3 احتمالات صعبة بانتظار الأوضاع السورية الملتهبة!

صالح القلاب

دخل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الدكتور سليم الحص على خط الذين أسقطوا أمانيهم ورغباتهم الخاصة على مجريات التطورات السورية المتلاحقة منذ الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، فهو بدوره، مثله مثل ما كان فعله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، قد سارع بمجرد عودته من دمشق إلى بيروت إلى زف البشرى للبنانيين بأن الرئيس السوري بشار الأسد قد «طمأنه» على أن المدن السورية باتت مستقرة وهادئة وآمنة، وأن الأوضاع قد عادت إلى ما كانت عليه، وأن كل شيء سيكون على ما يرام خلال الأيام القليلة المقبلة.
وبهذا، فإن الدكتور الحص لم يتعظ بتجارب الذين سبقوه في إسقاط رغباتهم وأمانيهم على الواقع السوري الملتهب، والذين ذهبوا في توقعاتهم بعيدا، لكن مستجدات الأحداث التي غدت ككرة ثلج هابطة بسرعة من فوق جبل مرتفع قد كذبت كل هذه الرغبات والأماني التي لم يدرك أصحابها أن ما جرى وما يجري في سوريا هو ثورة شعبية غدت عصية على نظام استبدادي لجأ ومنذ اللحظة الأولى إلى العنف، واستخدام كل ما لديه من إمكانيات عسكرية وأمنية، لكن كرة الثلج بقيت تكبر وتكبر إلى أن أصبحت بهذا الحجم الذي من غير الممكن السيطرة عليه أو استيعابه.
كانت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان قد أطلقت في الأسابيع الأولى من هذه الثورة، التي هي درة ثورات الربيع العربي، تصريحات «طمأنت» فيها الشعب السوري، الذي لا يثق بها ولا بتصريحاتها ولا بالإعلام السوري الذي كان فشله ذريعا، وبقي يلهث وراء ما يجري ويحاول ترويج أكاذيب كأكاذيب غوبلز في العهد الهتلري في ألمانيا، بأن كل شيء غدا على ما يرام، و«أن الأحداث باتت وراءنا، وأن سوريا استوعبت ما حصل، وأن إصلاحات بشار الأسد قادمة لتملأ الأرض عدلا، وأنه عفا الله عما سلف، وسوف نعلم العالم كيف تكون الديمقراطية الحقيقية»!!
وبالطبع، فإن الرئيس الأسد كان قد قال لكل من زار دمشق، ليقف على حقيقة ما يجري عن قرب ومن بين هؤلاء وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والمبعوث الروسي وبعض الموفدين العرب الذين زاروا العاصمة السورية سرا، ما قاله للدكتور الحص، وما كان قاله قبل ذلك للسيد وليد جنبلاط، لكن ما ثبت من خلال التطورات والوقائع المتلاحقة على الأرض أن كل هذا مجرد أضغاث أحلام، ومجرد رغبات وأمان غير صحيحة، وأن كل ما قيل في هذا المجال جاءت الأحداث لتكذبه من ألفه إلى يائه.
ما كان صدى ما بشر به الدكتور سليم الحص اللبنانيين، بعد عودته من دمشق حيث التقى الرئيس بشار الأسد في جلسة تأييد ومساندة، قد تلاشى بعد عندما بدأت الانشقاقات في الجيش السوري تأخذ طابع التمرد العام، وعندما تصاعدت المظاهرات واتسع نطاقها لتشمل معظم المدن السورية، وعندما وقعت أول مواجهة عسكرية فعلية بين المنشقين وقوات النظام الضاربة، حيث فشلت هذه القوات في السيطرة على بلدة صغيرة هي «الرستن»، التي هي بلدة مصطفى طلاس وزير الدفاع السابق، وأحد أعمدة نظام حافظ الأسد، إلا بعد قتال استمر خمسة أيام بلياليها تحدثت المعلومات عن أنها أسفرت عن اعتقال نحو ثلاثة آلاف من المدنيين، ومقتل المئات من أبناء هذه البلدة التي تم عزلها ولا تزال محاصرة حتى الآن.
هناك عدم فهم لما يجري في سوريا، ولقد وقع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في حالة عدم الفهم هذه في زيارتيه المتلاحقتين إلى دمشق، فهو صدق الرواية الرسمية القائلة: إن الأمور مستتبة، وإن كل شيء على ما يرام، وإنه تقف وراء هذه الأحداث «المحدودة» عصابات متطرفة أزعجها التوجه الإصلاحي للرئيس بشار الأسد، وهي تقوم بما تقوم به تنفيذا لـ«أجندات» خارجية تستهدف سوريا كدولة «مقاومة وممانعة» وتستهدف قرارها المستقل الرافض للإملاءات الأميركية والمتمسك بالحقوق الفلسطينية والعربية.
