 % من الفعاليات المهنية
10 % من الفعاليات الاقتصادية الاجتماعية
على أن تمثل النساء ضمن الفئات المذكورة بنسبة لا تقل عن 10% من كل فئة.
خامسـاً – كــما أني أخــتلف مع د.
عبد الحكيم في تصوره حول ما يتخـذه المجلــــــــس الوطني من إجراءات وهياكل ولجان وقرارات.
وهــنا أســـــمح لنفسي بوضع تصور شامل لإنجاز المجلس الوطني الكــــردي من نقطة البدء وحتى نقطة الانتهاء من التأسيس والبدء بالعمل:
المرحلة التمهيدية:
تتشكل لجنة تحضيرية من سبعة أعضاء (أربعة من الحراك الشبابي واثنان من الأحزاب وواحد من باقي فعاليات المجتمع الكردي) ويعود لكل من هذه الفئات اختيار من يمثلها في اللجنة التحضيرية بالطريقة التي تناسبها.
المرحلة التحضيرية:
– تبدأ اللجـــــنة التحضـيرية بعــــملها فتطـــرح جـــــدول أعمال المجــلـــــس الوطني على مكوناته وتستقبل الملاحظات عليه خلال خـمســـــة أيام ثم تضـــع الصـــيغة النهائية لجــــدول الأعـــمال بناءً عـــلى الملاحظات الواردة، وخلال ذلك تقوم بالتحضير الفني واللوجـــســتي لانعـقـــاد المجـلـس الوطني، بشرط أن لا يزيد عمر اللجنة التحضيرية من لحظة تشكيلها وحتى لحظة انعقاد المجلس الوطني عن أســـبوع، وعــند الضرورة القصـــوى يمكن أن تضاف ثلاثة أيام إلى عمرها.
– توجه اللجنة التحضيرية دعوات الحضور للمجلس الوطني بحسب الأسماء التي يختارها كل مكون وبالطريقة التي تناسبه، على أن يكون أعضاء اللجنة التحضيرية أعضاء حكماً في المجلس الوطني وبما لا يُزيد من نسبة تمثيل كل مكون.
– تموّل مصاريف تحضير وانعقاد المجلس الوطني من مكوناته وبحسب نسبة تمثيل كل مكوّن.
أعمال المجلس الوطني:
– تبدأ أعمال المجلس الوطني بالتفقد وقيام عضو مخول من اللجنة التحضيرية بإعلان بدء أعمال المجلس حسب الطقوس المتعارف عليها.
ثم يعلن تغيير صفة أعضاء اللجنة التحضيرية إلى أعضاء اللجنة الإدارية للمجلس الوطني.
– تشــــرف اللجنة الإدارية على حســــن تطبيق جدول أعمال المجلس الوطني، ثم تعــــلن انتهاء أعمال المجلـــس الوطني وحل اللجنة الإدارية، لتترك أمر الإعلان عن تأسيسه للهيئات التي تنتخب من المجلس.
– بعد أن يتم اعتماد الوثائق القومية والسياسية والتنظيمية من قبل المجلس الوطني، يصار إلى انتخاب أمانة عامة من أحد عشر عضوا (خمسة من الحراك الشبابي وثلاث من الأحزاب وثلاث من باقي الفعاليات).
ثم تجتمع الأمانة العامة وتنتخب مكتباً مصغراً (يمكن تســـميته: المكتب الإداري) يضم رئيسـاً للمجلس ونائباً أو نائبين له وأعضاء يكلفون بالشــؤون المالية والإعلامية والتنظيمية ..الخ، علماً أن رئيــــــس المجلس هو في الوقت نفسه رئيس للأمانة العامة وللمكتب الإداري وهو الذي يمثل المجلس تجاه الغير، وفي حال غيابه ينوب عنه نائبه، كما يمكن للرئيس تفويض بعض من صلاحياته للنائب أو لغيره من أعضاء المكتب الإداري على أن يكون ذلك التفويض جزئياً وقابلاً للتراجع عنه.
أما بالنســبة للقرارات المصيرية التي حددها الدكتور عبد الحكيم بشــار بـ:
1) مبدأ الحوار مع السلطة وتحديد أسسه وشروطه في حال إقراره مبدأ الحوار.
2) مبدأ الدعوة إلى احتجاجات جماهيرية سلمية عامة في المناطق الكردية.
3) تحديد مطالب الشعب الكردي النهائية في هذه المرحلة سواء فيما يتعلق بمطاليبها للسلطة أو للمعارضة.
4) تكون الأولوية لقرارات المجلس في التعامل مع أية جهة أخرى.
5) قرارات المجلس إلزامية لكل الأحزاب والفعاليات المنضوية فيها.
فإني أرى تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: ويضم البنود الثلاث الأولى (الحوار مع السلطة وتحديد أسسه وشروطه في حال إقراره مبدأ الحوار – الدعوة إلى احتجاجات جماهيرية سلمية عامة في المناطق الكردية – تحديد مطالب الشعب الكردي النهائية في هذه المرحلة).
وهنا أرى أن ضرورة المرحلة تقتضي أن يكون للحراك الشبابي حق الفيتو بالنسبة لهذه القرارات، وإلا فإنه سيكون معرضاً لمخاطر اللجم والإجهاض، ويمكن الاستغناء عن حق الفيتو للحراك الشبابي بضمان الأغلبية المطلقة له في المجلس وفي جميع الهيئات المتشكلة ضمنه (الأمانة العامة والمكتب الإداري).
القسم الثاني: ويضم البندين الرابع والخامس (تكون الأولوية لقرارات المجلس في التعامل مع أية جهة أخرى – قرارات المجلس إلزامية لكل الأحزاب والفعاليات المنضوية فيها) .
وهنا أرى تعديلها وصياغتها بالشكل التالي:
1- تعلن الأحزاب الكردية المنضوية تحت لواء أي إطار سوري (مثل هيئة التنسيق أو إعلان دمشق أو أي إطار مشابه) انسحابها المسبق منه.
2- تتعهد جميع مكونات المجلس الوطني مسبقاً بالالتزام بمبادئ وتوجيهات وتوجهات المجلس الوطني وتنفيذ القرارات الصادرة عنه بكل أمانة ودقة.
وهذان شرطان أساسيان لحضور وعضوية المجلس الوطني الكردي.
أخيراً: لا أدعي أني قد وفيت بكامل جوانب الموضوع، بل إن هنالك جوانب أخرى أرجو أن يتناولها غيري.
وفي كل الأحوال فإن الولوج في مراحل تشكيل المجلس الوطني المنشود سيبرز إلى الوجود ما ينبغي تناوله والتوقف عنده، ويبقى للمجلس الوطني اعتماد الصيغة النهائية للوثائق التي سيسير وفقها عمل المجلس.
كما أنوه أخيراً إلى أن الصيغة المطروحة هنا تصلح فقط لمرحلتنا الحالية، وقد يكون لمرحلة ما بعد التغيير صيغ مختلفة تتحدد بظروفها الخاصة ووفق معطياتها الخاصة بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- محامي وناشط سياسي مستقل
- E-mail: Abdullah.imam12@gmail.com