اللغة التي هجرها ناطقوها

ملفان رسول

اللغة اداةً هي وسيلة لنقل مجموعة الافكار والقيم من مدلول اشاراتي حركي الى موجات صوتية مجردة موحية ومستوعبة بين اوساط آدمية تجمعهم روابط الجغرافية ومجموعة القيم التاريخية والاجتماعية والخلقية والعلمية المتداولة بينهم , وكلما اتسعت رقعة الجغرافية وكثر عدد المتحدثين بذات اللغة لابد من ايجاد صيغ تعبيرية زاخرة وذلك تبعا لمدى التفاعل الاجتماعي ومجموعة القيم والمبادىء التي يحتفظ به كل مكون , وبناء عليه فاننا لانستطيع فصل اللغة المتداولة بين أي مكون اجتماعي وبين مجموعة المعتقدات والقيم والموروث التراكمي الحاضنة لـ عيّنة من البشر , ويستلزم ذلك ايجاد ضوابط وقواعد في بناء الجملة الكلامية واللفظية التي ستنتج لغة ضابطة حسب نظريات او اجتهادات ضليعي علوم النطق والفصح والصوتيات.
وكلما زاد عدد المتحدثين بذات اللغة لابد انها ستنتج مرادفات ومصطلحات بالقدر الكمّي للمستوى الثقافي والفكري لكل مكون , وعليه أقول باننا نكاد نفقد هذه السمة الخاصية في التفاعل الاجتماعي اذ انها بقيت رهينة اللغة المحكية غير الضابطة حتى تشرذمت وتقزمت الى درجة النسيان أو غيابها حتى عند الساسة والمثقفين وبخاصة عند معظم الكتاب الكرد .
يحز في نفسي ان اتصفح يوميا كماً ليس هيّنا من الكتابات بلغات التركية والعربية والفارسية لكنني نادرا مااجد بنفس السوية اهتمام كتابنا باللغة المنسية والتي اصبحت من الذكرى لا بل حتى غدت نقيصة ثقافية وأدبية لكل من يتجرعون المرارة والأسى لصياغة حتى جملة انشائيةً باللغة الكردية , وكأني بهؤلاء الذين هجروا لغتهم يتهكمون على القلة القليلة التي تشغل جانبا من اهتماماتهم .


ربما يسوق احدهم حجته في فقدان فرصة التواصل الثقافي مع شرائح بغير ذات اللغة , أو أن مرده هي البنية التعليمية والثقافية التي نشأوا فيها ونهلوا من منابعها مؤسساتيا , لكن هذه الحجة لاتشفع احدا منّا , بدليل أننا نتلقى معظم قيمنا وحتى اسمائنا وآدابنا وانتمائاتنا القومية والخلقية في بيوتنا وهي ليست منشئات مؤسساتية في الاوساط الرسمية , هل يعني ذلك بأن نتجرد من تلك القيم طالما لاترعاها الجهات الرسمية الفاعلة ؟
مطلقا غير مباح هذا المنطق ومستهجن كل مايوحي الى التقليل من شأن القيمة الثقافية والعلمية للغة الكردية , لأنها خاصيتنا نحن وبها نتمكن أن نتواصل بسهولة ونطرح مشاعرنا والامنا , بها نتمكن نحن من التفكير السليم والتواصل المثمر وحتى يحسن أطفالنا وشبابنا من طرح امنياتهم ونسج خيالاتهم واللعب والضحك وحتى البكاء بلغتهم التي جاءت على تفصيل اجسادهم وآمالهم وطموحاتهم .

انه ليس انتقاص من أي لغة أخرى , لكن من دون اللغة الخاصة بنا لايمكن اثراء الموروث الثقافي في الاوساط التي نتأقلم ونتعايش ونتفاعل معها يوميا .
الملاحظ من معظم الكتاب وحتى على المستوى الشعبي , أن كل من يتقن القراءة أو الكتابة باللغة الكردية انما يفترض ان يكون شاعرا فقط , وكأن اللغة الكردية مختزلة أدبيا وفكريا فقط بالشعر دون سواه .
لابد ان خلفياتنا الثقافية مرتكزة على الدراسة باللغة العربية وعبر سنين بحكم رابط الجيرة والدين ولاسلافنا مجهود جبار في خدمة الثقافة العربية وأغناء مكتباتها لكن ذلك لايعني الطغيان الثقافي أو القومي .
أشغر بالغصة المؤلمة حينما اتصفح موقع (ولاتي مه) اسوة بغيره من المواقع الالكترونية , ولاأجد الا القلة القليلة ممن يكتبون بلغتهم القومية (وليتحول اذاً ولاتي مه كتابةً الى وطننا) بالرغم من ان معظم منشورات الكتاب تدفع باتجاه خدمة القضية الكردية لكن من دون عناء التفكير بضرورة طرح ذواتهم الفكرية والانسانية بلغتهم التي تحفظ لهم خاصيتهم المستقلة على قاعدة التكامل والتواصل الحضاري بين مختلف الامم والشعوب التي تثمر فناً وأدباً وثقافةً جامعةً ومتممّةً .

 

Melevan Resûl

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…