إبراهيم اليوسف
تسلس الكتابة، عمن ناضل من أجل قضيته، بإخلاص، وتفان، حيث لايجد الكاتب أي حرج، وهو ينهل، من معين هذا الكائن الاستثنائي، الذي انشغل بالهم العام، متناولاً أبعاضاً، وأبعاداً، من تجربته، وإن كان ذلك كله، قد جاء على حساب راحته، بل وحياته.
وعادل اليزيدي، أحد هؤلاء المناضلين الكرد الذين استطاعوا حفر أسمائهم، في ضمائر أهليهم، من خلال تفانيهم من أجل هؤلاء، وهو شأن من يحملون بين جوانحهم الأرواح النادرة، فيغدون في سلوكهم اليومي، غيريين، من دون أن يأبهوا بأنفسهم، حتى وإن التظت أصابعهم، وأرواحهم، في محرقة مغامرة النضال.
بالرغم من أن معرفتي بهذا المناضل كانت عن بعد، ماعدا ومضات، من لقاء قديم، تم بيننا، بحضور آخرين، منهم من هو حي، ومنهم هو راحل، وذلك قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، لما تزل، تحمله ذاكرتي، حتى الآن، وكأنه قد حدث للتو…..، إلا أن ذلك لم يحل من دون معرفته عن قرب، شأن العلاقة مع كل من يرهن ذاته للمشروع الوطني، أو الإنساني العام، وبغضِّ النظر عن تقويم المسار المتخذ، سواء أكان على هذا النحو أو ذاك.
ولقد كان اليزيدي في طليعة أبناء جيله، ممن حملوا جذوة ذلك الهاجس، كي يصاب بعدواه كثيرون من حوله، كل بحسب قدرته، ليكون بهذا ممن يتركون أثرهم، حتى وإن غابوا، من خلال الاستمرار في روح سواهم، شأن أي كبير قدر، بين أهله ومجتمعه.
أجل، بالرغم من أنه لم يتم بيني والراحل الكبير عادل اليزيدي غير لقاء يتيم،كما أسلفت، إلا أنني وفي مرات عديدة، كنت، على مواعد مفاجئة، مع مكالمات هاتفية، منه ، بعضها كان أثناء انتفاضة قامشلي2004، وربما أن آخر تلك المكالمات، كان حين عزاني برحيل والدتي في شباط2009، وأنا في الغربة، أقرض الفجيعة، ليوفد شقيقاً له، ينقل إلي تعازي الأسرة،بشكل رسمي، معتذراً، لأنه على فراش المرض، وهو ما كشف لي نبل هذا المناضل، وشهامته، وإنسانيته، بأكثر، لأجدني مديناً لذكرى اسمه، أكثر من مرة.
ثمة قصص كثيرة، يرويها من تعرف على اليزيدي، عن قرب، تبين شجاعة ومأثرة هذا المناضل-حياتياً- وقومياً، ووطنياً، وهي جديرة بأن يدونها هؤلاء المقربون منه، وأنا أعرف أكثر من واحد، حدثني عن أكثر من موقف له، جدير بالتدوين، لتعرف الأجيال القادمة كيف أن آباءهم كانوا ينحتون في” الصخر”، وهم يقاومون جلاديهم، مادام الأبناء باتوا يصنعون أسطورة الثورة العظمى، ليكونوا آباء الحكمة، آباء الآباء.
ومن هنا، فإن رحيل اليزيدي، كان شديد الوقع علي، حين تلقيت نبأ رحيل أبي شيرو، ما فجر مكامن الألم في نفسي، فبدأت مع بعض مقربيه، نعدُّ لكيفية تشييعه إلى مثواه الأخير، من خلال إعداد ما يلزم ذلك -وأعني على صعيد حفل التشييع وإلقاء الكلمات- كي أذهب مع وفد خاص من منظمة ماف، نرافق جنازته المهيبة، وكان بيننا كل من الراحل الكبير أكرم كنعو، رئيس مجلس أمناء منظمتنا -الذي غاب وهو يؤدي مهمة نضالية اجتماعية- والشيخ عبد القادر خزنوي، والمحامي محمود أيوب، أمد الله عمريهما، وما زلت أتذكر كيف أن الرجل الذي استنفر دهماء الأمن في حياته، استنفرهم في رحيله، إذ انتشرت دوريات المخابرات، بدءاً من “بوابة ربيعة” على الحدود العراقية السورية، وحتى مقبرة رأس العين “سري كانيي” بل وحتى خيمة العزاء، بل وكيف أن أوامر عليا جاءت، لمنع مرور موكب الجنازة في مدن “تربسبي” قبور البيض “قامشلي” عامودا” درباسية، ليلقي عليها أهلوها،أهلوه، النظرة الأخيرة، نظرة الوداع الأخير، بل وكيف أن الجهات الأمنية، لاحقت كل من ألقى “كلمة” وفاء، في التشييع، ومن بينهم الشيخ الخزنوي الذي ألقى كلمة ماف، والأستاذ فؤاد عليكو، صديق شبابه، وحسن برو، ود.
