اذا كان البعض لم يعلم حتى الآن وبعد خمسة أشهر من عمر الانتفاضة الوطنية بأن للتنسيقيات المحلية في سائر أنحاء سوريا وقياداتها الميدانية التي انبثقت من صلب الحركة الشعبية برامجها ومشاريعها المستقبلية المطروحة بطريقتها الخاصة فهو مصيبة ألا تدل اللافتات والشعارات والهتافات والأغاني الثورية المستحدثة وحتى رسوم الكاريكاتير شيئا لهذا البعض ولانقول الوثائق المكتوبة والمنشورة بعضها ( قامت الكاتبة والمناضلة الوطنية مريم نجمة بتوثيقها ونشرها في موقع الحوار المتمدن مشكورة ) ألا تعني البيانات والنداءات الصادرة من كل تنسيقية في كل مدينة وبلدة قبل البدء كل مرة بالاحتجاج والتظاهر وما تحتويه من مواقف ورؤا من أجل المستقبل شيئا لذلك البعض الذي قد لايواكبها لأسبابه الخاصة وضيق وقته , هل استخدام حجة التقليل من قدرات المنتفضين في الداخل ذريعة وسبيل لاستحضارمن فشل في الامتحان للمرة الألف اخوانا كانوا أم أحزابا أخرى .
اذا كان البعض وبعد خمسة أشهر مازال يعيش حالة – الصدمة – وغير قادر على قراءة الواقع السوري الجديد والتميز بين مرحلتين لفعل الانتفاضة الأولى : اسقاط النظام والثانية : اعادة بناء الدولة فهو مصيبة ففي الأولى ليس مطلوبا بالحاح من الشباب أن يقضوا الوقت بكامله لصياغة أسس وتفاصيل وقواعد النظام السياسي القادم أو انجاز مشروع دستور سوريا الجديد أو برنامج لحل القضية الكردية لأنهم محكومون بمهام وأولويات أخرى فذلك من مهام الاختصاصيين الذين يملكون الوقت الكافي وبامكانهم استنباط المبادىء الأساسية من ثقافة وخطاب وتراث الانتفاضة والمتظاهرين المتراكم والفارض نفسه على الشارع والحياة العامة يرددها حتى الأطفال في جميع المناطق دون تمييز من درعا الى القامشلي .
اذا كان البعض وبمرور خمسة أشهر لم يحالفه الحظ في فهم واستيعاب تطورات الساحة الوطنية السورية والاصطفافات والاستقطابات الجديدة في الحركة السياسية بفعل وتأثير الانتفاضة فهو مصيبة فقبل حدوثها كان هناك أسماء أحزاب : البعث الحاكم وأحزاب ” الجبهة الوطنية التقدمية ” وأحزاب موالية وأحزاب نصف معارضة بحيث لاتزعج السلطة وافتقد السورييون ومنذ تسلط حزب البعث أية تقاليد ديموقراطية في العمل السياسي الحر ولم تنشأ أحزاب أو تتوسع أو تتطور في أجواء الحرية النسبية حتى وبالتالي لم تتمكن من بناء مؤسساتها التنظيمية والقيادية والمالية والثقافية حتى نعول عليها الآن لاجترار المعجزات وبعض مضي خمسة أشهر من عمر الانتفاضة التي أشعلها الشباب وقادوها واستشهدوا في سبيل توسيع صفوفها بمعزل عن أي حزب أو جماعة سياسية التي لم تتضمن برامجها من قريب أو بعيد مسألة التغيير الجذري واسقاط النظام وبعد مرور كل هذا الوقت مازالت غالبية الأحزاب السورية اما مناهضة للانتفاضة أو في طور – التفلسف – حول مديح رأس النظام وتفضيل خيار التحاور معه والعمل على وقف الحراك أو اجهاضه أو زرع العراقيل أمامه .
اذا كان البعض وبعد خمسة أشهر لم يلحظ أن تطورا عميقا قد حصل في موازين القوى الداخلية وأن الشرعية الوطنية قد انتقلت الى شباب الانتفاضة فهو مصيبة فالمؤسسة المعارضة الوحيدة في داخل الوطن هي ” تنسيقيات الثورة المحلية ” التي تتميز بالضبط التنظيمي المقبول وسرية آليات العمل والقرار وشفافية الموقف تجاه النظام والتعامل مع الجماهير الشعبية فقياداتها الميدانية غير المعروفة الا في مواقعها التي ظهرت من معمعة المواجهة تختلف عن قيادات الأحزاب الكلاسيكية وليس بينها – أمين عام وسكرتير ومكتب أو لجنة سياسية – وتشارك في كل التظاهرات وتتعامل مع الجمهور بل وتشاركه درب الشهادة ان عدم وعي المرحلة وخصائصها ومميزاتها ومتطلباتها يقود هذا البعض الى الخطأ الجسيم عندما يغامر باعادة عقارب الساعة الى الوراء ويدعو الى اعادة الروح في هياكل تجاوزها الزمن واعتبار الأحزاب الكلاسيكية التي تقف في مواجهة الانتفاضة مؤهلة لاقرار البديل الوطني الديموقراطي بزعم أنها ” مؤسساتية ! “وهنا نتساءل ألم يكن – حزب العمل الشيوعي – الرابطة سابقا – من أنشط الجماعات الحزبية السورية وأكثرها تنظيما وأرفعها مستوى في الفكر والثقافة والمعرفة ؟ وأين هو الآن من الانتفاضة والمرحلة الراهنة ؟ .
اذا كان البعض لم يفهم بعد خمسة أشهر طبيعة وخصوصية الحالة السورية الراهنة فهو مصيبة ففي ظل انعدام المناخ الديموقراطي الملائم منذ مايقارب النصف قرن في بلادنا وغياب الحركة السياسية المنظمة بأحزاب وحركات حسب الأصول المعروفة وماتعرض له الوطنييون السورييون بكل مكوناتهم القومية والسياسية وبمئات الآلاف الى القمع والاستشهاد والتعذيب والملاحقة والهجرة بدأت النخب الوطنية المعارضة في الداخل من مثقفين وسياسيين جراء ضغوطات السلطة وفشل الأحزاب في القيام بقيادة الجماهير نحو الثورة باالانكفاء وانتهاج الاستقلالية والعمل الفردي بقدر ماتسمح به الظروف وتشتت فريق كبير من المناضلين السوريين في أصقاع الدنيا بحثا عن الأمان أولا ومن ثم الاسهام الفردي بقضاياهم الوطنية كل ذلك دفع باتجاه موجة ما أطلق عليه بالربيع العربي واندلاع الانتفاضات في عدة بلدان ومنها سوريا بصورد فردية وعفوية وليس عبر خطط وبرامج جماعية ” مؤسساتية ” مدروسة الا أن استقطبت الجماهير وفئات الشباب ومختلف الأعمار من مختلف الطبقات الاجتماعية وخاصة المسحوقة منها والطبقة الوسطى لذلك لايمكن اغفال الطابع الفردي – العفوي بل دور الفرد البارز والمؤثر ( ولدينا أمثلة لاتحصى في هذا المجال ) في انتفاضتنا السورية داخل البلاد وكذلك في نشاطات الخارج وهذا حسب رؤيتي أحدى ميزات انتفاضات القرن الواحد والعشرين المختلفة عن الثورات التقليدية ابان مرحلة نهوض حركات التحرر الوطني وازدهارالانقلابات العسكرية .