و لكن لجوء الدولتين روسيا و الصين معا لاستعمال حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار _(مع الإشارة أن الفيتو من احدهما كان كافيا لعدم صدوره)_و مقايضة ارواح و دماء الشعب السوري ببضع مليارات من الدولارات و القاعدتين البحريتين على المتوسط في اللاذقية و طرطوس قد خيب آمال و تحليلات اولئك الأقل تفاؤلا و اثبت صدقية المتشائمين من المراقبين و المحلليين السياسيين المحليين و الدوليين المختصين بخفايا و خلفيات صناع القرار في الدولتين التي تحكمها المصالح بعيدا عن القيم الأخلاقية و شرائع حقوق الإنسان التي باتت كما يبدو لا مكان لها في قواميس تلك الدول الى درجة الفضيحة الأخلاقية و العهر السياسي .
بيد أن ما يدعو الى التساؤل هو هل كانت شعارات الحرية لجميع شعوب الارض التي رفعتها الدولتان طيلة نصف قرن كذبة كبرى ام أن ما نراه اليوم من مواقف هي ذاتها بقضها و قضيضها وكانت شعوبنا هي المخدرة بها و المخدوعة ببريقها و زيفها ولكن كما يقال فرب ضارة نافعة او عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم فها هو الفيتو الروسي و الصيني ضد مشروع القرار الدولي في مجلس الامن و وقوفهما مع الجلاد ضد الضحية ينزل كالصاعقة او الصدمة الكهربائية على ابناء الشعب السوري بمختلف مشاربه الفكرية و الاجتماعية و توقظه من سباته العميق و اضغاث احلامه و هو يراهن على التحالف و الصداقة معهما طيلة عدة عقود لتحرير فلسطين و الجولان على خلفية و ارضية و ادعاء الدولتين بنظريات ماركس و لينين او بمسيرة ماوتسي تونج التاريحية ام أن القرن الحادي و العشرين قد سن للبشرية قيما جديدة و نظريات جديدة تتلائم مع عصر العولمة و ثورة المعلوماتية و التكنولوجيا الحديثة في وسائل الاتصالات و التواصل الاجتماعي عبر القارات ..؟؟؟
و على الجانب الآخر من الصورة فلئن أعطينا و افترضنا المبررات و الذرائع للدولتين (روسيا و الصين) كقطبين دوليين وأن من حقهما الحفاظ على مصالحهما و مراكز نفوذهما على المسرح الدولي اقتصاديا و عسكريا و الوقوف بالضد من سياسة و هيمنة القطبين الآخرين الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة الاميركية فما هي دوافع و مصالح حكومتي جنوب إفريقيا و الهند بالإمتناع عن التصويت و بالمحصلة تأييدهما الجلاد ضد الضحايا و هما البلدان اللذان عاشا و عانا الظلم و الأحتلال و القهر و الإذلال على مدى عدة عقود من الزمن فمواطنو الأولى ذو البشرة السوداء عاشوا عبيدا اذلاء في وطنهم وعانوا تمييزا عنصريا على خلفية العرق و اللون قل نظيره في تاريخ البشرية في ظل حكم الأقلية البيضاء التي كان النخاسون منهم يشدون آذان شيبهم و شبابهم ونسائهم وهم بالفلسين مردود كما قال المتنبي منذ أكثر من الف عام حتى ظهر بينهم القائد القديس نيلسون مانديلا وتمكن بنضال شاق و مرير من تحريرهم من الرق و العبودية و جعلهم سادة لوطنهم فهل قيم و مبادىء مانديللا ورفيق دربه ثامبوبيكي تبخرت من قاموس تلك الدولة ودخل اصحابها المتاحف ؟ وهل أن دولة الهند العريقة بديموقراطيتها ومئات اعراقها واديانها و مذاهبها قد تخلت نهائيا عن تلك القيم السامية التي دفع طاغور و غاندي و نهرو حياتهم في سبيلها وإلا فما هي المصالح و المكاسب التي ستجنيها الدولتان بالتحالف مع النظام السوري الآيل للسقوط طال الزمن أم قصر بحكم قوانين الحياة و عصارة تجارب الشعوب فصفحات التاريخ القديم و الحديث تخلو من انتصار أي نظام مهما بلغ من البأس و القوة والطغيان على إرادة شعب قرر الدفاع عن حقوقه و كرامته واستعداده بتقديم كل غالي و نفيس في سبيله .
وعودة على الفيتو الروسي و الصيني و بعيدا عن الشعارات و الأيديولوجيات فالديكتاتوريات لها أشكال و ألوان آخر صيحة لها هي التبادل المستمر بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في روسيا بين شخصين لا غيرهما (بوتين- ميدفيديف) وكلاهما من المؤسسة الأمنية الروسية (ك.ج.ب) ذات التاريخ الأسود في مجال الحريات و حقوق الأنسان ومقاربة لها القيادة الصينية التي ما زالت تتغنى بديكتاتورية البروليتاريا لكن مذبحة ميدان الحرية في بكين والممارسة الوحشية حيال شعب الأيغور المسلم لا زالت ندية في الذاكرة الجمعية لشعوب العالم الحر و منظمات حقوق الأنسان وما مزاعم الدولتين و تشدقهما بالديموقراطية و حقوق الشعوب بالحرية و الأنعتاق فهو استهزاء غير مسبوق لعقول الناس في القرن الحادي و العشرين و لكنها من جانب آخر تفسير لماذا تقف روسيا و الصين مع الديكتاتوريات الأخرى المتبقية في العالم فشبيه الشىء منجذب اليه بحكم قوانين الطبيعة فلا غرابة و الحالة هذه لموقفهما المشين في مجلس الأمن ففاقد الشيىء لا يعطيه .
ومرة أخرى اكرر القول بأن على قادة الأنتفاضة و المعارضة معا الخروج من المربعات الرمادية في خياراتها و الضبابية في مواقفها ومخاطبة الأسرة الدولية بخطاب واضح و جريء قبل خراب دمشق و ليس بعدها .ثم اليس موروثنا الثقافي وتجاربنا التاريخية قائم بأن السيف هو اصدق أنباء من الكتب .