فاضل محمود وآخرون…..
، وإن هذه التحقيقات مع هؤلاء، ومع عريف الحفل، وهو أحد أصدقائه المقربين، استمرت أكثر من عام، ومن دون أن ينتهي، كما علمت، ليغدو ملف تشييع الجنازة، أحد أهم ملفات الشرق الأوسط استعصاء.
قبل أسابيع، وصلني على بريدي الإلكتروني خبر عن تعرض بعض الناشطين في مسقط رأس اليزيدي “رأس العين” لضغوطات أمنية، بأكثر من وجه، فقلت مكاتباً الشاب الذي أرسل إلي الخبر:”آه، لوكان عادل اليزيدي حياً، وهو يشهد هذه الثورة المباركة، فكيف أنه كان سيلعب دوراً كبيراً، في دفعها إلى الأمام، وأنا أعرف عن قرب هؤلاء المناضلين الأوائل من جيل الشباب من مدينته، ممن حققوا المعجزة في جعل هذه المدينة عنواناً مهماً في خريطة الثورة، بعد أن حاول كثيرون إطفاء شرارتها الأولى، في محاولة لإعادة التاريخ إلى الوراء.
ولأننا، على عتبة الذكرى الثانية، لرحيل أحد فرسان الموقف، والكلمة، وهو عادل اليزيدي، فإنني لأذكر أنجاله الكرام، ممن يحملون جذوة النضال من بعده، أن يؤرشفوا ذكريات أبي شيرو، ويدونوا المحطات والمواقف البارزة، التي تعرض لها، لاسيما وأن شهود العيان على ذلك، ما زالوا موجودين، ليكون ذلك جزءاً من تدوين سيرة جزء مهم من خريطتنا النضالية التي سهونا عنه، وعلى أمل أن نحيي الذكرى الثالثة لليزيدي، معاًَ، في وطن حر، يرفل بالحرية والديمقراطية، ليتحقق حلمه الكبير الذي طالما سعى لترجمته، بما أتيح له من إمكانات، الحلم الذي تركه خارج مرقده، في رأس العين، وهو يسترقُّ السمع لوقع أقدام شباب الثورة.
فجر9-9-2011
ولقد كان اليزيدي في طليعة أبناء جيله، ممن حملوا جذوة ذلك الهاجس، كي يصاب بعدواه كثيرون من حوله، كل بحسب قدرته، ليكون بهذا ممن يتركون أثرهم، حتى وإن غابوا، من خلال الاستمرار في روح سواهم، شأن أي كبير قدر، بين أهله ومجتمعه.
أجل، بالرغم من أنه لم يتم بيني والراحل الكبير عادل اليزيدي غير لقاء يتيم،كما أسلفت، إلا أنني وفي مرات عديدة، كنت، على مواعد مفاجئة، مع مكالمات هاتفية، منه ، بعضها كان أثناء انتفاضة قامشلي2004، وربما أن آخر تلك المكالمات، كان حين عزاني برحيل والدتي في شباط2009، وأنا في الغربة، أقرض الفجيعة، ليوفد شقيقاً له، ينقل إلي تعازي الأسرة،بشكل رسمي، معتذراً، لأنه على فراش المرض، وهو ما كشف لي نبل هذا المناضل، وشهامته، وإنسانيته، بأكثر، لأجدني مديناً لذكرى اسمه، أكثر من مرة.
