يجمع المراقبون على أن مجرد قبول النظام السوري لبنود المبادرة يدل على رضوخه مجبرا لارادة وفعل الثورة السورية وتأثيرات الضغوطات الخارجية رغم تواضعها حتى الآن كما أنه اعتراف بتفاقم أزمته من جهة وبوجود معضلة كبيرة داخل البلاد بخلاف كل ادعاءاته الاعلامية وخطابه الدبلوماسي مع العالم الخارجي والتي دفعته للتعاطي مع المبادرة العربية بل قبول بنودها من دون شروط مسبقة أما الجانب الآخر من الموضوع وكما يراها الكثيرون وخاصة من أوساط شباب الانتفاضة وبعض أطراف المعارضة الوطنية وكتاب ومثقفي الثورة فمجرد حركة تكتيكية مدروسة ظاهرها تراجع ورضوخ وقبول وجوهرها انحناءة أمام العاصفة لكسب الوقت وتنفيس للاحتقانات واعادة تموضع لقواه الأمنية والعسكرية خاصة من الملاحظ اجراء تبديلات في تشكيلات وتجهيزات وحركية – الشبيحة – وهي القوة الميدانية الضاربة على مستوى الأحياء والشوارع والزواريب وقد يكون الموقف هذا الذي قد فاجأ البعض استجابة متفق عليها بين النظام من جهة وبين أنظمة عربية معينة – ممانعة – وخليجية في الوقت ذاته عضوة في الجامعة من الجهة الأخرى خاصة وأن هذه المؤسسة تمثل الموقف العربي الرسمي الذي لايرغب بنهاية الأمر في تشجيع الثورات والانتفاضات بل يقف بالضد من كل تغيير جذري الذي سيطال نظمها ودولها في يوم من الأيام كقدر تاريخي لاراد عنه وهي نفسها لم تتحمس للحالة الليبية الا لأسباب شخصية ومصلحية ذاتية أو لتنفيذ أجندة معينة مغايرة لارادة الثوار الليبييين خارجة عن قضية التغيير الديموقراطي.
التوجه الأخير يستند في قراءته التشكيكيه بجدوى المبادرة الى جملة أسباب وعوامل من أبرزها الغموض الذي يكتنف غالبية بنود المبادرة مثل الافتقار الى ضمانات التنفيذ من جانب النظام والآليات اللازمة لمتابعة القرارات وعبارة ” الطرفين ” الغامضة أو المقصودة وكأن هناك اتهام بأن الانتفاضة والتنسيقيات التي مازالت تلتزم بطابعها السلمي تحمل السلاح وتمارس الكفاح المسلح في حين أن الحقيقة بادية للعيان وهي أن هناك ظاهرة الانشقاق من الجيش والنظام التي أدت الى عصيان المئات من العسكريين وبينهم ضباط برتب عالية على أوامر المتنفذين بتصويب السلاح الى الشعب مما أدت الى تمردات ومواجهات التي تتزايد كل يوم وكذلك البند المتعلق بالانسحاب العسكري من المدن والأحياء وهذا لن يتم لأن النظام لديه الكثير من الأسباب والحجج ليس للانسحاب بل للتوسع في عمليات القتل والاجرام بحجة ملاحقة الارهابيين وملايين السوريين بنظره من الارهابيين والمخربين وتعرف الجامعة العربية قبل غيرها استحالة تنفيذ هذا البند المفصلي من دون تواجد مراقبين أو ” قوات الردع ” التي كانت في لبنان بقيادة قوات سلف رأس النظام الحالي ووالده خصيصا لمعاقبة منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية فلماذا لايعاد المشهد مرة أخرى ولكن بطريقة أخرى ؟ وهناك أيضا مسألة الحوار المزعوم واذا تم بين من ومن ؟ وأين ؟ فكل الدلائل تشير الى أن السبب بابقاء هذا البند في دائرة الغموض هو التسليم المسبق بمشروع النظام الذي يحضر له منذ أكثر شهرين من أجل ” مؤتمر المصالحة الوطنية والاصلاح ” وعقدت الجلسة الأولى برئاسة نائب رأس النظام فاروق الشرع وقد أعلن البارحة عن تشكيل لجنة تحضيرية لهذا الغرض وهناك تسريبات مازالت في مستوى الشائعات عن استعداد ” هيئة التنسيق ” للانخراط في العملية باسم المعارضة ” الوطنية ” وستحذو حذوها جماعة ” سميراميس ” وهناك اتصالات قد تفضي الى انضمام ” قوى التغيير ” والعضو الأبرز فيها بشكل خاص وبمشاركة أحزاب جبهة النظام وخاصة من شيوعيين وقوميين سوريين كما أنه من غير المستبعد لحاق تيار معروف من الاسلام السياسي من ضمن ” المجلس الوطني ” الذي أعلن من استانبول كخطوة تالية اضافة الى بعض زملائهم ” المستقلين ” من قيادة ” المجلس ” الحديثي العهد بالمعارضة الوطنية أما على الصعيد الكردي فالاستعدادات على قدم وساق منذ مدة للالتحاق بمشروع النظام وكان اغتيال المناضل مشعل تمو واعتقال وملاحقة المئات من الناشطين الكرد من الخطوات العملية التمهيدية وما عقد ماسمي با ” المؤتمر الوطني الكردي ” مؤخرا بمباركة أطراف كردية من خارج سوريا الا خاتمة لجاهزية عدد من الأحزاب الكردية التقليدية لتقديم خدماتها لنظام الاستبداد سعيا وراء مصالح ذاتية وتعبيرا عن الافلاس السياسي والافتراق النهائي عن الحراك الشبابي الكردي الثوري والابتعاد عن أهداف وطموحات الشعب السوري والجماهير الكردية .
وهكذا نرى أن من أولى النتائج المرشحة للمبادرة العربية الرسمية تكريس وتوسيع الانقسام في الصف الوطني السوري وبخاصة صفوف المعارضة التي تعاني أساسا من أزمة الانقسامات والصراعات وعدم التلاقي في اطار موحد فحتى ” المجلس الوطني ” الأخير الذي بنى عليه البعض آمالا عراضا استبعدت منه أوساطا معارضة وطنية ديموقراطية وشخصيات مشهود لها بالتفاني والمواجهة مع الاستبداد منذ عقود ويهيمن عليه الاسلام السياسي ومركزه الرئيسي جماعة الاخوان ويعاني من تناقضات عميقة في المواقف بين أعضائه ولم يتأسس على قواعد سليمة ويفتقر الى برنامج سياسي متوازن والى قيادة نضالية مجربة وازاء المشهد هذا علينا الاتكال على ارادة شعبنا السوري الصامد الذي فجر الانتفاضة الثورية من دون أخذ الاذن من أحد من الأحزاب والهيئات والمجالس وشجاعة وتضحيات ثوارنا مصدر الشرعية الوطنية الذين عاهدوا على المضي قدما حتى اسقاط نظام الاستبداد وهناك في ساحتنا الوطنية السورية قوى وطاقات تمثل الأغلبية الساحقة ومن ضمنها جيلنا الكردي الشاب من النساء والرجال وتياراتنا السياسية الجذرية وشخصياتنا النضالية التاريخية التي قررت المواجهة والصمود ورفض أي تحاور مع القتلة ومصممة على الحاق الهزيمة بالمنظومة الأمنية واجبار رأس النظام على الرحيل وتحقيق التغيير الديموقراطي واعادة بناء الدولة السورية التعددية لكل مكوناتها القومية والاجتماعية والروحية.