والآن وقد دخلت هذه الثورة المتصاعدة شهرها السابع بقفزة نوعية تمثلت في تحول عمليات الانشقاق إلى تمرد عسكري، وتمثلت أيضا في توحد المعارضة الداخلية والخارجية في كيان قيادي واحد، فإن «المؤلفة» قلوبهم ما زالوا يتحدثون عن أن هذا النظام قادر على الصمود، وأن تجربة حماه في عام 1982 لا تزال ماثلة للعيان، وأنه ما دام أن الجيش موحد ومتماسك فإن نهاية هذه الأحداث باتت قريبة، وأن خروج الرئيس بشار الأسد من هذا الاختبار أصبح تحصيل حاصل، وحقيقة أن هذه مجرد رغبات وأمان كالرغبات والأماني التي بشر بها الدكتور سليم الحص اللبنانيين بمجرد عودته إلى بيروت من زيارته الدمشقية، وأنه حتى وإن كان هناك مثل هذا الصمود الذي يواصل المؤلفة قلوبهم الحديث عنه فإنه لا عودة إطلاقا إلى الأوضاع السابقة، وأن الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات العظيمة من غير الممكن أن يعود إلى ما كان عليه وكأنه لا عين رأت ولا أذن سمعت.
إنه من الواضح أن هذا النظام الانتحاري مُصر على ما كان بدأه بالخيار الأمني والعسكري بعد انطلاق شرارة الثورة من درعا في الخامس عشر من مارس الماضي، وأن خياره الذي لا يزال يتمسك به هو: «إما قاتل أو مقتول»، وأنه سيبقى يقاتل حتى وإن وصلت طلائع هذه الثورة إلى بوابة قصر المهاجرين في دمشق، وهذا يعني في ضوء هذا كله أن هناك ثلاثة احتمالات جميعها متوقعة في ضوء توازن القوى الحالي وإصرار النظام على القتال حتى الرمق الأخير وإصرار الثوار على مواصلة ثورتهم انطلاقا من قناعتهم، وهي قناعة صحيحة، بأن أي توقف ستكون نتيجته كارثة محققة على صعيد الوطن كله وعلى صعيد مستقبل الأجيال التي استجابت لربيع الثورات العربية وقدمت كل هذه التضحيات من أجل دولة ديمقراطية وعلمانية قرارها بيد شعبها ولا مكان فيها لا للحزب الواحد ولا للقائد مبعوث العناية الإلهية ولا للطائفية والمذهبية.
أول هذه الاحتمالات أن يستطيع هذا النظام قمع هذه الثورة وإخماد جذوتها كما حصل مع انتفاضة حماه عام 1982، وهذا يعني أن سوريا ستشهد تكوّن تنظيمات سرية «تحت الأرض»، وأنها ستشهد موجة من العنف والاغتيالات سيترتب عليها حرب أهلية لا محالة قد تستمر لأعوام عدة ستؤدي حتما إلى انهيارات سياسية واجتماعية واقتصادية، وبالتالي إلى رحيل نظام حزب البعث، وإلى إنهاء هذه الصيغة القائمة الآن بصورة نهائية.
ثاني هذه الاحتمالات أن يستمر هذا الاستنزاف، وأن تتواصل الانشقاقات في الجيش، وأن تتفسخ الدولة، وأن تبرز إقطاعيات سياسية تأخذ طابع الدويلات الجهوية والمذهبية، وحقيقة أن هذا الاحتمال وارد في ظل الاحتقانات الحالية، وفي ظل حالة التشتت هذه التي تعيشها البلاد.
أما الاحتمال الثالث فهو أن يستجيب المجتمع الدولي لمناشدات المعارضة السورية بتوفير الحماية للشعب السوري بعد أن تمادى النظام في اللجوء إلى العنف والقوة العسكرية، وهنا فإن ما هو مؤكد أنه ستكون هناك، بمساندة تركيا، منطقة محظورة الطيران «NO FLY ZONE» ستصبح مكانا لتجميع المنشقين عن الجيش، على غرار بنغازي بالنسبة لما جرى في ليبيا، وهذا سيؤدي إلى تدخل دولي سيأخذ أشكالا متعددة، وسيفتح جبهات كثيرة ضد هذا النظام من خلال حدود سوريا مع بعض الدول العربية المجاورة.
إن هذه هي الاحتمالات الرئيسية المتداولة المتوقعة، لكن هناك من يضيف إليها احتمالا آخر هو احتمال أن تبرز في لحظة معينة مجموعة من الضباط الوطنيين الذين لم تعد لديهم إمكانية احتمال هذا الذي يقوم به النظام، وتقوم بانقلاب عسكري إنقاذي يوفر فترة انتقالية تجري خلالها انتخابات رئاسية وتشريعية، وعلى غرار ما هو متوقع أن يحصل قريبا في مصر تحت إشراف المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…