ثمة قصص كثيرة، يرويها من تعرف على اليزيدي، عن قرب، تبين شجاعة ومأثرة هذا المناضل-حياتياً- وقومياً، ووطنياً، وهي جديرة بأن يدونها هؤلاء المقربون منه، وأنا أعرف أكثر من واحد، حدثني عن أكثر من موقف له، جدير بالتدوين، لتعرف الأجيال القادمة كيف أن آباءهم كانوا ينحتون في” الصخر”، وهم يقاومون جلاديهم، مادام الأبناء باتوا يصنعون أسطورة الثورة العظمى، ليكونوا آباء الحكمة، آباء الآباء.
ومن هنا، فإن رحيل اليزيدي، كان شديد الوقع علي، حين تلقيت نبأ رحيل أبي شيرو، ما فجر مكامن الألم في نفسي، فبدأت مع بعض مقربيه، نعدُّ لكيفية تشييعه إلى مثواه الأخير، من خلال إعداد ما يلزم ذلك -وأعني على صعيد حفل التشييع وإلقاء الكلمات- كي أذهب مع وفد خاص من منظمة ماف، نرافق جنازته المهيبة، وكان بيننا كل من الراحل الكبير أكرم كنعو، رئيس مجلس أمناء منظمتنا -الذي غاب وهو يؤدي مهمة نضالية اجتماعية- والشيخ عبد القادر خزنوي، والمحامي محمود أيوب، أمد الله عمريهما، وما زلت أتذكر كيف أن الرجل الذي استنفر دهماء الأمن في حياته، استنفرهم في رحيله، إذ انتشرت دوريات المخابرات، بدءاً من “بوابة ربيعة” على الحدود العراقية السورية، وحتى مقبرة رأس العين “سري كانيي” بل وحتى خيمة العزاء، بل وكيف أن أوامر عليا جاءت، لمنع مرور موكب الجنازة في مدن “تربسبي” قبور البيض “قامشلي” عامودا” درباسية، ليلقي عليها أهلوها،أهلوه، النظرة الأخيرة، نظرة الوداع الأخير، بل وكيف أن الجهات الأمنية، لاحقت كل من ألقى “كلمة” وفاء، في التشييع، ومن بينهم الشيخ الخزنوي الذي ألقى كلمة ماف، والأستاذ فؤاد عليكو، صديق شبابه، وحسن برو، ود.
فاضل محمود وآخرون…..
، وإن هذه التحقيقات مع هؤلاء، ومع عريف الحفل، وهو أحد أصدقائه المقربين، استمرت أكثر من عام، ومن دون أن ينتهي، كما علمت، ليغدو ملف تشييع الجنازة، أحد أهم ملفات الشرق الأوسط استعصاء.
قبل أسابيع، وصلني على بريدي الإلكتروني خبر عن تعرض بعض الناشطين في مسقط رأس اليزيدي “رأس العين” لضغوطات أمنية، بأكثر من وجه، فقلت مكاتباً الشاب الذي أرسل إلي الخبر:”آه، لوكان عادل اليزيدي حياً، وهو يشهد هذه الثورة المباركة، فكيف أنه كان سيلعب دوراً كبيراً، في دفعها إلى الأمام، وأنا أعرف عن قرب هؤلاء المناضلين الأوائل من جيل الشباب من مدينته، ممن حققوا المعجزة في جعل هذه المدينة عنواناً مهماً في خريطة الثورة، بعد أن حاول كثيرون إطفاء شرارتها الأولى، في محاولة لإعادة التاريخ إلى الوراء.
ولأننا، على عتبة الذكرى الثانية، لرحيل أحد فرسان الموقف، والكلمة، وهو عادل اليزيدي، فإنني لأذكر أنجاله الكرام، ممن يحملون جذوة النضال من بعده، أن يؤرشفوا ذكريات أبي شيرو، ويدونوا المحطات والمواقف البارزة، التي تعرض لها، لاسيما وأن شهود العيان على ذلك، ما زالوا موجودين، ليكون ذلك جزءاً من تدوين سيرة جزء مهم من خريطتنا النضالية التي سهونا عنه، وعلى أمل أن نحيي الذكرى الثالثة لليزيدي، معاًَ، في وطن حر، يرفل بالحرية والديمقراطية، ليتحقق حلمه الكبير الذي طالما سعى لترجمته، بما أتيح له من إمكانات، الحلم الذي تركه خارج مرقده، في رأس العين، وهو يسترقُّ السمع لوقع أقدام شباب الثورة.
فجر9-9-2011